صدر مؤخراً عن دار البوتقة للنشر والتوزيع بدعم من الصندوق العربى للثقافة والفنون، الذى يرأس مجلس أمنائه المفكر اللبنانى الدكتور غسان سلامة، الترجمة العربية للمجموعة القصصية "أشباح بلا خرائط"، ويعد هذا الكتاب هو الثانى الذى يصدر بترجمة هالة صلاح الدين حسين وتحريرها.

وتهدف الدار إلى عرض مشهد غير منقوص لتراجم آداب اللغة الإنجليزية المعاصرة إلى اللغة العربية، وتنصب غايتها على رسم خريطة أدبية متخيلة للقص القصير المعاصر، وفى هذا الكتاب تواصل البوتقة تنقلها بين عوالم أدبية شتى، وإبراز مواهب لا يعهدها المشهد الثقافى العربى.

وتعكس هذه القصص ما سمَّاه الناقد الأمريكى إدوارد أوبراين "قدرة الفنان على الإقناع التخيلى الأخاذ" سوف تدلف بعضها إلى واقعية مريرة على حين تعكس قصص أخرى حساً مرئياً بالفانتازيا.

ومع ذلك لن تشيح البوتقة ببصرها عن ساحات القتال والخسارة حين تُقدم وجهة نظر رومانية مُطلعة لصبى مولود آمناً فى أمريكا لوالدين مهاجرين، يحاول أن يستوعب رحلة رهيبة كان من الواجب أن تكون أمريكا هى نهايتها السعيدة. وبأسلوب كلاسيكى على غرار قصص إدجار ألان بو تغوص إحدى القصص المنتمية إلى "المذهب اللاواقعى" فى مشاعر الوحشة وصعوبة التخلى عن الأحلام. ومن الكلاسيكية إلى ما بعد الحداثة المعاصرة تصحبنا قصة لا سبيل إلى معرفة موقعها إلى غياهب الموت والفانتازيا. وكما هى عادة البوتقة لن تَعدم قصة جديدة من أفريقيا: كوميدية سوداء تتناول حياة بغى فى هرارى تحاول إثبات هويتها، لا بأية طريقة مثالية أو وجودية، وإنما بطريقة بيروقراطية محضة. لا يخلو الكتاب من قصة مدينية، بل هى "تحدى منهجي" وضعتُه مؤلفتها أمام نفسها. نسخة عصرية من تناول فيرچينيا ولف وكاثرين مانسفيلد لوجهة نظر الرواة. ومن كندا سوف نجد قصة تعلمنا شيئاً عن معنى الإنسانية، لا تنطوى على وعى أكثر مما ينبغى بأثرها ولا تصطبغ بصبغة من السخرية لمجرد السخرية. وبالقرب من مفاعل تشرنوبيل سوف يلفى القارئ حبكة تموج بالفقدان والحنين. تخيم عليها إيماءات هادئة النبرة تليق بتشيكوف وتصوير لشخصيات أشبه بشخصيات نابوكوف. قصة أخرى فى كوريا الجنوبية مشعة بالجمال، عن الحرب، عن كل حرب. داخل إحدى مستشفيات القتال يطارد الماضى بطلة يابانية يتيمة أثناء رغبتها الطاغية فى عودة رفيق كان خلال طفولتها كل شيء فى حياتها.

الجدير بالذكر أن الكتاب يحوى قصصاً فازت بجائزة "أو. هنري" وجائزة "كين" لأفضل قصة أفريقية، وجائزة "بليمتِن" المقدَّمة من مجلة ذا باريس ريفيو وقصصاً ظهرت فى كتب المختارات القصصية القصص القصيرة الأمريكية. إليها نتوجه، تلك المرافئ الأجنبية الغريبة، بأشباحها معدومة الخرائط. تزخر بشتى أنواع الخلط المحفوف بالمجازفات للرعب والكوميديا، المنقذين والغارقين، الإحباط والأمل. قد تستغل بعض القصص الماضى لحجب الحاضر وقد تعتبره كل شيء أو لا شيء على حين قد تجد فيه بعض الشخصيات شيئاً من العزاء. وعلى الرغم من موت – أو احتماليته – يحلق عالياً فوق القصص جميعها، ترشدنا كل منها إلى عالَم أرحب لا ينقصه السحر أو التلقائية لتُذكرنا بأن صوت الإنسانية صوت واحد ينبض بالحياة والتسامح.