تقرير: ركود الاقتصاد العالمي العام الحالي غير وارد

متوقعا تجاوز النمو الأميركي مرة أخرى مثيله في أوروبا واليابان


لندن: «الشرق الأوسط»

كانت المرونة التي اظهرها الاقتصادان الأميركي والعالمي في مواجهة الأرقام القياسية التي بلغتها أسعار النفط خلال عام 2005 مثيرة للدهشة. وتتوقع مؤسسة «غلوبال إنسايت» العالمية أن يستمر النمو الاقتصادي خلال عام 2006 على ما كان عليه في السنة الماضية. وستستمر الولايات المتحدة والصين على نفس معدلات النمو. والأكثر من ذلك فإنه بدون وقوع صدمات إضافية كبيرة فإن احتمال الوقوع في الكساد خلال السنوات القليلة المقبلة يظل قليلا. وفي اطار توقعاتها المستقبلية وضعت ناريمان بيهارافيش، رئيسة الاقتصاديين في مؤسسة «غلوبال إنسايت» عشرة تنبؤات اقتصادية لعام 2006 تضع مسارا متفائلا للنمو الاقتصادي العالمي.

وبداية توقع التقرير ان يستمر النمو القوي على الأقل لعام آخر حيث كان زخم النمو الاقتصادي القوي في الولايات المتحدة وآسيا خلال السنة الماضية سببا لارتفاع الحاجة للوقود وارتفاع أسعاره وكان السبب أيضا لعدم تأثر الاقتصاد العالمي بذلك. تتوقع «غلوبال إنسايت» أن ينمو اقتصادا الولايات المتحدة والعالم بمعدل 3.5% في السنة المقبلة (مقارنة بـ 3.7% و3.4% لهذه السنة والسنة الماضية على التوالي). وفي ما يخص الولايات المتحدة فإنه من المتوقع وقوع تباطؤ في انفاق المستهلكين وفي ارتفاع أسعار البيوت لكن ذلك يتم تعويضه من خلال إنفاق رؤوس الأموال والصادرات وهذا متأت بسبب إعادة إعمار المنطقة المتضررة بالأعاصير.

كما توقع تقرير«غلوبال إنسايت» ان يتجاوز النمو الاقتصادي الاميركي مرة أخرى أوروبا واليابان، مشيرا الى انه لن تتمتع كل مناطق العالم باقتصاد قوي خلال عام 2006، فمعدلات نمو اليابان الاقتصادية خلال السنتين الأخيرتين لن يتم تجاوزها حيث لن يزيد معدل النمو خلال السنة المقبلة عن 1.9% مقارنة بـ 2.4% هذه السنة. بينما سيكون معدل النمو الاقتصادي في أوروبا الغربية عن 1.9% (من 1.5% هذه السنة). وستبقى العناصر الأساسية ضعيفة. لن يرتفع معدل إنفاق المستهلكين وأكثر من نصف النمو سيأتي من التصدير. في الوقت نفسه فإن بنك أوروبا المركزي قد رفع الفائدة للتو ولعله سيظهر رفعه خلال عام 2006 ومن المتوقع أن تصبح السياسة المالية أكثر تقشفا في ألمانيا.
اما الصين وبقية آسيا فستبقيان نجمي الأداء الاقتصادي المتميز على المسرح العالمي حيث ستكون الصين ومنطقة المحيط الهادي باستثناء اليابان قادرتين على الاستمرار في النمو الذي قد يكون حوالي 6%. وإذا كان من المتوقع أن يتراجع نمو الصين الاقتصادي فإن «غلوبال إنسايت» تتوقع ان يتحقق نمو في السنة المقبلة في تلك المنطقة يكون على الأقل 8.4% (مقارنة بـ9.3% في هذه السنة). كذلك من المتوقع أن يزداد النمو بسرعة في أماكن أخرى مثل الهند الذي سيبلغ 6.7%، بينما سيصل النمو في كوريا الجنوبية حوالي 6.0%. وفيما ستستمر الصادرات عاملا أساسيا في النمو الاقتصادي فإن الطلب المحلي قد عرف هو الآخر زيادة كبيرة.

وحول توقعات اسعار النفط للعام الحالي أكد التقرير ان أسعار النفط ستنخفض، لكن المخاطر في طور التزايد. وقد هبطت أسعار النفط والغازولين بشكل كبير منذ أن قفزت الى أرقام قياسية بعد إعصاري كاترينا وريتا. وتتوقع «غلوبال إنسايت» استمرار هبوط سعر برميل النفط الخام من غرب تكساس تدريجيا من 60 دولارا إلى 57 دولارا بانتهاء عام 2006. ولن تهبط أسعار النفط كثيرا، وهذا يعني أن احتمال وقوع ارتفاع مفاجئ لأسعار النفط تحت تأثير عوامل لها صلة بالمناخ ما زالت قائمة بحسب التوقعات.
وحول مؤشرات الاقتصاد الكلي قال التقرير ان التضخم في الولايات المتحدة سيندفع إلى أعلى، مبينا انه حتى الآن ظل التضخم تهديدا ذا مستوى منخفض على الرغم من النمو القوي للاقتصاد وارتفاع أسعار النفط الحاد. مع ذلك ولأن اقتصاد الولايات المتحدة قد نما خلال السنتين الأخيرتين فوق المعدل المتوقع فإنه أصبح أكثر عرضة لضغوط التضخم. وتتوقع «غلوبال إنسايت» أن يرتفع «مؤشر أسعار التجزئة» من 2.2% إلى 2.3% خلال عام 2006، لكنه من غير المتوقع أن يخرج التضخم عن نطاق السيطرة. وظل معدل نمو الانتاجية متزايدا بفرض قيود على أجور العمل وما زال معدل نمو التعويضات تحت اللجام، وهذا يعكس استمرار التباطؤ في ارتفاع أجور سوق العمل. وخارج الولايات المتحدة سيكون التضخم أقل تهديدا. ففي أوروبا وبسبب أن معدل النمو كان أقل من الخط العام وفي الصين بسبب ازدهار الاستثمار بشكل كبير.
هذا وأكد التقرير على استمرار تشدد الاحتياطي الفيدرالي الاميركي في السياسات المالية، فقد ظل الاحتياط الفيدرالي يتخذ سياسة بطيئة لكنها منتظمة بشأن التشدد في السياسة المالية بهدف تحسين الأداء المالي على مستوى الولايات.

وتشير التوقعات الى رفع المصرف المركزي لنسبة الفائدة ثلاث مرات خلال الفترة بين ديسمبر (كانون الأول) ومارس (اذار)، وهذا سيؤدي الى نسبة معدلات الى 4.75 بعد عامين من الإبقاء على معدلات الفائدة كما هي، كما بدأ المصرف الاوروبي المركزي إعادة النظر في استراتيجيته، إذ من المرجح ان يكون التغيير تدريجيا مقارنة بالمصرف المركزي الاميركي. ويتوقع ان يساعد خفض قيمة الاسعار مصرف اليابان المركزي في تغيير سياسة الانفراج الكمي في حركة الأموال في المصارف. واستبعدت «غلوبال إنسايت» اانهيار اسعار العقارات، موضحة في هذا السياق انه ظلت التكهنات بالارتفاع السريع في اسعار العقارات والمخاوف المترتبة على ذلك من القضايا التي شغلت المحللين الاقتصاديين ومخططي السياسات على مدى العامين السابقين. كما ان انهيار اسعار العقارات ظل شبحا يتهدد الولايات المتحدة واقتصادات بلدان اخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة واستراليا وايرلندا وإسبانيا والسويد. الا انه في الوقت الراهن استقرت الاسعار في اسواق العقارات في كل من المملكة المتحدة واستراليا دون حدوث انهيار، ومن المحتمل ان يحدث نفس الشيء للاقتصاد الاميركي خلال العام الحالي. ومن المتوقع ان تتراجع نسبة الزيادة في اسعار العقارات من حوالي 9 بالمائة في العام، كما حدث خلال العامين السابقين، الى 3.5 بالمائة خلال العام الحالي و1.9 بالمائة خلال العام المقبل. وتوقع التقرير احتمال ازدياد عجز الحسابات الجارية في الولايات المتحدة حيث انه عقب تخطي عتبة الـ800 مليار العام الماضي، سيسجل العجز في الحسابات الجارية رقما قياسيا مرة اخرى هذا العام ليصل الى 900 مليار (نسبة 6.8 من اجمالي الناتج المحلي) خلال هذا العام. وبين التقرير ان الاسباب الرئيسية لهذا التدهور تكمن في النمو المعتمد على الناتج المحلي في الولايات المتحدة والنمو المعتمد على الصادرات في بلدان اخرى. الجانب الايجابي الآن يتمثل في استعداد مستثمرين ومصارف مركزية في بلدان اخرى (خصوصا من آسيا والدول المصدرة للنفط) على تمويل العجز الاميركي المتزايد، إلا انه لا يعرف مدى استمرار هذا الدعم. وفي سياق التوقعات الاخرى، افاد التقرير انه ستكون قيمة الدولار نهاية العام اقل مما كانت عليه عند بدايته. واوضح في هذا الجانب ان اقتصاد البلدان التي تعاني من مشكلة عجز الحساب الجاري تواجه مشكلة خفض قيمة العملة، مبينا ان ذلك قد حدث في الولايات المتحدة من عام 2002 حتى عام 2004. إلا ان قيمة الدولار شهدت نوعا من الاستقرار خلال العام المنصرم بسبب عدم الاستقرار في بعض المناطق (منطقة اليورو وأحداث الشغب في فرنسا)، لكن الاسباب الرئيسية وراء قوة الدولار تعود الى النمو الاقتصادي القوي ومعدلات الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة. الى ذلك أكد التقرير انه لن يكون هناك ركود اقتصادي خلال العامين المقبلين ما لم تحدث هزة او هزتين قويتين حيث تمكن اقتصاد الولايات المتحدة وبلدان اخرى من الصمود أمام عدد من الصدمات القوية خلال العام المنصرم ـ كارثتي تسونامي وإعصار كاترينا وارتفاع اسعار النفط. ويعني ذلك ان النمو الاقتصادي سيصمد خلال العامين المقبلين رغم الصدمات. ويستبعد خبراء اقتصاديون حدوث ركود اقتصادي إلا في حالة حدوث صدمتين كبيرتين أو اكثر في وقت واحد.

المصدر :
جريدة الشرق الأوسط
http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=3&article=343155&issue=9909