يوم الهوان العربى
___________
_


بسم الله الرحمن الرحيم




أرشح يوم الثالث من مارس لكى يكون يوم الهوان العربى. ذلك أن الأمة العربية فى ذلك اليوم الأسود أعلنت عن انبطاحها رسميا، ليس أمام الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما أمام السيد بنيامين نتنياهو شخصيا.

وهو المشهد الذى رحب به الرجل، فسارع إلى تقديم الشكر إلى بعض الزعماء العرب لما أبدوه من أريحية وكرم، ولم تقصر وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة كلينتون فى الإعراب عن امتنانها ورضائها عما اعتبرته موقفا عربيا «شجاعا» (!).

القصة عمرها 19 سنة (منذ توقيع اتفاقيات أوسلو) استمرت خلالها المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وتواصلت مشاريع الحل الأمريكية، وهو المسلسل الذى لم يحقق شيئا يذكر، حيث أكل الإسرائيليون الأرض فى حين أكل الفلسطينيون الهواء.

وحين ظهر الرئيس أوباما فى الأفق، فإنه شمر عن ساعديه وتحدث عن اعتزامه العمل على حل القضية وإقامة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، ووعد بالعودة إلى استئناف المفاوضات التى كانت قد توقفت فى ظل حكومة نتنياهو، وطلب وقف الاستيطان بصورة مؤقتة لتهيئة الأجواء المناسبة لتحقيق ما وعد به.

هذا الكلام تراجع عنه الرئيس الأمريكى بمضى الوقت للأسباب المعروفة. وإزاء إصرار إسرائيل على موقفها الرافض لوقف الاستيطان وغير المعترف بما قطعته المفاوضات فى ظل حكومة أولمرت السابقة، فقد اتجهت الضغوط صوب الجانب العربى، باعتبار أنه الأكثر استعدادا للتنازل والانحناء.

ولم يخيب العرب ظنونهم لعدة أسباب بينها أن الأطراف المعنية فرطت فى كل أوراقها ولم تعد تملك شيئا تضغط به على إسرائيل، ناهيك عن أن بعضها لم يعد راغبا فى ممارسة ذلك الضغط ومتمنيا أن يغلق ملف القضية بأى ثمن. فى هذا الصدد توافق أبومازن مع القاهرة وعمان على القبول بفكرة إجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لفترة تستغرق أربعة أشهر تعقبها مفاوضات مباشرة حول قضايا الحل النهائى، وهى الفكرة التى اقترحها مبعوث الرئيس أوباما إلى الشرق الأوسط «السيناتور جورج ميتشيل»، للاحتيال على العودة إلى المفاوضات واستمرار اللعبة العبثية، التى تريح بال إسرائيل وتمكنها من التفرغ للتعامل مع الملف الإيرانى.

كان مطلوبا أن يبتلع العرب شرط وقف الاستيطان، ويتخلى أبومازن عن العنترية التى ادعاها. وينسى الجميع كل ما قالوه عن مراوغة إسرائيل وعدم رغبتها فى إقرار السلام، ورفضها للمبادرة العربية وازدرائها بمن أطلقوها. كان مطلوبا أيضا أن يغض العرب بصرهم عن مخططات تهويد القدس، وعملية اقتحام المسجد الأقصى، وسرقة الحرم الإبراهيمى ومسجد بلال بن رباح، وسرقة وهدم بيت المقدس، باختصار كان مطلوبا محو الذاكرة العربية ونسيان العدوان على غزة، واستمرار حصارها، وإصرار إسرائيل على ارتهان 11 ألف فلسطينى فى سجونها.

ولإخراج المشهد المخزى تم ترتيب الأمر بين تل أبيب ورام الله والقاهرة وعمان. فدعيت لجنة المبادرة التى ضمت 13 دولة عربية لاجتماع وزارى فى القاهرة لبحث فكرة العودة إلى المفاوضات قبل القمة العربية فى ليبيا. ولتسكين المشاعر العربية وتخديرها طلب نتنياهو وقف اقتحام المسجد الأقصى وتأجيل هدم 150 بيتا للعرب فى حى سلوان بالقدس لإقامة ما سمى بالحرائق التوراتية بدلا منها، وهو المشروع الذى كان قد تقرر إطلاقه فى وقت اجتماع لجنة المبادرة بالقاهرة.

ادعى أبومازن البراءة، فصرح بأنه ألقى بالكرة فى ملعب اللجنة للنظر فى الاقتراح الأمريكى، مؤكدا التزامه بما تقرره إزاءه، وهو يعلم وكل الوزراء يعرفون بأن اللجنة تشكلت لتسويق المبادرة العربية ولا علاقة لها بموضوع استئناف المفاوضات.

حين أعلنت لجنة المبادرة الانصياع ودخول بيت الطاعة المنصوب، نظرت إلى صورة الوزراء المجتمعين فرأيتهم جميعا وقد انبطحوا عرايا فى القاعة الفسيحة التى جمعتهم، ورأيت صورة نتنياهو معلقة على الجدار وهو يبتسم وقد لوح بيده فى الهواء محييا ومباركا، وحبست رغبة شديدة فى البكاء!.