وصلتني رسالة إلكترونية بعنوان «مؤتمر الشياطين». وكما هو واضح من العنوان فإن كبير الشيطان عقد مؤتمراً دعا إليه رهطاً من رفاقه من مختلف أنحاء العالم ليتباحثوا في شؤون العرب والمسلمين، وكيفية إدارة شؤونهم بالطريقة الأمثل، من وجهة نظر الشياطين طبعاً. وقد تفتق ذهن المشاركين عن وصفات شيطانية بامتياز، يستطيعون من خلالها التحكم بالمجتمعات العربية والإسلامية، وتخريبها بدهاء منقطع النظير. وقد وضع الشياطين البروتوكولات التالية للتحكم بالعرب والمسلمين:
أولاً: إشغالهم بالأمور الهامشية في الحياة لتصبح شغلهم الشاغل، يجاهدون ليل نهار للحصول عليها، فتتبخر سنوات عمرهم وهم يلهثون وراء السخافات المادية، والملذات الآنية. دعهم يهملون القضايا الأساسية، وينجرفون على الدوام وراء الصغائر، ولتكن عقولهم مشغولة دائماً بتوافه الأمور.
ثانياً: إغراؤهم بالإنفاق ثم الإنفاق ثم الإنفاق، ومن ثم تشجيعهم على الاقتراض ثم الاقتراض ثم الاقتراض. ومن بعد نقنع زوجاتهم بشتى الطرق كي يخرجن للعمل لساعات طويلة جداً؛ كي يصبح همهن الأساسي التحصيل المادي والاستقلال الأنثوي، ولتذهب العائلة إلى الجحيم. أَغْرِهِنَّ بالخادمات الأجنبيات؛ كي يربين أجيالاً منسلخة من ثقافتها وواقعها، وغير منتمية حتى إلى عائلاتها، فما بالك أن تكون منتمية للوطن والثقافة والدين. عجباً لهؤلاء العرب المغفلين، فهم حتى لا يعلمون أن المشاريع الاقتصادية لا يمكن أن تنجح إلا إذا كان أصحابها يشرفون عليها مباشرة، فما بالك أن تنجب أطفالاً وتترك شأن إدارتهم وتربيتهم للغير. لا بأس، علينا كشياطين أن نشجع العربيات والمسلمات على ملء بيوتهن بمختلف أنواع المربيات. وسترون النتيجة بعد عقود. وكذلك الأمر بالنسبة للأزواج: دعهم يعملون على مدار الأسبوع لأكثر من عشر ساعات في اليوم؛ كي يتمكنوا من الوفاء بمتطلبات أسلوب حياتهم الفارغ.
ثالثاً: منعهم من قضاء وقت كاف مع أطفالهم حتى لو توفر لهم بعض الوقت. فلا تنسوا أن هناك عرباً مترفين لديهم المال وليسوا بحاجة للعمل والغياب عن المنزل. فلنعمل على منع هؤلاء من الاهتمام بأبنائهم، وحتى الجلوس معهم على مائدة الطعام، مما سيؤدي بالنتيجة إلى تحقيق الهدف الشيطاني المنشود؛ ألا وهو تفكك أسرهم في وقت قياسي. وبالتالي يصبح المنزل بالنسبة لهم جحيماً لا يحميهم من ضغوط الحياة ولا من وطأة العمل بالنسبة للعاملين منهم.
رابعاً: لا بد أن نشجعهم على ملء بيوتهم بأجهزة التلفزيون وأجهزة تشغيل الفيديو، والدي في دي، والسي دي، وألعاب البلي ستيشن كي تكون الشغل الشاغل لهم ولأطفالهم على مدار اليوم، فيتحول أبناؤهم إلى أشخاص مجبولين على العنف والانزواء والمشاكسة.
خامساً: إمطارهم بوابل من الأخبار المتنوعة، السخيف منها والرهيب، على مدار الساعة؛ كي يضيعوا في غمرة الأحداث المتلاطمة، والتفاهات المتواصلة.
سادساً: غزو بريدهم الإلكتروني بجحافل من رسائل «الجنك» المزعجة، كدعايات الأدوية والمنشطات الجنسية، والعروض الخاصة والمنتجات غير الضرورية والخدمات الغريبة. ولنخلق لديهم آمالاً زائفة على الدوام.
سابعاً: ملء صفحات المجلات وشاشات التلفزيون بصور الفاتنات والماجنات والعارضات الكاسيات العاريات؛ كي تجعل الأزواج ينفرون من نسائهم، ويظنوا أن الجمال لا يمكن أن يكون إلا سطحياً. وإشغال الزوجات بالكثير من المشاغل التافهة، بحيث لا يبدين أي ميل للوفاء بمتطلبات أزواجهن، مما سيجعل الأزواج يبحثون عن بديل لإشباع رغباتهم خارج المنازل. وهذا من شأنه أن يسرّع من عملية تفكك الأسرة وانهيارها المرجوِّ شيطانياً.
ثامناً: إغراؤهم بشراء الكتب والإصدارت السخيفة والتافهة؛ كي تشغلهم عن تعليم أبنائهم التعليم الصحيح والمفيد لهم ولمجتمعاتهم. ولا تدع لهم وقتاً للخروج إلى الطبيعة للتأمل في خلق الله والحياة. وتشجيعهم على الذهاب إلى حدائق اللهو، والمسابقات والحفلات ودور السينما لمشاهدة الأفلام السخيفة التي تتكاثر كالفطر، والتي يخرج منه المشاهد دون أي فائدة باستثناء تضييع الوقت والضحك على مشاهد تافهة.
تاسعاً: أشغلهم، ثم أشغلهم، ثم أشغلهم كي لا يجدوا أي وقت للغوص في أعماق الروح. وإذا ما ذهبوا للتعبد أحياناً، فليمضوا جل وقتهم في القيل والقال والأحاديث السخيفة والمبتذلة؛ كي يعودوا إلى منازلهم مضطربي الضمير.
تلك هي وصفات الشياطين التي نطبقها وللأسف بحذافيرها دون أدنى مراجعة. قد يقول البعض إن تلك الوصفات الشيطانية معمول بها عالمياً، وليس فقط في ديار العرب والمسلمين. وهذا صحيح، فأصحاب تلك النظريات الإبليسية لا يهمهم سوى تحقيق مصالحهم، وليذهب العالم إلى جهنم وبئس المصير. لكن فلنعلم أنه حتى في أمريكا التي تقود ثورة الاستهلاك والمادية في العالم، بدأت تظهر حركات لتصحيح مسار المجتمع. فهناك الآن الكثير من الحركات النسائية في أمريكا تدعو إلى عودة المرأة إلى المنزل، بعد أن أدى تحررها واستقلاليتها الزائدة عن اللزوم إلى تدمير الأسر وضياع المجتمع. ولا أقول هذا الكلام من وجهة نظر دينية متطرفة، معاذ الله، فأنا مع تحرر المرأة ومنحها حقوقها كاملة. لكن العبرة دائماً في النتائج، فماذا حققت المجتمعات الغربية التي تعمل بوصفات الشياطين المذكورة أعلاه من التحرر المفرط، غيرَ التفكك والانحلال الاجتماعي والأسري الرهيب؟
ثم ألا نتشدق نحن العرب والمسلمين دائماً بأننا خير أمة أخرجت للناس؟ ألا نتباهى دائماً بثقافتنا العربية والإسلامية ونحمل سيوفنا الصدئة للدفاع عنها في وجه الزحف العولمي الرهيب؟ فهل نحن فعلاً مستعدون أو جادون في التصدي لوصفات الشياطين، أم إننا نطبقها بحذافيرها؟

منقول
مقال ل فيصل القاسم