هبط الدولار الأميركي الثلاثاء إلى أدنى مستوى له في عام مقابل عملات دولية رئيسة في مقدمتها اليورو، ما يستدعي التساؤل عن أسباب الضعف والتقلب اللذين تتعرض لهما العملة الأميركية وعملة الاحتياط العالمية الوحيدة المهيمنة منذ عقود طويلة.

وقد شهد الدولار الأميركي تقلبا منذ اندلاع الأزمة المالية في الولايات المتحدة منتصف سبتمبر/أيلول الماضي وانتشار عدواها فيما بعد إلى مختلف دول العالم.

ولأن الأزمة اندلعت أولا في أميركا فقد كان يفترض نظريا أن يهوي سعر صرف الدولار في ذروة الأزمة التي كان منطلقها انهيار بنك "ليمان براذرز" أحد أكبر وأعرق المؤسسات المالية المدرجة في وول ستريت.

لكن وعلى خلاف التوقعات لم تشهد أسواق المال العالمية التي يبلغ حجم التعاملات اليومية فيها ثلاثة تريليونات دولار انهيارا للدولار.

بل على العكس تماما، ففي أشد فترات الأزمة سوادا كان الدولار يقترب من أعلى مستوى له في 16 عاما مقابل ست عملات رئيسة منها اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني.

صمود فتراجع
وقد اجتمعت عوامل لتحول دون انهيار الدولار تحت وطأة الأزمة، من بينها الطلب العالمي الهائل على السيولة الدولارية من جانب البنوك المركزية الكبرى التي كانت تسعى لتحصيل تلك السيولة لغرض ضخ مليارات الدولارات في المصارف للحد من أزمة السيولة العالمية الخانقة.

وقد غذى ذلك الطلب الهائل مساعي تمويل خطط الحفز الاقتصادي التي تبنتها القوى الاقتصادية العالمية الرئيسة -على غرار أميركا واليابان والاتحاد الأوروبي والصين- التي بلغت حوالي خمسة تريليونات دولار.

ومن العوامل الأخرى التي حالت -مؤقتا- دون انهيار العملة الأميركية في ذروة الأزمة تراجع العملات الرئيسة مقابل الدولار بسبب الخشية من أن تضرب موجات من الركود الاقتصادي أكبر الاقتصادات في أوروبا وآسيا.

بيد أن صمود الدولار لم يستمر طويلا، إذ بدأ يتراجع بوتيرة سريعة مع شروع إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما في تنفيذ خطط الإنقاذ الاقتصادي بقيمة مئات المليارات من الدولارات, وتبني سياسات نقدية كانت تعني عمليا طبع تريليونات من أوراق الـ"بنك نوت" ومراكمة القروض من الداخل والخارج.

وفاقمت خطط الإنقاذ تلك العجز في الميزانية الأميركية الذي يتوقع أن يقارب أو يبلغ تسعة تريليونات دولار على مدار عشر سنوات في وقت ارتفع فيه الدين العام الأميركي إلى أكثر من 11.5 تريليون دولار.
المطالبة ببديل
ودفع تراجع الدولار قوى اقتصادية صاعدة في مقدمتها الصين وروسيا إلى المجاهرة بالدعوة لإيجاد عملة احتياط عالمية بدلا من الدولار.

لكن إدارة باراك أوباما ردت بحدة على مثل هذه الدعوات, وقالت إن الدولار قوي وسيظل لسنوات كثيرة قادمة عملة الاحتياط العالمية الوحيدة.


وهناك أيضا من يستبعد العثور على "وريث" للدولار في المستقبل المنظور، فالدولار يهيمن على المنظومة النقدية الدولية لـ60 عاما.

وفي هذا السياق تحديدا أكد صالح التايه النائب السابق لمحافظ البنك المركزي الأردني أن العملات العالمية الرئيسة لا يمكن أن تقوم بالدور الذي يقوم به الدولار حاليا.

وردا على سؤال للجزيرة عما يمنع إيجاد بديل للدولار عملة احتياط عالمية, أوضح التايه أن قوة الدولار الاستيعابية تفوق ما تتوفر عليه العملات الرئيسة الأخرى مثل اليورو والين.

وفي المحصلة وعلى مدار هذه السنوات الستين الماضية ظل الدولار تجسيدا ورمزا للقطب الواحد الذي تمثله الولايات المتحدة. بيد أن هناك من يعتقد أن هذا القطب يبدو موشكا على الأفول وهذا -إذا حدث- يعني انتهاء هيمنة الدولار عالميا.
المصدر: الجزيرة