العلاقة بين الدولار الأمريكي وأسعار النفط

منذ بداية العام الحالي، ارتفعت أسعار النفط أو ما يسميه العديد بالذهب السائل، بما يزيد عن 30% أي من 43 دولار للبرميل في يناير إلى 60 دولار للبرميل في منتصف مايو الحالي. وساهمت عوامل متعددة في ارتفاع أسعار النفط، أهمها تحسن توقعات النمو وضعف قيمة الدولار. وفيما يتعلق بعمالقة الاقتصاد، الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فقد تحسنت التوقعات الاقتصادية بكل منهما في الشهر الماضي، مما دفع العديد للاعتقاد بانتهاء أزمة الركود. ولقد تأكدت هذه التوقعات المتفائلة بتحسن البيانات الاقتصادية الأمريكية والصينية، وكذلك بتعليقات رؤساء البنوك المركزية حول العالم. ففي أوائل مايو، قال "بين بيرنانك" رئيس البنك الإحتياطي الفيدرالي أمام الكونجرس الأمريكي أن حدة أزمة الركود قد انخفضت وأن النمو سوف يعود بنهاية العام الحالي. كما توقع العديد من رؤساء البنوك المركزية بعودة النمو لاقتصادات بلادهم في 2010. وفي ظل هبوط أسعار النفط في النصف الثاني من عام 2008 بسبب مخاوف زيادة عمق الركود، فإن التوقعات المتفائلة بشان مستقبل أفضل للاقتصاد في الوقت الراهن دفعت أسعار النفط إلى الارتفاع من جديد.

وعلى الرغم من ذلك، لم يكن تباطؤ وتيرة الانكماش وتوقعات ارتفاع الطلب الأسباب الوحيدة وراء ارتفاع أسعار النفط. فإن الضعف الذي أصاب الدولار مؤخراً هو الذي يساهم في الانتعاش. فقد يقول البعض أن السبب وراء ضعف الدولار هو تحسن أداء النشاط الاقتصادي، وذلك بالفعل صحيح، ولكن من الصعب تجاهل العلاقة بين أسعار النفط وقيمة الدولار الأمريكي. فمنذ بداية عام 2008، كانت العلاقة بين أسعار النفط والدولار الأمريكي تعادل 0.90، أي أن احتمالات ارتفاع أسعار النفط بانخفاض مؤشر الدولار كانت تبلغ 90%. ويوضح لنا الرسم البياني التالي العلاقة الوثيقة بين كلاهما. وعلى الرغم من حدوث خلل في هذه العلاقة منذ بداية يناير 2009 وحتى نهاية فبراير، إلا أنها عادت من جديد في مارس واحتفظت بقوتها حتى وقتنا الحالي.


ومن الطبيعي أن تؤثر قيمة الدولار على أسعار النفط، ولكن هل من الممكن أن تتأثر قيمة الدولار بأسعار النفط؟ فقبل أن نجيب على هذا التساؤل، دعونا نبحث لماذا تؤثر تحركات مؤشر الدولار في تحركات أسعار النفط.


لماذا يؤثر الدولار على أسعار النفط؟

أولاً، يتم تسعير النفط بالدولار. ووفقاً لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تعد العلاقة بين النفط والدولار علاقة ميكانيكية. فعندما تنخفض قيمة الدولار، ترتفع أسعار النفط بالدولار حتى تظل متوافقة مع سعره باليورو على سبيل المثال. علاوة على ذلك، يحصل منتجي النفط على العائدات بالدولار الأمريكي، لذلك لا بد من تعويضهم من جراء تذبذب واختلاف قيمة الدولار. وبالطبع ليس هذا ما يحدث دائماً، إذ حدث واختلفت هذه العلاقة في بداية العام الحالي.

لماذا يتأثر الدولار بأسعار النفط؟

قد يقول البعض أن ارتفاع أسعار النفط الخام هو السبب وراء ضعف قيمة الدولار الأمريكي. فلقد كشفت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي عام 1996 أنه كلما ارتفعت أسعار النفط بنسبة 10%، يقابل ذلك انخفاض في سعر صرف عملات الدول الأعضاء في منظمة أوبك بنسبة 2%. فإن نتائج هذه الدراسة ليست مفاجئة لأنه بالطبع كلما ارتفعت أسعار النفط كلما ارتفعت تكاليف واردات النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو بدوره يؤدي إلى ارتفاع عجز ميزان التجارة والحساب الجاري الأمريكي، ومن ثم انخفاض قيمة الدولار. كما أن ذلك يؤثر على معدل النمو. فإن اقتراب أسعار النفط من 150 دولار للبرميل، يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود إلى 4 دولار للجالون. وهذا يعني ارتفاع الضرائب على المستهلكين، كما يؤثر على ربحية الشركات بقوة. وبذلك فإن ارتفاع أسعار النفط يضر بالنمو الاقتصادي، وهو ما يضر بالتوقعات المستقبلية للاقتصاد الأمريكي. على الرغم من أن هذا الأثر يكون على المدى البعيد إلا أننا لا يمكننا تجاهله.

الدولار والنفط : علاقة مزدوجة ومتبادلة

يمكننا أن نستنتج من كل ذلك أن العلاقة بين الدولار الأمريكي وأسعار النفط يمكن وصفها بأنها علاقة مزدوجة ومتبادلة. فعندما ارتفعت أسعار النفط في يوليو 2008، قال البعض أن ارتفاع أسعار النفط هو الذي قاد حركة الدولار بسبب المخاوف من أثار ذلك على الاقتصاد الأمريكي. على الرغم من ذلك، يبدو في الوقت الحالي أن الدولار هو الذي يقود حركة سعر النفط بسبب عدم وضوح التوقعات المستقبلية لمعدل الطلب، كما أن المستثمرين لم يعدوا يلقوا بالاً إلى مدى تأثر الأوضاع التجارية بارتفاع أسعار النفط، لكونها مؤشراً على قوة النمو.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ

المصدر : FX 360

ترجمة قسم التحليلات والأخبار بالمتداول العربي