ارتفاع هنا و تراجع هناك ... و الاقتصاد لا يزال بين شقي الرُحى

لم تكد الأسواق تفيق من البيانات الاقتصادية السابقة القاتمة لمؤشر الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في الربع الأول من السنة المالية، إلا أن البحث لايزال مستمر فيما إذا كانت المفكرة الاقتصادية ستحمل أنباء إيجابية أم لا. فالارتفاع الذي شهده مؤشر إنفاق المستهلك و التراجع الحاد في المخزونات كانا كافيان لأن يجعلا شهية المخاطرة على حافة الخطر ، و كما شاهدنا من قبل فإن شهية المخاطرة تُعد إحدى دعائم انتعاش الاقتصاد في الأونة الأخيرة .فالحالة النفسية الإيجابية في أعقاب صدور البيانات الاقتصادية قد ارتفعت بشكل كبير حيث أعلن البنك الفيدرالي في بيان مجلس الاحتياط الفيدرالي أن هناك تحسناً في التقييم الاقتصادي . هذا و قد أبقى البنك الفيدرالي على قرار الفائدة و سياسة التخفيف النقدي دون تغيير بل إنه أضاف أن معدلات الفائدة سوف تستمر دون تغيير " عند مستويات منخفضة و بشكل استثنائي " لبعضاً من الوقت . أما الأسواق فترى أن هذا الأمر يُعد إشارة على تباطؤ وتيرة الانكماش و يؤكد على أن التوقعات الاقتصادية قد تحسنت بشكل متواضع منذ اجتماع مارس الماضي . كما أبدى باول فولكر الرئيس السابق للبنك الفيدرالي موافقته على ذلك الأمر ، مشيراً إلى أن الاقتصاد الأمريكي قد تراجع عند أدنى مستوى له بالفعل دون أن يتطلب خطة تحفيز إضافية . و قد أكد السيد باول على أن الاقتصاد قد يتلمس القاع قبل أن يطرأ عليه أى انتعاش يخرجه من تلك المستويات المتدنية .

و على الصعيد النيوزيلاندي فقد قام بنك الاحتياط النيوزيلاندي بخفض الفائدة بواقع 50 نقطة ، لتسجل إجمالي الفائدة النيوزيلاندية أدنى مستوى لها بواقع 2.5% . يأتي ذلك تزامناً مع توقعات السوق و التي تراوحت ما بين 25و 50 نقطة . مما أدى إلى تراجع الدولار النيوزيلاندي و تراجع الأرباح التي حققها في ظل ارتفاع شهية المخاطرة . ففي الاجتماع الصحفي الخاص ببنك الاحتياط النيوزيلاندي صرح بولارد محافظ البنك بأن لجنة الاحتياط الفيدرالي قد نظرت ملياً في تطبيق تدابير غير تقليدية حيال سياسة التسهيل النقدي ، إلا أنها نظرت أليها من جديد باعتبارها غير مبررة . و أضاف بولارد قائلاً أن معدل الفائدة النيوزيلاندية في أمس الحاجة لكى تظل في إطار تنافسي عالمياً و ذلك من أجل جذب رؤوس الأموال و بالتالي فإن خيار خفض معدل الفائدة النيوزيلاندية و حتى مستوى الصفر لن يطبق على أرض الواقع . و مع ذلك ، فإن بنك الاحتياط النيوزيلاندي يتوقع أن يبقي على معدل الفائدة في نفس المستوى الحالي أو دونه و حتى العام 2010 ، الأمر الذي يشير إلى أن تطبيق المزيد من خفض الفائدة سيكون مثار جدل خلال الاجتماعات المقبلة للبنك. و على كلٍ ، فإن نبرة البيان تبدو أكثر حيادية و تحفظاً من بيان مارس الماضي حيث انعكس ذلك على الأسواق . و كما ذكرنا في وقت سابق ، فقد مُنى الدولار النيوزيلاندي بتراجعاً حاداً لاسيما أمام الدولار الاسترالي ، أما عن عائدات السندات ذات العامين و التي ارتفعت في وقت سابق فقد انزلقت 30 نقطة بواقع 3.43% ، و عن العقود الأجلة للأوراق المالية طويلة الأجل فقد شهدت ارتفاعاً كبيراً.

أما عن البيانات الاقتصادية و التي ظهرت خلال فترة التداول الأسيوية فقد جاءت على الجانب الإيجابي من جديد مما أدى إلى تحسن العامل النفسي لدى المتداولين . فقد سجل مؤشر النشاط الصناعي الياباني ارتفاعاً للشهر الثالث على التوالي في إبريل الحالي ، كما ارتفع مؤشر مدراء المشترينNomura/JMMA PMI ليسجل 41.1 مقابل 33.8 في مارس الماضي و كذلك مقابل قراءة يناير و التي سجلت 29.6 . و من ناحية اخرى ، شهد مؤشر الإنتاج الصناعي الياباني ارتفاعاً في مارس و ذلك لأول مرة في ستة أشهر ، حيث ارتفعت القراءة الأولية للمؤشر بواقع 1.6% على أساس شهري ، لتكون أفضل كثيراً من التوقعات الأولية و التي سجلت +0.8% و كذلك أقوى من قراءة فبراير الماضي و التي سجلت -9.4% . فالتحسن الطفيف للبيانات الاقتصادية و التي شهدته الحكومة جعل تصريحاتها تتحول إلي الجانب الإيجابي ، يأتي ذلك تزامناً مع تقديرات الحكومة الاقتصادية و التي أشارت إلى ان المخرجات قد استقرت بشكل طفيف و ذلك مقارنة بالتراجع الحاد الذي شهدته هذه المخرجات في وقت سابق.

أما عن الأسواق فلا تزال تنظر إلى الجانب الإيجابي في ظل ارتفاع شهية المخاطرة لدي المستثمرين ، إلا أن التساؤل الذي يطرحه نفسه الآن و بشكل مُلح فهو : هل هناك تقدماً نلحظه بأعيينا بالفعل أم هل ستأتي أحداث المستقبل لتؤكد لنا عكس ذلك ؟ حيث أن المناخ الاقتصادي لا يزال ملبدا ببعضاً من الغموض.

فواحداً من أكثر الأمور غموضاً و الذي ظهر في الأفق مؤخراً هو أنفلونزا الخنازير . و ذلك في أعقاب إعلان منظمة الصحة العالمية رفع خطر الوباء إلى المستوى الخامس بعد أن كان في المستوى الرابع ليلة الأمس . و تُعد هذه هى المرة الأولى التي يصل فيها مرض إلى هذه المرحلة في أربعة عقود . هذا ولم تبد الأسواق ردة فعل قوية حيال هذا الأمر ، سوى حظر السفر إلى المناطق المبوءة بالمرض الأمر الذي يشكل عائقاً طبيعياً أمام النمو الاقتصادي . و من الملاحظ توقف الرحلات الجوية إلى المكسيك في ظل أحداث الشغب الجماهيري حيث توقف النشاط الاقتصادي و من ثم فقد تراجع النشاط الاقتصادي في المكسيك ليسجل رأس المال تراجعاً بلغت نسبته 60%.

أما عن ثاني هذه الغيوم التي خيمت على الأجواء الاقتصادية فهو تفاقم التخوفات حيال شركة كريسلر لصناعة السيارات . حيث جاءت البيانات الأساسية لتشير من جديد إلى أن إفلاس الشركة قد بات وشيكا . يأتي ذلك تزامناً مع الموعد النهائي و الذي حدده الرئيس الأمريكي باراك أوباما للشركة ـ لوضع خطة إعادة الهيكلة ـ و الذي من المقرر أن ينتهي اليوم . و عن مشاعر الثقة لدي المستثمرين فتشير إلى أن الشركة قد تتمكن من الخروج من ذلك المأزق و تجنب التصفية . و سواء أن حدث هذا أم لم يحدث فإن خطر الإفلاس لا يزال محدقاً بالشركة .

و ربما يكون لهذا الأثر الأكبر على نتائج اختبار الضغط للبنك الأمريكي و التي من المقرر صدورها في الرابع من مايو القادم . هذا و تكشف التصريحات عن أنه في حالة وجود أمر خطير في تلك النتائج ( و التي على وشك الإصدار) فإن مجلس الاحتياط الفيدرالي قد قد يفعل المزيد بما يفوق ما تقدم به بالأمس من أجل إرساء قواعد و مشاعر الثقة لدى المستثمرين .

و قد يشهد مساء اليوم أول صدع في شهية المخاطرة الراهنة و على الأخص في أعقاب صدور بيانات إعانات البطالة الإسبوعية ، إثر التراجع الذي شهدته في الأسابيع القليلة الماضية ،حيث تجاوزت القراءة 600 ألف ، أما عن توقعات إعانات البطالة لهذا الإسبوع فتأتي في نطاق 640 ألف ، أى دون تغير يذكر مقارنة بالإسبوع الماضي. و في حالة أن جاءت القراءة لتقترب من 700 ألف فإن الأمر قد يحتاج إعادة تفكير .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
المصدر: Saxso Bank
ترجمة قسم التحليلات و الأخبار بالمتداول العربي