بعد صراع طويل مع الانكماش، أستراليا تدخل رسمياً في الركود

خفض بنك الاحتياطي الأسترالي معدل الفائدة الأساسي 25 نقطة أساس و هو أدنى المستويات التي وصل لها معدل الفائدة الأسترالية منذ 49 سنة و ذلك في أعقاب إعلان صانعي السياسات دخول الاقتصاد في أول ركود منذ عام 1991. جاءت هذه الأنباء لتخالف أغلب التوقعات التي أشارت إلى تثبيت الفائدة الأسترالية حيث قامت "بلومبيرج" بمسح شارك فيه 23 من المحللين الاقتصاديين أشار 5 من بينهم إلى إمكانية خفض الفائدة الأسترالية 50 نقطة، في حين أشار 14 من المشاركين إلى التثبيت، بينما رجح الباقون الخفض ؤبواقع 25 نقطة..

جاء الخفض الذي اتخذ "جلين ستيفن" القرار بشأنه هذا الصباح نتيجة لما تردد من أنباء تؤكد أن أستراليا دخلت بالفعل في ركود يعد الأول منذ عقدين من الزمن تأثراً بحالة الركود العامة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي و الذي قضى على الطلب الأجنبي على الصادرات الأسترالية من الموارد الطبيعية. كما يستهدف الخفض التصدي لتكلفة الائتمان التي وصلت إل معدلات تاريخية من الانخفاض و هو ما استدعى ضبط إيقاع سوق الائتمان من خلال خفض طفيف لمعدلات الفائدة الرسمية.
كما أكد "هايد أتكنز"، أحد المحللين الاقتصاديين في سيدني أن جميع الأوضاع الحالية ترجح تمادي بنك الاحتياطي الأسترالي في خفض الفائدة إلى مستوى 2.5%، إلا أنه أشار في نفس الوقت إلى أن الخفض لن يكون جائراً على الإطلاق حيث يستهدف به البنك المركزي تحسين الأوضاع الائتمانية و دعم الاقتصاد..

يؤيد ما سبق ما جاء على لسان "ستيفن"، رئيس الاحتياطي الأسترالي من أن البنك المركزي قد خفض الفائدة بواقع 4.25% منذ سبتمبر الماضي و حتى الآن، علاوة على ضخ 42 مليار دولار أمريكي (30 مليار منها كانت من جانب االحكومة) قُدمت في صورة خطط إنقاذ و مساعدات مالية للبنوك و المؤسسات المصرفية المتعثرة. كما كان من بين هذه المساعدات التي استهدفت دعم أسواق المال و الائتمان. تزامن ذلك مع خطط موسعة للإنفاق الحكومي على البنى التحيتة الذي أعلنته الحكومة في فبراير الماضي بهدف تعزيز الطلب المحلي. على الرغم من ذلك، لم يحدث الخفض الأخير أي من المحفزات التي تؤدي إلى تنشيط قطاع الائتمان الأسترالي علاوة على معارضة شديدة من جانب القائمين على القطاع المصرفي الأسترالي لقرار الخفض حيث رفض اثنان من البنوك الأسترالية تطبيق الخفض على المقترضين..

المدخرات المفقودة:

كان من بين ردود الفعل تجاه خفض الفائدة الأسترالية أن قرر بنك أستراليا الوطني، أكبر جهة مقرضة في أستراليا، عدم تطبيق الخفض الجديد على المقترضين مبرراً ذلك بارتفاع تكلفة الإقراض، بينما أقر بنك "كومنويلث" تطبيق الخفض بواقع 10 نقاط فقط..
و من الجدير بالذكر أن الأوضاع الائتمانية في أستراليا كانت حاجة ماسة إلى مثل هذا الخفض حيث تصل المبالغ المستحقة و الواجب سدادها على الأسر الحاصلة على قروض عقارية إلى 7000 دولار أسترالي سنوياً لسداد قرض بقيمة 25000 دولار أسترالي أي ما يقدر بـ 8% من دخل الأسرة و ذلك طبقاً لحسابات بنك الاحتياطي الأسترالي منذ ستة أشهر. أما بعد تطبيق الخفض الجديد فسوف تتعرض الدفع الواجب سدادها على القروض العقارية الممنوحة للأسر بواقع النصف تقريباً حال تطبيق الخفض على جميع تعاملات الجهات المقرضة و هو ما يشير إلى إمكانية وصول قرار الخفض إلى أعلى درجات الفاعلية فيما يتعلق بالتسهيل الائتماني الذي يستهدف به البنك المركزي تعزيز النمو و دعم الاقتصاد الأسترالي..
كما أشار "ستيفن والتر"، أحد كبار المحللين الاقتصاديين في "جيه. بي. مورجان تشيز و شركاه" بسيدني، إلى أن المهم هو معدل الفائدة المطبق في أسواق المال بغض النظر عن تطبيق هذا الخفض على جميع تعاملات البنوك لأن هذه المسألة تتعلق بمدى قدرة بنك الاحتياطي الأسترالي على إحكام قبضته على القطاع المصرفي..

نتيجةً لذلك، حقق الدولار الأسترالي ارتداداً إيجابياً إلى مستوى 71.43 مقابل الدولار الأمريكي بإعلان قرار الخفض أثناء تعاملات الفترة الأمريكية بالأمس. كما ارتفعت عائدات السندات الحكومية بواقع 13 نقطة أساس أي ما يعادل 3.03%.
.
الاقتصاد يتعرض للانكماش:

منذ الاجتماع الماضي لمجلس إدارة الاحتياطي الاسترالي الذي اتخذ في إطاره القرار بشأن الإبقاء على معدل الفائدة كما هو، توالى ظهور التقارير التي تشير إلى أن الاقتصاد الأسترالي انكمش بنسبة 0.5% للربع الرابع من 2008 و هو أو انكماش للاقتصاد الأسترالي منذ عام 2000 علاوة على هبوط مبيعات التجزئة بنسبة 2% على غير المتوقع و هو أدنى المستويات منذ 9 سنوات. كما انخفض معدل الطلب على العمالة الأسترالية و هو ما يؤيده ما أعلنته أكبر شركات التعدين في العالم، "ريو تنتو"، من تسريح ما يزيد على 100 من موظفيها و عمالها القائمين على منجم "ويبا" الواقع في مقاطعة "كوينزلاند" و هو الخبر الذي أضاف الكثير إلى قائمة التطلعات القاتمة للتوظيف في أستراليا حيث تمتلأ بالعديد من حالات فقد و إلغاء الوظائف التي أدت في مجملها إلى ارتفاع معدل البطالة..

يدل على ما سبق ما صرح به "سوان"، وزير الخزانة الأسترالية من دعوة صريحة إلى تفعيل خطط الإنقاذ و التجفيز المالي و الاقتصادي التي اعتبرها المنقذ الوحيد للاقتصاد الأسترالي من وحشية الركود العالمي. وسط هذه الدعوات، فقد قطاع التوظيف ما يزيد على 25000 من العمالة ليصل بذلك معدل البطالة إلى 5.4% أي أعلى المستويات على مدار أربع سنوات..

خفض معتدل:

من المتوقع وفقاً لتطلعات السياس النقدية الأسترالية أن تشهد معدلات الفائدة المزيد من عمليات الخفض المعتدل بغرض ضبط إيقاع أسواق الائتمان وفقاَ لتصريحات "ستيفن" رئيس الاحتياطي الأسترالي. كما ردد "ريك باتيللينو"، نائب رئيس الاحتيطي الفيدرالي، أنه لا يمكن أن يعمل صانعو السياسات بمعزل عن التطورات الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد العالمي تعليقاً على هبوط صادرات أكبر مورد للفحم و خام الحديد بشكل مروع و أضاف أننا في انتظار ما هو أسوأ حيث يُتوقع هبوط الناتج الإجمالي المحلي في 2009 وفقاً لتوقعات البنك المركزي و التي أشارت إلى تراجع الناتج بنسبة 0.5%..

كما توقعت منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية أن يتعرض اقتصاد أستراليا لأسوأ انكماش منذ 50 عاماً و هو ما يجعل أستراليا تكسر الرقم القياسي حيث لم تتعرض أي من الدول الصناعية الكبرى إلى انكماش لأكثر من 4.3% في تاريخ المنظمة. و مما يدل على أن الموقف غاية في التعقيد ما أقدم عليه البنك المركزي من خفض للفائدة الأسترالية لأدنى المستويات منذ عام 1960 وفقاً للحسابات التاريخية للاحتياطي الأسترالي..

انخفاضات تاريخية غير مسبوقة:

أضاف "ستيفن" أن معدل الفائدة على القروض العقارية و المعدل السائد في أسواق المال علاوة على معدلات الفائدة على إقراض الشركات جميعها قد انخفضت انخفاضأ تاريخياً لم تشهده البلاج منذ أكثر من نصف قرن. علاوة على ذلك، هبطت معدلات الكلب على الائتمان، بينما ازداد الطلب على القروض العقارية بغرض الإسكان..
كما أعلنت الحكومة الأسترالية أنها تعتزم تطبيق المزيد من الإجراءات التحفيزية من خلال الشراكة مع القطاع الخاص و هي الإجراءت التي تستهدف إنفاق 43 مليار دولار على مدار الأعوام الثمان القادمة على إنشاء شبكة إنترنت فائقة السرعة تخدم 90% من الشعب الأسترالي..
من خلال ما سبق، يمكن القول بأن أستراليا صاحبة أحد أعلى عملات العالم عائداً، من الممكن أن تنجرف في تيار الصفر فائدة لتتبع الاحتياطي الفيدرالي الذي وصلت فائدته إلى الصفر، بنك إنجلترا الذي يحتفظ بمعدل فائدة رمزي، 0.5% أي أدنى المستويات منذ تأسيس البنك عام 1694، بنك أوروبا الذي خفض فائدته 25 نقطة الأسبوع الماضي و اليابان التي لا زالت تثبت معدل الفائدة عند مستوى 0.10% . فهل تكتمل المنظومة بأستراليا..





______________________________
المصدر: Bloomberg
ترجمة قسم التحليلات و الأخباربالمتداول العربي..