الاقتصاد البريطاني في ركود فعلي: ماذا بعد؟


دخول الملكة المتحدة في ركود مؤكد:

هبط الناتج الإجمالي المحلي بالمملكة المتحدة فعلياً بنسبة 1.5% خلال عام 2008 مؤكداً على ما جاءت به البيانات الشهرية عن الفترة السابقة و التي تشير إلى نهاية 16 عاماً من النمو الاقتصادي المتواصل حيث تعد هذه الفترة من أطول الفترات التي لم تتوقف خلالها المملكة المتحدة عن النمو كما يعد أيضاً ضعف متوسط دورة النمو التاريخي. ويمثل هذا الانخفاض الحاد في النمو الذي سجل 1.8-% عن الربع الأخير من عام 2008 الذي مني به اقتصاد المملكة المتحدة أكبر انخفاض منذ عام 1992. و فيما يتعلق بـ 2008 ككل، يمكن القول بأن الاقتصاد البريطاني هبط إلى معدل نمو بلغ 0.8% مقابل 3% سجلتها قراءة النمو عن العام السابق 2007 و هو المعدل الأضعف على الإطلاق منذ 1992. ومع أن هذه هي الحسابات الأولية للناتج الإجمالي المحلي للربع الأخير من العام الماضي و لا تتوافر لدينا سوى بعض مكونات الناتج الإجمالي المحلي و رغم أن الصورة الكاملة لم تتضح بعد إلا أنه يمكننا مشاهدة نموذج الهبوط من خلال الحد الأدنى من بيانات الناتج المتوافرة لدينا. كما أظهرت التقديرات في وقت سابق إلى انخفاض ناتج القطاع الخدمي بنسبة 1%، بينما هبط ناتج القطاع الصناعي بنسبة 3.9% علاوة على حالة التدهور التي حلت بقطاع البناء و التشييد و التي دفعت به نحو الانخفاض بنسبة1.1% و هو ما يشير في مجمله إلى حالة الضعف الشديد التي تفترس اقتصاد المملكة المتحدة.

تفاصل القراءات الأولية لبيانات الناتج الإجمالي المحلي تشير إلى انتشار الهبوط:
من خلال النظرة المتعمقة في البيانات الواردة عن الناتج الإجمالي المحلي البريطاني يمكن التوصل إلى أن هبوط الناتج قد انتشر بين جميع القطاعات و الأنشطة الاقتصادية بالمملكة المتحدة مما يرجح عدم وجود إمكانية لأن تشهد المملكة المتحدة ارتداداً سريعاً عن التردي الاقتصادي. و في الحقيقة، جاءت البيانات الصادرة مؤخراً، مؤشر CBI للاتجاهات الصناعية و مقياس LTSB للأعمال، محملة بقدر كبير من التشاؤم حيث أشارت إلى أوضاع أكثر تدهوراً تعانيها مؤسسات الأعمال منذ نهاية الربع الأخير من العام الماضي. و كان من أبرز ما شهدته هذه الفترة القاتمة هبوط ناتج قطاع الخدمات (الذي يمثل 75% من الناتج الإجمالي المحلي) بنسبة 2.4% فيما يتعلق بالفنادق و المطاعم، بينما تعرضت تجارة السيارت و مبيعات الجملة إلى حدٍ أبعد من ذلك من الانخفاض. و يرجح ذلك أن إصدار الدفعة الثانية البيانات التقديرية للناتج الإجمالي المحلي، و هي التقديرات الخاصة بالإنفاق و التي من المقرر صدورها بنهاية فبراير القادم، سوف يعمل على إحداث انخفاض حاد في إنفاق المستهلك للربع الرابع. و على الرغم من أن البيانات الرسمية تشير إلى زيادة مستمرة في مبيعات التجزئة يمكن القول بأن هذه الزيادة تنشأ على حساب هامش الربح، و هو الموقف الذي لا يمكن تداركه أو التحكم فيه على الإطلاق. ويبدو أن معدل ادخار العائلات قد شهد ارتفاعاً هو أيضاً على مدار الربع الأخير من العام الماضي في نفس الوقت الذي بقي فيه الإنفاق الشخصي تحت ضغط شديد. و سوف يكون من المفاجئ نوعاً ما أن نعلم أن الخدمات الحكومية قد انخفضت بنسبة 0.5% خلال نفس ربع السنة المشار إليه و هو ما يعد تراجعاً عن معدل نمو هذا النوع من الخدمات بواقع 200 نقطة.

تراجع حادا في القطاعات الصناعية و لكن ...

بالتراجع الذي بلغت نسبته 3.9% في مؤشر المخرجات الصناعية في الشهور الثلاثة الأخيرة في العام 2008 ، هوى مؤشر PMI التصنيعي (و الذي يمثل 14% من الناتج الإجمالي المحلي) بواقع 4.6% عقب تراجعه بواقع 1.6% في الربع الماضي من السنة المالية ، مسجلأ أدنى مستوياته على الإطلاق منذ العام 1970 ، و كاشفاً عن أن القطاع يقع بالفعل تحت وطأة ضغط حاد. فكل القطاعات الثلاثة عشر و التي تندرج تحت لواء قطاع التصنيع قد انخفضت بشكل ملحوظ . و خصوصاً التراجع العميق في إنتاج معدات النقل و المعادن و المنتجات المعدنية و التي تنم في مجملها عن انهيار حجم التجارة الدولية. و على الرغم من التراجع و البالغ 25% في تعاملات الجنيه الإسترليني و الذي قد أثر إلى حدٍ بعيد على المؤشر الصناعي خلال العام الماضي . فالسبب الرئيسي وراء ما حدث هو تباطؤ النمو العالمي و ضعف العملة، الأمر الذي لا يُعد في صالح الصادرات على الإطلاق، على الرغم من أنه قد يسهم في الحيلولة دون انكماش حصص المستثمرين في هذا السوق بمعدل أسرع. هذا و قد تراجع مؤشر ناتج قطاع البناء و التشييد (و الذي يمثل 6% من الاقتصاد) بواقع 1.1% في الربع الأخير من السنة المالية عقب انخفاض بلغ 0.2% في ربع السنة الماضي ، مما يعكس انخفاضاً في قطاع بناء المنازل الجديدة. أما عن القطاع الوحيد و الذي يكشف عن بعض إيجابيات النمو في الربع الأخير من السنة المالية فكان القطاع الزراعي، و الصيد بصفة عامة و صيد الأسماك بوجه خاص. و على كلٍ، فإن هذه الأرقام تكشف عن التراجع الحاد في مخرجات المؤشر الصناعي كما هو موضح بالرسم البياني B . كذلك نجد الرسم البياني C و قد سلط الضوء على ارتفاع نسبة الناتج الإجمالي المحلي و المساهم الأكبر بنسبة تصل إلى 1.5% أما عن التراجع الكبير فقد مُني به قطاع الخدمات و الذي يمثل 0.7% نقطة من الانخفاض .كذلك تمثل المخرجات الصناعية 0.6% نقطة أما البناء فيمثل 0.1 فقط . كل هذه الأرقام تكشف عن أن زخم الانخفاض لن يقوم بتصحيح مساره بشكل سريع و أن الناتج الإجمالي المحلي من المرجح أن ينخفض في العام 2009.

كيف يمكننا مقارنة مستوى الركود الحالي بمستوى الركود السابق:

هل الحقيقة القائلة بأن هذا هو الركود الأول منذ 16 عاماً تجعل هذا الركود الحالي مختلفاً عن حالات الركود التي حدثت في الماضي؟ خاصة وأن المملكة المتحدة تمتلك قطاع مالي ضخم، والتخوف من أن يؤدي ذلك إلى ركود أشد عمقاً يدوم لفترة أطول عن غيره. فهذه هي الحالة التي تشهد انهيار فقاعة سوق الإئتمان والتي تؤثر بشكل قوي على القطاع المالي. فالرسم البياني الموضح بالأسفل يظهر أن بعض هذه المخاوف قد تحققت بالفعل، حيث أن الإنتاج الخدمي تراجع في الربع الأول والثاني من بداية هذا الركود مقارنة بنفس الفترة في اخر ثلاثة حالات للركود، فهو أسوأ من الركود الذي شهده عام 1980. على الرغم من ذلك، فإن من المثير أن القطاع التصنيعي لم يصاب بالانخفاض الحاد في هذه الفترة من الركود منذ عام 1980. في غضون ذلك، ارتفع سعر الصرف، لذا فإن انخفاض سعر الصرف في الوقت الحالي من شأنه أن يقلل من حدة تدهور القطاع التصنيعي وليس يزيده حدة. قد يرجع أحد اسباب حدة تراجع القطاع التصنيعي إلى أزمة الاسواق المالية. والجدير بالذكر هنا هو انه على الرغم من المخاوف التي تنتاب السوق بشان انتهاء تدهور قطاع الإسكان التجاري والغير تجاري، إلا أن تراجع نشاط البناء اقل بكثير من الانهيارات الاقتصادية الثلاثة الماضية.

استمرار الركود طوال العام، وانتظار الانتعاش حتى منتصف عام 2010
:
وبناءاً على ما تقدم، فإن الركود الحالي يبدو وكأنه سوف يستمر طوال العام، كما يبدو أيضا أنه من المحتمل أن تنخفض وتيرة التراجع حيث أن أثار تخفيف السياسات النقدية والمالية تبدأ في الظهور. ورغم كل ذلك، نحن الأن أكثر تشاؤما عن المتوقع تجاه نتائج نمو اقتصاد المملكة المتحدة طوال العام، مع احتمال انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5% وكذلك تراجع الانتاج في الثلاثة أرباع الأولى من العام. ومن المتوقع أيضا أن يلعب كلاً من إنفاق الأسر ومعدل الأستثمار دوراً محورياً في هذا التراجع. وكذلك هناك احتمال بانخفاض الإنتاج التصنيعي بنسبة 5% في عام 2009، مما قد يؤدي إلى ارتفاع في إعانات البطالة بما يزيد عن 5%. ولكن الحقيقة أنه لا يوجد شئ يمنع حدوث تدهور في العام الحالي. حتى أنه من المحتمل أن يؤجل الانتعاش الفعلي إلى منتصف عام 2010. ولكن كل هذا لابد أن يُرى في صورة 16 عاماً من النمو المتجمد، وعلى الرغم من ذلك فإن الركود سوف يؤدي إلى انخفاض أرباح الناتج المحلي الإجمالي إلى دون مستوياته منذ عام 2007. وعلى المدى القصير، فإننا نقترب بشدة من سياسة المعدل الصفري للفائدة.







____________________________
المصدر: GFTFOREX

ترجمة قسم التحليلات و الأخبار بالمتداول العربي