الاقتصادية - كل شيء يعتمد على تجنب الوقوع في طور الركود الاقتصادي العميق وطويل الأمد.

هل بريطانيا في الطريق إلى الكارثة؟ الذين يرون أنها كذلك يصرون على أن من الجنون التصدي لكارثة سببها الاقتراض المفرط والمزيد من الاقتراض فوق ذلك، لكن الاقتراض هذه المرة تقوم به الحكومة بصفة المقترض ومقرض الملاذ الأخير. هذه الانتقادات خاطئة وصحيحة. خاطئة إذا ظلت الحكومة تتمتع بالجدارة الائتمانية، وصحيحة إذا لم تعد تتمتع بذلك.

بالتالي ما الذي يمكن أن نستفيده من تقرير الميزانية الأولي حول الحكومة الموجودة في بريطانيا الآن؟ هل ستأتمن الحكومة على أموالك أم لا؟

تستطيع الحكومة ذات الجدارة الائتمانية تحويل الدين المفرط من القطاع الخاص إلى البنوك أو المواطنين. لكن الحكومة التي لا تتمتع بالجدارة الائتمانية لا تستطيع ذلك. إذا ارتفعت تكلفة الدين فوق الحد فإن الحكومة ستضطر للإفلاس، إما بصورة علنية أو من خلال التضخم. في حالة بريطانيا التضخم سيشتعل بفعل الهروب من الاسترليني.

وحتى لو قامت الحكومة مبدئياً بتمويل عجزها عن طريق الاقتراض من البنك المركزي (أي من خلال "طبع العملة الورقية") فإن التوسع النقدي لا بد له من تعقيم، بمجرد تعافي الاقتصاد، من خلال بيع السندات. للقيام بذلك لا بد أن تظل الحكومة متمتعة بالجدارة الائتمانية.


الأرقام المريعة الخاصة بالعجز المالي كما جاءت في تقرير الميزانية الأولي ربما تدفعنا للتروي. من المتوقع أن تبلغ نسبة صافي اقتراض الحكومة 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أثناء السنة المالية 2009 – 2010، و6.8 في المائة للسنة المالية 2010 – 2011، و5.3 في المائة عن 2011 – 2012، و4.1 في المائة عام 2012 – 2013، و2.9 في المائة في 2013 – 2014.


من المتوقع أن يبلغ صافي دين القطاع العام 57 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بعد أربع سنوات من الآن، رغم أن من المفترض أن يظل دون مستوى 40 في المائة. فإذا ركزنا على متطلبات معاهدة ماسترخت، التي مهدت الطريق لمنطقة اليورو، فإن نسبة الدين يمكن أن تصل إلى 68.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2012 – 2013، في حين أن العجز، الذي يفترض أن يكون دون مستوى 3 في المائة، يتوقع له أن يصل إلى 8.1 في المائة في السنة المقبلة، وسيكون 3.3 في المائة في 2013 – 2014.


سؤالي الآن: كيف قفز صافي قروض القطاع العام من 2.6 في المائة في السنة المالية السابقة إلى 8 في المائة في السنة المقبلة؟ لماذا قفز الرقم المتوقع للعجز في السنة المقبلة من 80 مليار جنيه استرليني (أي 5.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) منذ تسليم تقرير الميزانية في آذار (مارس ) الماضي؟ وسؤال مهم آخر: لماذا يفترض بنا أن نصدق وزارة المالية الآن؟


يكمن جزء من التفسير في قرار الحكومة بتطبيق تعزيز في المالية العامة مقداره 16.5 مليار جنيه استرليني (أي 1.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) في العام المقبل. لكن هذا لا يفسر إلا خُمس الفرق. يعود السبب في بقية العجز إلى "مراجعات وتغيرات في التوقعات".

تجادل وزارة المالية بأن معظم هذا الفرق، 5 نقاط مئوية، يعود إلى التدهور في متطلبات الاقتراض "المعدلة دورياً"، أو الهيكلية، والتي يتوقع لها الآن أن تصل إلى 7.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية المقبلة. باختصار، وزارة المالية تقول للعالم إن وجهة النظر الهيكلية المالية لبريطانيا التي كانت الوزارة تؤمن بها في آذار (مارس) كانت عبارة عن كلام فارغ.


ما السبب في هذا التغير الهائل؟ من المتوقع الآن أن تكون نسبة المقبوضات الحالية (كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي الأصغر) أدنى بثلاث نقاط مئوية في السنة المالية 2009 – 2010، وأن يكون الإنفاق الجاري أعلى بمقدار 1.9 نقطة مئوية، وأن يكون الاستثمار أعلى بمقدار 0.6 نقطة مئوية مما كان متوقعاً في الميزانية.

تعود هذه التغييرات بصورة قوية تماماً إلى التعديلات في القدرة المالية العامة ومستوى الناتج المحلي الإجمالي، على صورة تخفيض دائم في الضرائب على أرباح القطاع المالي والتعاملات السكنية. الأمر اللافت للنظر أكثر من ذلك، هو أنه ستكون هناك خسارة دائمة في الناتج المحلي الإجمالي.

من المتوقع الآن أن يكون الاقتصاد في 2010 أصغر بنحو 5.5 في المائة من الرقم المتوقع في الميزانية. الأسوأ من ذلك أنه لن يتم التعويض عن هذه الخسارة في المستقبل القريب. في 2015 ربما يكون الناتج المحلي الإجمالي أصغر بنسبة 4.5 في المائة مما كان مأمولاً في آذار (مارس) الماضي.


ما مضامين هذه التعديلات الهائلة؟

أولاً، وجهة نظر وزارة المالية القائلة إن الدورة الأخيرة انتهت في 2006 تبدو مثيرة للسخرية تماماً. وجهة النظر الصحيحة هي أن بريطانيا علِقت في دورة فائقة غير قابلة للاستدامة، مع فقاعة تحصل مرة واحدة في العمر في التمويل العالمي والإسكان المحلي. وهي تمر الآن فقط في المرحلة الهابطة. العجز المالي المعدل دورياً، حين يقاس على النحو السليم، كان أعلى بكثير مما كان يُظَن لمدة عقد زمني واحد على الأقل. بالتالي سياسة المالية العامة كان ينبغي أن تكون أكثر تشدداً بكثير مما كانت عليه. ولو كانت كذلك، فإن بريطانيا ستكون اليوم في وضع أفضل بكثير مما هي عليه الآن.

ثانياً، لا تتمتع بريطانيا بالقدرة على الإنفاق التي كانت تأمل فيها في الماضي. والحكومة تدرك هذه الحقيقة، إذ يتوقع أن ينمو الإنفاق الجاري 1.2 في المائة فقط بالمعدلات الحقيقية اعتباراً من السنة المالية 2011 – 2012 وأن يهبط صافي الاستثمار 0.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. نتيجة لذلك من المتوقع أن يهبط الإنفاق من 44.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المقبلة إلى 41.5 في المائة في السنة المالية 2013 – 2014. وحتى في هذه الحالة لا بد أن ترتفع الحصص الضريبية. يتوقع تقرير الميزانية الأولي ارتفاعاً نسبته 2.4 نقطة مئوية بين 2009 – 2010 و2013 – 2014. أمامنا سنوات من البؤس.


ثالثاً، من المؤكد أن وزارة المالية تظل متفائلة فوق الحد. إذ على الرغم من نطاق الصدمة التي أصيب بها الاقتصاد العالمي والنظام المالي، فإن الوزارة تفترض هبوطاً سنوياً من الذروة إلى القاع في الناتج المحلي الإجمالي لا يتجاوز 1 في المائة، وتتوقع أن يتعافى الاقتصاد في النصف الثاني من السنة المقبلة، ومن ثم العودة إلى معدل النمو حسب الاتجاه العام بمقدار 2.75 في المائة في السنة، على الرغم من الحاجة إلى تحويل الناتج إلى صناعات ذات كثافة في رأس المال وتوجه نحو التصدير. وهذا ليس بالأمر المعقول.


أخيراً، لنفترض بدلاً من ذلك أن الناتج المحلي الإجمالي سيتقلص بنسبة 2 في المائة في عامي 2010 و2011، قبل أن يتمدد بنسبة 1.75 في المائة في 2012. وسيكون أدنى بنسبة 11 في المائة في 2012 عما كان متوقعاً في الميزانية. معنى ذلك أن حسابات المالية العامة ستكون غارقة في الديون.


كل شيء يعتمد على تجنب الوقوع في طور الركود الاقتصادي العميق وطويل الأمد. في هذه الحالة الأسواق ربما ترفض حتى الزيادة الهائلة في الدين الحكومي. كما أن ترْك الإقراض البنكي في حالة تجمد أمر ليس مقبولاً. والحكومة تعلم ذلك بكل تأكيد. فهل يعلمه المصرفيون؟