الاقتصادية - في مقدمته لآخر نشرة من تقرير التضخم، قال ميرفن كينج، محافظ البنك المركزي البريطاني "من المرجح تماماً أن الاقتصاد البريطاني دخل في طور الكساد في النصف الثاني من هذا العام". الواقع أن هذا أمر مؤكد. والسؤال الآن ما الذي يجدر بالسلطات القيام به حيال ذلك.


لننظر إلى الصورة الكبيرة. اقترضت الأسر البريطانية مبالغ تفوق الحد، وادخرت مبالغ تقل على الحد. في الربع الأول من عام 1992 وفرت الأسر البريطانية 12 في المائة من الدخل القابل للتصرف. بحلول الربع الأول من عام 2008 هبط هذا الرقم إلى سالب 1 في المائة. كانت قلة المدخرات والمديونية العالية من نتائج النمو الائتماني المحموم خلال السنوات القليلة الماضية. وبدورها، الأزمة الائتمانية جاءت رد فعل ضد هذا التراكم في الديون.


منذ فترة والناس يقرضون ويقترضون بحماقة. وحين تتراجع البنوك، لا بد للمقترضين من الندم. ولأن بريطانيا هي أكبر بلد في مجموعة البلدان الصناعية السبع من حيث مديونية الأسر، فإنها معرضة بصورة خاصة للتضرر من "الانقباض الائتماني". ورئيس الوزراء البريطاني، جوردون براون، على حق في "التفكير على نحو عالمي"، لكن معظم اللوم يقع على الداخل (وليس على الاقتصاد العالمي).


لا خلاف على طبيعة الحل على الأجل الطويل. لا بد أن تدخر بريطانيا بقدر أكبر وأن تتحول نحو الفائض في الحساب الجاري. والأمر الذي يحدث الآن، أي تشدد الائتمان وانهيار الاسترليني، هو بالضبط ما كان لازماً لإحداث هذا التحول. المشكلة ليست في التوجه نفسه، لكن في السرعة المريعة للتغير.


عند ظهور أول بوادر المتاعب تتعالى أصوات الذين يعتقدون دائماً أنه ينبغي على بريطانيا أن تصبح عضواً في منطقة اليورو. مع ذلك، لو أن بريطانيا كانت عضواً في منطقة اليورو خلال العقد الماضي لكانت محنتها الحالية أسوأ بكثير مما هي عليه الآن.

خلال تلك الفترة كانت أسعار الفائدة التي يضعها البنك المركزي البريطاني بصورة عامة ومتناسقة، أعلى من الأسعار التي كان يضعها البنك المركزي الأوروبي. مع ذلك الانتقاد المعقول الوحيد للجنة السياسة النقدية هو أن أسعار الفائدة كان ينبغي لها أن تكون أعلى حتى من ذلك، للحد من الاندفاع والغوص الرأسي للأسر البريطانية للدخول في الدين.


بالمثل، لو كانت بريطانيا عضواً في منطقة اليورو، فإن التراجع الأخير في سعر صرف الاسترليني مقابل اليورو لم يكن ليحدث.


مع ذلك هذا التراجع يرجح ألا يكون تضخمياً في الظروف الحالية، تماماً كما كان عليه الحال حين أُخرِج الاسترليني من آلية سعر الصرف للنظام النقدي الأوروبي في سبتمبر (أيلول) 1992. لو كانت بريطانيا ضمن منطقة اليورو، فإنها بحاجة إلى سنوات من التراجع في الأسعار المحلية لتحسين قدرتها التنافسية في الخارج. لكن ما فائدة تحَمُّل سنوات الضعف الاقتصادي اللازمة لتحقيق نسبة التحسن البالغة 15 في المائة في القدرة التنافسية ضد منطقة اليورو، والتي تم تأمينها دون ألم في السنة الماضية؟


لحسن الحظ، ولأن بريطانيا ليست عضواً في منطقة اليورو، فإنها لا تزال تتولى بنفسها مقاليد سياستها النقدية. من قراءتنا لتقرير التضخم يبدو من البدهي أن هناك المزيد من التخفيض في أسعار الفائدة على الطريق. استناداً إلى توقعات أسعار الفائدة في السوق، فإن التوقع الأساسي للجنة السياسة النقدية هو أن الاقتصاد سيقصر عن بلوغ الرقم المستهدف للتضخم، مع فرصة في هبوط مباشر وشامل للأسعار.


كذلك التوقع الأساسي للجنة السياسة النقدية هو حدوث هبوط بنسبة 1.3 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي في السنة المقبلة. مع ذلك من المرجح أن يتبين أن هذا التقدير مبالِغ في التفاؤل. وبصرف النظر عن الهبوط في الوضع الاقتصادي للشركاء التجاريين الرئيسيين لبريطانيا، فإن ضعف الطلب المحلي أمر واضح. والنظام البنكي الآن معرض لقدر أقل من الضغط. لكن نمو الائتمان إلى الاقتصاد وبالتالي نمو النقود الواسعة تعرض للانهيار.


إذا أرادت لجنة السياسة النقدية أن تحول دون حدوث تقصير كبير في الرقم المستهدف للتضخم فربما تضطر إلى تخفيض أسعار الفائدة بصورة حادة، وربما تخفيضها نزولاً إلى الحد الأخير وهو الصفر. وسيجادل كثيرون كذلك أنه بالنظر إلى تعطُّل محرك الائتمان، الأمر الذي سيكون من نتيجته إضعاف الوقع المنشود لتخفيض أسعار الفائدة، فينبغي أن يكون هناك عامل تحفيز في المالية العامة يُترك تقديره للمسؤولين على حسب الحاجة ويسير وفقاً للخطوط الكينزية التقليدية. هذه الحجة تبدو جذابة. لكن حتى تحقق التغيير الكبير المطلوب منها، فإن أي قرار بهذا الخصوص يجب أن يكون كبيراً. ولو كان الرقم يقل كثيراً عن 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (أي نحو 30 مليار جنيه استرليني) فلن تكون له قيمة تذكر.


الصعوبة التي تواجه السياسة التي من هذا القبيل، وهي سياسة تقوم الحكومة البريطانية منذ فترة بإعداد العالم لها، هي العجز الهائل الموجود أصلاً في الميزانية البريطانية. وفي حين أن مقدار الدين ليس عالياً، إلا أن حركات الدين الإضافية عالية الآن. وليس هناك ما هو أسهل من أن نتخيل أن صافي مديونية القطاع العام سيتجاوز 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لو أن الحكومة اضطلعت ببرنامج كبير للتحفيز الاقتصادي على حسب تقدير المسؤولين. لذلك يجب أن يكون التحفيز المقدم من المالية العامة مؤقتاً بصورة موثوقة.


مصدر الخطر هو أن اقتران العجز الهائل على هذا النحو بأسعار الفائدة المتدنية تماماً ربما يعمل على تدمير ثقة المستثمرين. وربما يكون من نتيجة ذلك وقوع العواقب الوخيمة التي تأتي من اقتران انهيار العملة بتصاعد أسعار الفائدة على المدى الطويل. وفي حين أن هذه المخاطرة تستحق الدخول فيها بالنظر إلى الظروف الحالية، فإنها لن تكون مفيدة إلا إذا تم في الوقت نفسه إعداد مسار واضح وذي صدقية للعودة إلى الاستدامة في المالية العامة. فضلاً عن ذلك، المسار المذكور بحاجة إلى أن يقوم على افتراضات في منتهى الحذر حول مستويات الاستدامة ونمو الناتج المحلي الإجمالي.


يجدر بنا التأكيد على أن الموضوع هنا هو الملاءة الأساسية في المالية العامة. كذلك عضوية بريطانيا في منطقة اليورو لن يكون لها أثر في تحسين هذا الوضع، ما لم نتوقع من دافعي الضرائب في منطقة اليورو أن يقوموا بإنقاذ بريطانيا. أغلب ظني أن البلدان في منطقة اليورو تتحلى بقدر كبير من الحكمة يحول بينها وبين قبول عضوية بريطانيا بهذه الشروط.


بريطانيا الآن مسؤولة عن نفسها وضمن مواردها، وهذا هو الأمر السليم. لا بد لها على نحو ما أن تخفف من وطأة التكيف اللازم أمام الصدمة، دون أن تقوم بتدمير صدقيتها على المدى الطويل. والواقع أنها لا تستطيع حتى التعامل مع الصدمة لو أنها بالفعل دمرت صدقيتها. هذا هو أكبر خطر يواجه السلطات البريطانية في مسيرتها عبر البحار المائجة في ما هو مقبل من الأيام.