الاقتصادية - دعوني أبدأ بتخل عن حق. لم أكن قط مؤيداً قوياً لأن تكون بريطانيا عضواً في الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي، على الرغم من أنني كنت، ومازلت، مشجعاً كبيراً للاتحاد الاقتصادي والنقدي نفسه. كنت أشعر على الدوام بأن الحجج التي يسوقها مؤيدو اليورو في المملكة المتحدة مبالغ فيها إلى حد كبير، كما أنها تعمل ضد الأهداف المرجوة منها. وإذا حكمنا على الأمور من خلال المنظور الاقتصادي الضيق، وهي الطريقة التي نظر بها البريطانيون إلى هذا الأمر، فإنهم كانوا على حق في البقاء خارج هذا الاتحاد خلال السنوات العشر الأولى من عمر اليورو. وتفوقت المنافع الاقتصادية الملموسة التي رافقت سياسة نقدية مستقلة على المنافع الاقتصادية الملموسة بصورة أقل للغاية، التي كان يمكن لهذه العضوية أن تحققها.


غير أن ذلك كان في وقت آخر غير وقتنا الحالي. ولا تزال الحجج ذاتها هي التي تساق، رغم وجود أزمة مالية وانهيار في أسعار المنازل وركود في مرحلة لاحقة. إلا أن تحليل التكاليف مقابل المنافع يعطينا نتيجة مختلفة. وميزة الاستقلال النقدي التي هي أعلى من الصفر، يتم تعويضها بما يزيد على قيمتها من خلال العوامل الأربعة التالية.

يتعلق العامل الأول بالتكاليف الاقتصادية في الأجل الطويل. ففي الأوقات السابقة الجيدة من الوفرة المالية، كانت أسعار الفائدة العالمية الحقيقية متدنية، كما أدت الفقاعات المتتالية إلى استمرار عمل وحش الاقتصاد البريطاني الملتهم للائتمان. وحتى لو افترضنا أن الميزانيات ستعود إلى وضعها الجيد في 2010، أو 2011، فإنني لا أتوقع العودة إلى صخب الائتمان مرة أخرى. ومن المحتمل أننا دخلنا في سوق أسهم متباطئة. ولن تكون هناك شهية فورية لفقاعة مساكن أخرى، كما أن الإطار التنظيمي سيكون محافظاً، إذا أردنا وصفاً معتدلاً لمجريات الأمور.

في مثل هذه البيئة، أميل إلى توقع أن تضطر الاقتصادات الأصغر حجماً، ذات العملات العائمة بحرية، إلى دفع مبالغ مخاطرة أعلى على سنداتها السيادية. وسترتفع أسعار الفائدة الحقيقية في المملكة المتحدة بأكثر من غيرها، وستضغط على الأداء الاقتصادي في الأجل الطويل. وستزداد فجوة أسعار الفائدة الحقيقية مع منطقة اليورو. ولمزيد من الإيضاح أقول: هذه حجة تتعلق بالتكاليف الاقتصادية في الأجل الطويل. وهذه ليست مختلفة عن الحجة قصيرة النظر بأن معدلات الرهون العقارية ستكون أدنى في منطقة اليورو. وذلك ممكن وغير ممكن في الوقت ذاته.

النقطة الثانية، تتعلق بالحي المالي في لندن. نجح الحي في الاستمرار مركزا ماليا لمنطقة اليورو، على الرغم من أن المملكة المتحدة خارج هذه المنطقة. وعلينا ألا نأخذ ذلك أمرا مسلما به. فنظام الرأسمالية المالية القائم على العمليات، ناسب لندن بأكثر مما ناسب فرانكفورت، أو باريس. وسيعمل التشدد التنظيمي على إعادة النشاطات الخارجية إلى الداخل، وستتقلص نتيجة ذلك جاذبية الحي المالي في لندن. وربما يكون على المملكة المتحدة في وقت ما أن تختار ما إذا كانت تريد أن تكون ضمن منطقة اليورو، أو تريد أن تبحث عن استخدام بديل لتلك المباني المرتفعة في قلب لندن.

النقطة الثالثة تتعلق بالاقتصاد السياسي. سيكون هناك مزيد من الإدارة الاقتصادية الرشيدة على مستوى منطقة اليورو في المستقبل. وكان الفرنسيون يدفعون بهذا الاتجاه ذاته. ولن تحب المملكة المتحدة، وغيرها من الدول خارج منطقة اليورو ذلك الأمر. وفي الأسبوع الماضي أعلن فرانك فالتر شتاينماير، وزير خارجية ألمانيا، ومرشح الاشتراكيين الديمقراطيين لمنصب مستشار ألمانيا في انتخابات العام المقبل، تحولاً في السياسة يفيد بأن الحزب الاشتراكي الديمقراطي أصبح الآن مؤيداً لسياسة التنسيق فيما يتعلق بالاقتصاد الكلي على مستوى منطقة اليورو. وحتى في الحكومة الألمانية التي رفضت حتى الآن أي فكرة للإشراف على المصارف من جانب الاتحاد الأوروبي، أو منطقة اليورو، هناك الآن قبول بأن مثل هذا الإشراف يمكن أن تكون ضروريا في نهاية الأمر بالنسبة للبنوك الأوروبية الـ 44 الكبرى العابرة للحدود. ولم يتحول ذلك بعد إلى موقف سياسي رسمي، لكن هناك انفتاحاً الآن على هذه الفكرة كان غائباً في الماضي. ويمكننا أن نتوقع المزيد من مؤتمرات منطقة اليورو في المستقبل، ونتوقع في الوقت نفسه المزيد من صور المجموعة دون رئيس وزراء بريطانيا، جوردن براون.

النقطة الرابعة التي يحتمل أن تكون الأهم، هي أن هيكل سياسة الاقتصاد الكلي للمملكة المتحدة يمكن ألا يتمكن من الاستمرار نتيجة الأزمة الحالية. ولابد أن تكون هناك مخاطر حقيقية تتعلق بأزمة في الجنيه الاسترليني في وقت ما، وهذا مصدر قلق أكبر من الارتجافات التي تم الشعور بها في الأسبوع الماضي. وكما لاحظ وليم بتلر، من مدرسة لندن للعلوم الاقتصادية، في مدونته على موقع "فاينانشيال تايمز"، يمكن مقارنة المملكة المتحدة، من جوانب كثيرة، بآيسلندا. صحيح أنها أكبر، لكنها تظل ضئيلة مقارنة بالاقتصاد العالمي، ولديها قطاع مالي معتل يعادل أضعاف قيمة ناتجها المحلي الإجمالي.

هذا جدال يتعلق بإدارة المخاطر على مستوى الاقتصاد الكلي. فعملتي الاحتياط الرئيسيتين في العالم، الدولار واليورو، توفران حماية ضد هجمات المضاربة، بأكثر مما توفره عملة خارجية معومة بحرية. وحين يعيد المستثمرون العالميون أموالهم إلى أوطانهم ، أو يقللون من حجم تجارة المناقلة، أو حين يدفع ركود عالمي الحكومة إلى تخفيض العملة بصورة منافسة، فمن المتوقع أن نتحرك العملات في جميع أرجاء المكان، ثم تعاود ذلك مرة أخرى.

أي من هذه الحجج ليس بالأمر الجديد، لكنها تظهر الآن في ضوء جديد. وأنا أعلم أن انضمام بريطانيا إلى منطقة اليورو يواجه عوائق سياسية كبرى، ولا بد من الحكم على اختبارات براون الخمسة الشهيرة نتيجة لذلك، كما لابد من رشوة محرري الصحف. ويتطلب ذلك تأييداً من جانب البرلمان، وقد يكون من الضروري إجراء استفتاء لابد من الفوز به، بينما تقول استطلاعات الرأي إن ذلك غير ممكن.

لكن علينا أن نتذكر أن الرأي العام المتشكك في التوجهات نحو أوروبا في آيسلندا، تحول من المعاداة إلى الحماس خلال فترة قصيرة، حين اكتشف الناس، وهم في حالة من الذعر، أن الاستقلال المالي يكون بتكاليف مسببة للشلل. وحين تغيرت الحقائق، غير أبناء آيسلندا آراءهم. ولا يمكنني أن أتصور سبباً يجعل البريطانيين النزيهين والعمليين، كما كانوا على الدوام، يبدون رد فعل يختلف عن ذلك.