الاقتصادية - ما النظرية التي يمكننا استخدامها للخروج بسرعة وبشكل موثوق من الهبوط الاقتصادي الوشيك؟ استخدام نظرية "الكلاسيكية الجديدة" للتقلبات، التي بدأت في شيكاغو في السبعينيات (النظرية التي تتضمنها نماذج "إدارة المخاطر") أمر غير وارد على الإطلاق، لأنها تحديداً النظرية التي أثبت زيفها انهيار أسعار الأصول. وتحولت أفكار البعض باتجاه جون ماينارد كينز، الذي كانت رؤاه حول المجهول والمضاربة عميقة. ومع ذلك، نظريته للتوظيف كانت مسببة للمشكلات، كما أن الحلول السياسية التي تطرحها "الكينزية" مشكوك فيها في أفضل الأحوال.



تحدثت البنوك عن التراجع في أسعار المنازل كآثار لبعض أنواع الصدمة. وبحسب نماذجها، فإن الهزات العشوائية تخفض على الدوام أسعار الأصول عن مستوى تقييمات التوقعات. وفي حقيقة الأمر، لم تسبب أي هزة، أو قحط، أو قوة من منشأ خارجي، الانخفاض في الأسعار. وكان السبب الرئيسي هو التوقع بنماذج خاطئة للغاية. فالمضاربون، ومشترو المنازل، لاعتقادهم أن الإيجارات، أو تكاليف البناء سترتفع، راهنوا على أسعار البيوت الأعلى في المستقبل، الأمر الذي أدى أيضاً إلى رفع أسعار البيوت الموجودة. لكن مع مرور السنوات، لم ترتفع الإيجارات، ولا التكاليف (بالأسعار الفعلية). وإذا لم ترتفع، فإن الأسعار الفعلية ستتراجع عاجلاً أم آجلاً.


كان هذا عالم كينز. وفي كامبريدج أظهر كيف أن مستثمراً ما يمكن أن يفسح المجال أمام عوامل طارئة مجهولة، وذلك في رسالته التي حملت عنوان البحث عن الاحتمالات Treatise on Probability. وفي لندن، كان يدير صندوق تحوط مع أو تي فوكسي فولك O.T.“Foxy” Falk ، وأصبح غنياً، لكنه علِق في انهيار أسعار السلع في أوائل 1929. واستنتج أن معتقدات المستثمرين كانت "واهية". وعندما يهرب أحد المستثمرين، ثم يتبعه آخرون، فإن أسعار الأصول التي كانت ترتفع سابقاً، يمكن أن تستقر لفترة قصيرة فقط، لكنها تنهار في نهاية المطاف بحدة، ومعها تنهار المعتقدات التقليدية.


وضع كينز أسعار الأصول في مركز تحديد التوظيف في كتابه المنشور عام 1936 بعنوان "نظرية عامة" General Theory. فإذا سبب التغير في المشاعر تراجعات حادة في تقييمات الأصول التجارية (إلى جانب أسعار الأسهم وأسعار المنازل)، فإن الاستثمار التجاري ينخفض وينكمش التوظيف – وترتفع البطالة – وفي الغالب في صناعات السلع الرأسمالية.


لسوء الحظ، لم تسر الأمور جيداً بعد ذلك. وارتكب كينز خطأً جسيماً في عدم تمييزه بين الانخفاض في أسعار الأصول الناشئ عن أسباب نقدية ـ زيادة في الطلب على النقود من منشأ خارجي، أو بشكل مستقل ذاتياً ـ وبين الانخفاض الناشئ عن أسباب ليست لها علاقة بالعرض والطلب على النقود ـ لنفرض مثلا، التوقعات المتضائلة بشأن العوائد المستقبلية على الأصول التجارية أو المنازل. ويمكن حل الظاهرة السابقة بالوسائل النقدية: يستطيع البنك المركزي زيادة العرض النقدي (بشراء الدين العام مثلا)، الأمر الذي من شأنه أن يرفع أسعار الأصول إلى أعلى دون أن يرفع الأسعار الأخرى والأجور على نحو مماثل في دوامة ليس لها جدوى.


إن الانهيار الأخير في المضاربات على البيوت، على أية حال، ظاهرة غير نقدية. وكان لا بد أن يكون هناك انخفاض في السعر النقدي لسلة من البيوت نسبة إلى السعر النقدي إلى سلة من السلع الاستهلاكية. وجادل كينز بالقول إن أية زيادة في العرض النقدي من شأنها أن تنجح هنا أيضاً: لن يكون العمال مدركين أن الأجور في الوظائف المنافسة في أماكن أخرى قفزت بالقدر الذي قفزت به أجورهم، وبناءً عليه سيخشون طلب أجور فعلية أعلى كما في السابق، ولذا سيتم تحفيز التعيين، وسيعود التوظيف إلى الارتفاع. غير أن استدامة هذا التعافي تقتضي، دون أدنى شك، تضخماً في الأجور إلى ما لا نهاية بمعدل يسبق التوقعات بخطوة واحدة دائماً ـ سياسة غير جذابة. وعلى نحو متزايد، ركز كينز على التدابير غير النقدية لتغيير التوازن الجديد غير النقدي الذي يعقب فقدان ثقة المستثمرين.


شعر كينز دائماً بأن الطلب الاستهلاكي يدفع التوظيف أيضاً. وأي زيادة في الطلب تشجع الشركات على زيادة الإنتاج وتعيين المزيد من العمال ـ في البداية. لكن في اقتصاد مفتوح يملك عملته الخاصة سيذهب الحافز في الغالب إلى الخارج. وفي اقتصاد عالمي، فإن الطلب الاستهلاكي المتزايد لن يفعل الكثير في نهاية المطاف لزيادة معدلات الفائدة، وبالتالي يساهم في انطلاق التراجع في أسعار الأصول الفعلية، والاستثمار، والأجور الفعلية.


أكد كينز على الطلب على الاستثمار بصفته الرافعة لزيادة التوظيف. لكن من الناحية النظرية، يستطيع المرء تحفيز الاستثمار الخاص بواسطة الائتمان الضريبي على الاستثمار، أو تقديم الإعانات إلى الشركات الجديدة أو التعيينات الجديدة. وفضل كينز الاستثمار من جانب الدولة، أو مشروعات الدولة.


أما الأمريكيون ـ بمطاراتهم المريعة، وجسورهم المنهارة ـ فسيرحبون ببناء "البنية التحتية". ومع ذلك يجب طرح السؤال حول ما إذا كان الانتقال الكبير من الاستثمار الخاص إلى استثمار الدولة لن يساهم في تخفيض إدراك، وتطوير، وتبني الأفكار التجارية الجديدة للابتكار. وتؤكد النظرية الرأسمالية على التنوع في مصادر الأفكار التجارية الجديدة في تجمع رجال الأعمال المغامرين المتاح لعمليات التطوير الخاصة بهم، وفي مصادر التمويل ـ المستثمرين الرئيسيين، والرأسماليين الاستثماريين، والباقين ـ وفي صف المستخدمين النهائيين. وتؤكد أيضاً على أهمية أن يكون مالكو المشاريع المالية والتجارية غير مساءَلين فيما عدا (أمام ضميرهم الخاص) ـ وبالتالي يكونون أحراراً في استخدام حدسهم ـ على النقيض من المساءلة الصارمة المطلوبة بحق من موظفي الدولة.


وبناءً عليه، فإن زيادة حضور الحكومة المركزية في القطاع الاستثماري لأي دولة يمكن أن يحد من الابتكار ويساهم في تدني نوعية الابتكارات التي يتم تحقيقها. وسنكون رغم ذلك في فترة هبوط اقتصادي.


قريباً من نهاية حياته، كتب كينز عن "مادة التحديثيين، وأنه أخطأ، وأصبح سيئاً وسخيفاً". وقال لصديقه فريدريك هايك إنه كان ينوي إعادة فحص نظريته في كتابه المقبل. وكان سيمضي قدماً. والإعجاب الذي نكنه جميعنا لمساهمات كينز الرائعة لا يجب أن يمنعنا من المضي قدماً.