الاقتصادية - التراجع الواضح في الاندفاع الذي شهدناه في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في أسواق الأسهم يحمل لنا درسين: الأول، أن التاريخ لا يعيد نفسه.


هناك فكرة حُشِرت في أذهان المستثمرين مفادها أن أكبر ارتفاع خلال يوم واحد في النسبة المئوية لمؤشر داو جونز كان يوم اندفع المغفلون بقوة لشراء الأسهم في الانهيار العظيم للبورصة خلال الفترة 1923 ـ 1933. وهذا يعني رسالة واضحة: هذه المرة لا يمكن الثقة بالاندفاع في سوق الأسهم.


الدرس الثاني ليس بوضوح الدرس الأول، لكنه لا يقل عنه أهمية: ينبغي على مستثمري الأسهم أن يركزوا انتباههم أكثر من ذي قبل على أسواق الائتمان. في الوقت الذي اندفعت فيه أسواق الأسهم في الفترة الأخيرة بما يزيد على 20 في المائة، كان محللو الائتمان يشعرون بالعجب الشديد من هذه التطورات ويتساءلون: ما الذي يبعث البهجة إلى هذا الحد في أنفس المستثمرين؟


كان الأمر يذكر بصورة كبيرة مألوفة تماماً، بما حدث في الصيف الماضي، حين سجلت المؤشرات العامة للأسهم في الولايات المتحدة وبريطانيا أعلى مستوياتها التاريخية في الوقت الذي بدأت فيه الأزمة الائتمانية تتفتح براعمها. وظن المختصون بالائتمان أن هذا علامة على الجنون، وكانوا محقين تماماً في تصورهم.


يجادل الذين يتوقعون ارتفاع أسعار الأسهم بأن السوق هي آلية لتقدير القيمة الحالية لاستثمارات مستقبلية، حيث تنظر عبر الوادي وتتطلع إلى التلال المشمسة. لكن أسواق الائتمان هي كذلك آليات لتقدير القيم الحالية. وعلى حد تعبير سوكي مان، من بنك سوسيتيه جنرال، السؤال هو متى نبدأ في التقدير؟


سنقبل بأن بعض العلامات من عالم الائتمان كان يدل ظاهرها على أنها مشجعة: انخفضت أسعار فائدة الليبور إلى مستويات أدنى مما كانت عليه قبل انهيار بنك ليمان براذرز. وفي الولايات المتحدة، لكن ليس في أوروبا، بدأت سوق الأوراق التجارية بالعمل من جديد.


غير أن هذين العاملين هما نتيجة للتدخل الحكومي المباشر، لكن حين نأتي إلى الإصدارات الجديدة في سوق السندات، فليست هناك علامات تذكر على وجود حياة.


هذا أمر في غاية الأهمية. من جانب آخر لم يكن هناك الكثير من إصدارات الأسهم الجديدة، لكن حقوق الملكية (أي الأسهم) هي رأس مال دائم لا يحتاج باستمرار إلى استبداله، على خلاف الحال في السندات والقروض البنكية. وفي حين أن من المفيد أن تستطيع الشركات الأمريكية الآن تدوير أوراقها التجارية قصيرة الأجل، إلا أن إعادة تمويل القروض طويلة الأجل لا تزال مكلفة بصورة تبعث على الشلل.


في الأسبوع الماضي أصدرت شركة السجائر "ألتريا" سندات بفائدة تزيد 600 نقطة أساس على الفائدة التي تُدفع على سندات الخزانة الأمريكية، بحيث كان العائد في حدود 10 في المائة تقريباً. مع ذلك، فإن ألتريا ليست مدينة بشكل صاف وتتمتع بحركة نقد مستقرة على نحو غير طبيعي بفضل الزبائن المدمنين على التدخين. وسأقبل بأن الفروق في العوائد على المشتقات الائتمانية تقلصت عن ذي قبل. لكن السندات النقدية لم تقتف أثر المشتقات الائتمانية. وما يعرف بالأساس، أي الفرق بين العوائد على السندات النقدية وسندات المشتقات الائتمانية، توسع بصورة هائلة. وعلى خلاف المشتقات، فإن السندات النقدية هذه الأيام لا يمكن تحويلها إلى أموال نقدية بسهولة. وبالتالي، لا بد من إضافة رسم آخر للسيولة يوضع فوق الرسم الأصلي.


إذا كانت سوق السندات متعثرة، فإن النظام البنكي سيكون متعثراً كذلك. قبل ثلاثة أسابيع كتبت مقالاً شرحت فيه كيف أن الهبوط في أسعار الشحن الجاف بالجملة، أي مؤشر حوض البلطيق الجاف، نشأ بصورة جزئية لأن البنوك رفضت إصدار كتب اعتماد للشركات.


منذ ذلك الحين قامت المجموعة الدولية لجمعيات أمناء الخزينة، التي تمثل أمناء الخزينة في الشركات، بإذاعة الأمر على الملأ. وقالت إن التجارة العالمية "تمر الآن في طور الجمود". مع ذلك المشكلة، مرة أخرى، هي أن البنوك لا تثق في بعضها بعضاً.


السبب في ذلك هو أنه حين تشحن إحدى الشركات في بلد معين بضائع إلى زبون في بلد آخر، فإن بنك المشتري يفترض فيه أن يصدر كتاب اعتماد إلى بنك البائع حتى يتم تسديد أجور الشحن دون إبطاء. هذه الأيام، على ما يبدو، لا مجال لذلك.


دعوني الآن أعود إلى الموضوع الرئيسي للمقال. لماذا يستمر محللو الائتمان، خصوصاً في أوروبا، في الشعور بالتشاؤم؟


يعود بعض السبب في ذلك إلى أنهم لا يزالون بانتظار انقشاع العاصفة. مستثمرو الأسهم يدركون حقيقة هبوط أرباح الشركات، حتى وإن بدا عليهم أنهم يشعرون بالمفاجأة والاستغراب من ذلك؟ بالمقابل أسواق الائتمان تُعِدُّ نفسها لأن تأخذ حالات الإعسار بالاندفاع، لكن معدلات الإعسار لا تزال متدنية.


بعبارة أخرى، إنها مؤشر يجرجر أذياله. يعتقد مان أن المؤشر لن يصل إلى معدل الذروة إلا في 2010، وأن الفروق في العوائد ومبالغ التأمين لا ينبغي لها أن تصل إلى الذروة إلا قبل ذلك بفترة قصيرة.


وهذا يوضح لنا مشكلة أساسية. قبل سنتين كتبت مقالاً تحدثت فيه كيف أن تحليل الأسهم والائتمان يبدو أنه يأتي ويتقارب من الجانبين. كان المحللون في هذين المجالين المختلفين تماماً يتبادلون الأفكار والمعلومات للتوصل إلى وجهة نظر أكثر عمقاً من ذي قبل حول آفاق الشركات.


مهما كان مقدار الصحة في هذا المنهج في ذلك الحين، فمن المؤكد أنه غير صحيح الآن. أحد الأسباب لذلك أن رواد هذا المنهج كانوا صناديق التحوط الساعية إلى الجوانب الشاذة في الأرباح.

هذه الأيام توجد أولويات قاسية تماماً أمام صناديق التحوط، مثل جمع الأموال النقدية للوفاء باستحقاقات الصفقات التي يطالب بها أصحابها. كما يتم الآن التجاهل التام للأساسيات، خصوصاً في سوق الأسهم، إلى درجة أنه ليس هناك ما يضمن أن الجوانب الشاذة في الأرباح لن تزداد سوءاً عن ذي قبل.


في الأسبوع الماضي حث الرئيس العالمي للاستثمار المؤسسي لدى مؤسسة فيديلتي إنترناشونال، على صفحات "فاينانشيال تايمز"، محللي الأسهم على التخلي عن هوسهم بالأرباح وقضاء وقت أكبر على حركة النقد والهياكل الرأسمالية. وأغلب ظني أنه بالنظر إلى الظروف الحالية من غير المرجح أن ينصت له أي شخص قريباً.


في الوقت نفسه تذكر أن الأزمة الحالية هي أولاً وقبل كل شيء لا تزال أزمة ائتمانية. إذا اختلفت أسواق الأسهم وأسواق الائتمان، فلتكن سبيلك هي أسواق الائتمان.