الاقتصادية - قبل أن يصبح زعماؤنا السياسيون مبهورين للغاية بإعادة صناعة الرأسمالية، الشهر المقبل في اجتماعات بريتون وودز الثانية في واشنطن، عليهم معالجة ما هو طارئ.

فمنذ أن أشعل إفلاس ليمان براذرز هلعاً مصرفياً عالمياً، نجح الزعماء السياسيين في الولايات المتحدة وأوروبا في إلقاء شريط حماية حول بنوكهم للحؤول دون انهيار مالي. غير أن ما لم يفعلوه حتى الآن هو تنسيق السياسات على مستوى الاقتصاد الكلي لوقف تراجع عالمي عميق. هذا هو جدول الأعمال الطارئ.

لا يمكن تجنب تراجع اقتصادي في الولايات المتحدة، ولا يمكن للأسر الأمريكية مواصلة الإنفاق بما يتجاوز دخولها، كما دأبت على ذلك خلال السنوات الأخيرة، حتى لو خفت آثار الأزمة الائتمانية. ولا بد من أن يتراجع استهلاك هذه الأسر بشدة. وربما تصل قيمة شطب القيم في الثروة الخاصة بالأسر الأمريكية نتيجة تراجع قطاعي الإسكان والأسهم إلى 15 ألف مليار دولار. والهبوط الحاد الناتج عن ذلك في الاستهلاك الخاص والاستثمار يمكن أن يصل إلى ثلث ذلك المبلغ.

وستعاني بعض الاقتصادات الأخرى من حالات انكماش من صنع محلي، لأنها كذلك سمحت بتطور فقاعة إسكانية انفجرت في الوقت الراهن. ويبدو أن هذا هو حال أستراليا، والمملكة المتحدة، وإيرلندا، وربما إسبانيا. ويمكن أن يضيف هذا التراجع في الاستهلاك خارج الولايات المتحدة، الناتج عن خسائر رأسمالية وانعكاسات سلبية لقيم وأسعار الإسكان، مبلغاً يراوح بين 300 و500 مليار دولار للجولة الأولى من تراجع الطلب العالمي.

ومع ذلك، فإن انكماشاً عميقاً في الولايات المتحدة وعدد قليل آخر من البلدان، لا يستوجب بالضرورة إلقاء العالم في حالة من الانكماش. فقيمة الإنتاج العالمي 60 ألف مليار دولار، أو نحو ذلك، لذا فإن جولة أولى من تراجع الطلب بما يصل إلى 1800 مليار دولار ستشكل نحو 3 في المائة فقط من الإنتاج العالمي. وإذا لم تكن هناك تغيرات سياسية لتحقيق توازن في ذلك على مستوى الاقتصاد الكلي، فإن تراجع الطلب يمكن أن يتضاعف، بحيث يصل إلى نحو 6 في المائة من قيمة الإنتاج العالمي، مقارنة بنمو يبلغ 4 في المائة، الأمر الذي يعني تراجعاً عالمياً بنسبة 2 في المائة.

في الجانب الآخر، نجد أنه حتى تراجع الطلب العالمي بنسبة 3 في المائة يمكن موازنة أثره بصورة رئيسية من خلال سياسات اقتصادية توسعية تطبقها اقتصادات الفوائض في آسيا والشرق الأوسط. ومن سوء الحظ أن الصين كانت تتبع، حتى الفترة الأخيرة، ساسيات نقدية ومالية متشددة لمحاربة التضخم. ولا بد للصين في الوقت الحاضر من إحداث تحول في سياساتها هذه، لتعزيز طلبها المحلي ودعم توسع اقتصادي منسق عبر شرقي آسيا. ولا بد أن يتضمن أي توسع منسق الإجراءات التالية:

أولاً، يجب أن يقدم الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان، خطوط مقايضات لجميع الأسواق الناشئة الرئيسية، بما فيها البرازيل، المجر، بولندا، وتركيا للحؤول دون استنزاف احتياطياتها.

ثانياً، على صندوق النقد الدولي أن يقدم قروضاً بشروط مخففة لجميع البلدان التي تطلب ذلك، بدءا بباكستان.

ثالثاً، على البنوك المركزية الأمريكية والأوروبية، ومنظمي البنوك، العمل مع البنوك الكبرى لثنيها عن سحب خطوط الائتمان من العمليات الخارجية بصورة مفاجئة. ولإسبانيا دوراً يجب أن تلعبه مع بنوكها في أمريكا اللاتينية.

رابعاً، على الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، أن تشرع في توسع منسق على نطاق الاقتصاد الكلي. ويمكن أن يعني ذلك في الصين زيادة الإنفاق على الإسكان العام، والبنية التحتية. وفي اليابان يمكن أن يعني زيادة في الإنفاق على البنية التحتية، وربما كذلك تقديم قروض للدول النامية في آسيا وإفريقيا، لتمويل المشروعات التي ينشئها اليابانيون والشركات المحلية. ويمكن لتمويل التنمية أن يكون عامل توازن قوي على مستوى الاقتصاد الكلي.
وعلى الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، العمل مع البنوك المركزية الإقليمية الأخرى لتشجيع ودعم سياسات التوسع الاقتصادي المدعومة من جانب قروض الحكومات إلى الحكومات.

خامساً، على الشرق الأوسط الغني بالسيولة، تمويل المشروعات الاستثمارية في الأسواق الناشئة وفي الدول ذات الدخل المنخفض. والأكثر من ذلك أن عليه أن يبقي على معدلات الإنفاق المحلي رغم تراجع أسعار النفط. والواقع أنه كلما تسارع حدوث توسع عالمي على مستوى الاقتصاد الكلي، كلما أصبح تعافي أسعار النفط أقرب.

سادساً، على الولايات المتحدة وأوروبا التوسع في الائتمانات التصديرية للدول النامية، المنخفضة والمتوسطة الدخل، ليس فقط للوفاء بوعودهما غير الموفى بها على صعيد المساعدات، ولكن كذلك كحافز مضاد لحركة الدورات الاقتصادية. ومن المأساة أن تعاني شركات البينة التحتية الكبرى في الوقت الذي يصرخ فيه العالم النامي طالباً استثمارات في بنياته التحتية.

أخيراً، هناك مجال لتطبيق سياسات مالية توسعية في الولايات المتحدة وأوروبا، على الرغم من العجز الضخم في الميزانيات. وعلى التوسع الأمريكي أن يركز على البنية التحتية وعمليات التمويل للحكومات التي تعاني من عجز في السيولة، وليس على التخفيضات الضريبة. ولن تعمل هذه الصفقة على منع حدوث الانكماش في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا، لكن من شأنها منع حدوث انكماش في آسيا والدول النامية. ويمكنها، على الأقل، فرض حد على التراجع العالمي الذي يكتسب قوة بوتائر سريعة.