الاقتصادية - كان لا بد من تشديد الائتمان والمشكلة الآن هي تجاوز حدود الاعتدال.

المذكرة الموجهة إلى المصرفيين في كل مكان هي: لم يعمل دافعو الضرائب على إنقاذكم لأنهم يحبونكم، بل لأنهم بحاجة إليكم. وكان الهدف من عمليات الإنقاذ تأمين تدفق الائتمان إلى الشركات ذات الجدارة الائتمانية، وعلى الرغم من ذلك يبدو أن تدفق الائتمان يتباطأ إلى حدٍ كبير. فكيف على الحكومات أن تردّ على الأمر؟

يجب ألا يكون هناك خطأ: الدعم الحكومي للقطاع المصرفي كان أمراً ضرورياً. ودونه كانت عدة بنوك ضخمة تواجه خطر الانهيار، وكان من الممكن للذعر الذي كان منتشراً بين البنوك ودائنيها أن يُسقط النظام المالي بأكمله. ومع أن الإنقاذ كان ضرورياً، إلا أن كفاءته لم تكن مضمونة إطلاقاً.

من الصعب أن يكون المرء متأكداً من مدى خطورة الشح الائتماني على الشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن المؤشرات ليست جيدة. وانهار معدل النمو البريطاني في الربع الثالث، وهذا نذير شؤم، بالنظر إلى كون أكثر المراحل حدة في انهيار الائتمان ـ التي أعقبت انهيار ليمان براذرز ـ بدأت قبل أيام معدودة من انتهاء الربع. وأفاد بنك إنجلترا يوم الأربعاء أن الودائع النقدية للشركات في البنوك البريطانية تسجل أقل مستوىً لها منذ عام 1980. وترسم الأدلة المتداولة بين ألسن الناس صورة كئيبة جداً.

من الطبيعي أن يتساءل العديد من الناس لماذا لا تبذل وزارتا المالية البريطانية والأمريكية، اللتان تعيشان الوضع ذاته، المزيد من الجهد لإجبار البنوك على الإقراض بعد الانتهاء من عملية إنقاذها المكلفة. ومن السهل رواية حكاية عن البنوك الجشعة والحكومات الكيسة، لكن القصة الحقيقية ليست سوى تمثيلية صامتة، وهي للأسف متداخلة إلى حد كبير.

السؤال الجوهري: لماذا تحجم البنوك عن الإقراض؟ أحد الاحتمالات هو الخوف المجرد. فقد أقرضت البنوك الكثير من قبل، ودمّرت سمعتها، وقضت على عشرات المليارات من الجنيهات الاسترلينية من ثروة مساهميها، والآن تخطئ بدافع الحذر.

هناك احتمال آخر، وهو أن البنوك تواجه مشكلة في التنسيق، ولا يريد أي بنك أن يكون الوحيد الذي يتمادى في السحب على المكشوف، وتداول المزيد من القروض، لكن يمكن أن يتشجع كل منها، إذا قام الآخرون بالمثل.

إذا كانت تلك هي الأسباب الوحيدة وراء إحجام البنوك عن الإقراض، إذن التملق، والتزلف، ولي الذراع من قبل وزارة المالية ليست مبررة فقط، لكن يمكن أن تكون مفيدة أيضاً. ينبغي للبنوك أن تتجاوز شللها الجماعي. والشركات القادرة على الوفاء بديونها لن تسقط بسبب نقص التمويل وأسوأ عواقب الانهيار الائتماني سيتم احتواؤها.

والمشكلة هي أنه بينما الخوف ونقص التنسيق يوضحان جزئيا، شح الائتمان المقدّم للشركات، فإنهما ليسا القصة بأكملها. ويبدو على الأرجح أن العديد من القروض التي قدمتها البنوك بحماقة في الأوقات الجيدة تُعتبر اليوم غير مجدية فعلياً. فقد كانت تستند إلى ائتمان رخيص، وشهية مخاطرة كبيرة، واقتصاد متنامٍ. أما الآن، فلأن البنوك غير قادرة على اقتراض، أو جمع رأس مال بأسعار رخيصة، فلا يمكن طي صفحتها دون خسارة المال.
إذا كانت تلك هي المشكلة ـ ولابد أن تكون كذلك إلى حدٍ ما ـ إذن لا توجد خيارات سهلة أمام الحكومة. والاستئساد لن يُحدث فرقاً يذكر. ويمكن تجاوز الأهداف بكل سهولة: الحاجة إلى إقراض المزيد من المال إلى الشركات الصغيرة يمكن أن يعني ببساطة حجم إقراض أقل للشركات المتوسطة.

يمكن للحكومة البريطانية أن تنخرط في الأمر بصورة مباشرة، وأن تأمر البنوك بتقديم القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتأميم القطاع بأكمله بكفاءة، واتخاذ قرارات تتعلق بالائتمان، وبالمخاطر الائتمانية كذلك. من الممكن أن يكون ذلك ضرورياً، لكن المتفائل اليائس وحده الذي يمكن أن يتوقع أن تكون نهاية القصة سعيدة. وستصبح القروض سياسية، بحيث تتحمل الحكومة مسؤولية من تم إنقاذه ومن كان نصيبه السقوط. ويبقى هذا الملاذ الأخير.

يمكن أن تعمل الحكومة كذلك على تشجيع البنوك على الإقراض بخفض سعر رأس المال وقيمة تأمين القروض. وسيعمل دافعو الضرائب كذلك على دفع الأموال لتقديم المعونة المالية للقروض المقدّمة للشركات. وسيتم إنقاذ بعض تلك الشركات، وعلى ذلك النحو أيضاً، يمكن أن يتم إنقاذ شركات أخرى تعتمد عليها.

وعلى الرغم من ذلك، سيتم توجيه الكثير من المال إلى الشركات المحتاجة إلى المعونة المالية، أو الشركات التي تجاوزت عملية الإنقاذ. وما من حل واحد بسيط، والمشكلة أصبحت أسوأ لأن إفلاس مؤسسة واحدة يمكن أن يتسبب في انهيار الأخريات دون سابق إنذار.

هذه هي مأساة التخفيف الكبير للديون. فطالما الائتمان كان رخواً على نحوٍ غير مستدام، فلا بد من أن يتم إحكامه بشدة. ولا يمكن لصانعي السياسة أن يمنعوا ذلك، لكن عليهم أن يستهدفوا منع الفوضى وعدم تجاوز حدود الاعتدال.

حتى الآن، التركيز يتحول بدلاً من ذلك إلى بنك إنجلترا. ومن المقرر أن يتخذ قراره التالي بشأن أسعار الفائدة الخميس المقبل. ولأن مخاوف التضخم ستصبح ذكرى قديمة في وقت قريب، فإن تخفيضاً جذريا في أسعار الفائدة أمر لا بد منه. و2 في المائة لن يكون مستوى مبالغاً فيه.

على الحكومة في الوقت الراهن أن تتمسك بالإقناع، وأن تترك الخطط الأكثر جذرية على الرف. وربما سيكون من المجدي تذكير البنوك، إذا ما فشل الإقناع، بأن الغضب العام سيعمل بالتأكيد على التيقن من عدم تجمّع الأتربة على تلك الخطط العنيفة.