الاقتصادية - أثار الفشل الذي تعرضت له بنوك بير شتيرنز، وليمان براذرز، وميريل لنتش كبنوك مستقلة في الآونة الأخيرة أسئلة حول مستقبل البنوك الاستثمارية. ويعتبر تحول بنك جولدمان ساكس وبنك مورجان ستانلي إلى بنكين خاضعين للوائح المسمار الأخير في نعش البنوك الاستثمارية كما عهدناها على مدى قرن من الزمن. وفي الوقت نفسه، يبدو نمو عمالقة جدد من قبيل بنك جيه بي مورجان تشيز، وبانك أوف أميركا، وبنك ويلز فارغو، وبنك باركليز بمثابة انتصار لأنموذج البنوك الشاملة على البنوك المتخصصة.

وفي الوقت الذي تحاول فيه وزارة الخزانة الأمريكية والجهات التنظيمية الأمريكية وقف الانهيار المالي، فإنهما تقومان أيضاً بإعادة تعريف الأنموذج المصرفي بطرق غير مقصودة يمكن أن تزرع بذور الفوضى المالية في المستقبل. فعبر تشجيعهما، أو سماحهما لبنوك مثل جيه بي مورجان، وبانك أوف أميركا، وباركليز، بإنقاذ البنوك الضعيفة، رغم فائدة ذلك في المدى القصير، فإنهما تقومان أيضاً باحتضان ورعاية البنوك الشاملة الكبرى. ذلك أن حجم هذه البنوك لن يعمل فقط على تعزيز مبدأ "أكبر من أن يفشل" غير المكتوب فحسب، بل يتسبب النظام المصرفي الجديد الذي يقوم على وجود تكتلات مالية عملاقة تمارس أنواعاً كثيرة من الأعمال، في خلق مشكلات لاستقرار النظام المصرفي.

يعلمنا التاريخ المالي أن عملية إدارة التكتلات المالية تنطوي على التعقيد. وهذه التكتلات تدير في العادة عملاً مربحاً يتم استخدام أرباحه في تمويل وحدات أخرى ضعيفة الأداء، وهذا هو السبب الذي يجعل المستثمرين يضعون حسماً على سعر أسهمها. لكن التكتلات المالية تنطوي على مشكلات أخرى تتعلق بإدارة المخاطر، وتضارب المصالح، وتخصيص رأس المال، وهذه المشكلات تخلق تحديات كبيرة للجهات التنظيمية ولاستقرار العمل المصرفي ككل.

أول مشكلة أساسية تواجهها البنوك الشاملة هي إدارة المخاطر. فمن ناحية، تقدم هذه البنوك خدمات مصرفية تقليدية لا تنطوي على مخاطر كبيرة - كاستقبال الودائع، وتقديم القروض التجارية - نظراً لوجود ضمان للودائع وآلية للتأمين من جانب الحكومات. لكنها من ناحية أخرى تدير وحدات تقوم بعمليات التداول، وتقدم القروض لعمليات الاندماج والاستحواذ، وتدير المحافظ الفردية وتستثمر مدخراتها في منتجات غريبة، وتصمم قروضاً ذات هيكلية معقدة. وتبدو هذه البنوك أكثر استقراراً لأنها أكثر تنويعاً، لكن المشكلة تكمن في هذا التنويع.

وقليلة هي البنوك الشاملة الأمريكية التي نجت من العاصفة بشكل معقول، منها بانك أوف أميركا وبنك جيه بي مورجان. وصحيح أيضاً أن بنوكاً أوروبية، مثل سانتاندر، أو BBVA نجحت بأنموذجها الشامل، رغم أنها بنوك تجزئة قوية وليست متنوعة كالبنوك الأمريكية المنافسة لها.

وإذا وضعنا هذه الاستثناءات جانباً، وجدنا أن إدارة عمل البنوك التقليدية إلى جانب العمليات المالية الخطرة لا يجعل العمل المصرفي الأساسي أكثر خطورة فحسب، لكنه يضع ضغطاً على البنك بأكمله. وهذا هو أحد أسباب وجود المشكلات الكبيرة في صلب الأزمات المالية التي تعرضت لها بنوك ميريل لنتش، وUBS، وفورتيس، وبنك ووتشوفيا.

في البنوك الشاملة لا بد من وجود تعارض مصالح. وهذه قصة قديمة كثيراً ما تعود إلى الواجهة. فقد ظهرت أثناء فقاعة الإنترنت، حين كانت البنوك تقوم بأدوار مختلفة نيابة عن أطراف مختلفة: كانت تقدم الاستشارات حول عمليات الاندماج والاستحواذ، أو تقدم القروض لتمويل بعض عمليات الاستحواذ، أو تتعهد عمليات الاكتتاب الأولي، أو تدير المحافظ الاستثمارية.

لقد تهدمت الجدر الصينية وقام بعض المصرفيين باستغلال تعارض المصالح بشكل غير أخلاقي. الغضب الشعبي وبعض التغييرات التي أدخلت على القوانين هدّأت العاصفة، لكنها لم تستأصل المشكلة الأساسية.

وهناك مسألة أخرى تتعلق بالافصاح وحماية المساهمين. وتحديداً، أوجه تخصيص رأس المال في التكتلات المالية عملية معقدة على صعيد القيام به وعلى صعيد تمييزه. وما لم تبذل البنوك جهداً ضخماً من أجل شرحه بطريقة واضحة، فلا يستطيع المستثمرون ولا الجهات التنظيمية أن يفهموا حقيقة أين يكمن هذا الخطر كما أظهرت الأزمة الأخيرة.

إن تعارض المصالح المتأصل في البنوك الشاملة لا يشكل أساساً كافياً لمنع وجودها، أو للعودة إلى قانون جلاس ـ ستيجال الأمريكي.

لكن الجهات التنظيمية ينبغي أن تمارس رقابة أدق عليها وأن تطلب منها أن تفصل بشكل قانوني وعملي بين عمل الوساطة المصرفية والخدمات المالية الأخرى. وينبغي للبنوك أن تفصح بشكل كامل عن أوجه تخصيص رساميلها وعن المخاطر التي تتعرض لها بطريقة واضحة من أجل المساهمين والمستثمرين.

ويمكن لمدققي الحسابات أن يساعدوا على هذا الصعيد. فإذا ألقينا نظرة على التقارير السنوية لبعض البنوك الفاشلة في السنوات الثلاث الماضية، لأحسسنا معظم الوقت أنها كانت منيعة ومحصنة ضد المخاطر.

إن الاقتصاد الديناميكي بحاجة إلى بنوك تعمل بشكل جيد، لكن أنموذج البنوك الشاملة يستوجب أن تفصل هذه البنوك بشكل واضح بين الأنشطة الخاضعة للقوانين والأنشطة غير الخاضعة لها، وأن تعمل بشفافية أفضل وتفصح عن أوضاعها بشكل أفضل. وما لم نعالج هذه المشكلة، فقد ينتهي الأمر بوجود بنوك أكبر، ليس هذا فحسب، بل بنظام مالي أضعف في المستقبل.