الاقتصادية - هذا هو ما أقرؤه هذا الصباح على الموقع الإلكتروني لصحيفة الفاينانشيال تايمز "أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أنه سوف يقرض المجموعة الأمريكية الدولية 85 مليار دولار، من الأموال الطارئة مقابل الحصول على حصة حكومية فيها تبلغ 79.9 في المائة، إضافة إلى سيطرة فعلية على الشركة، وذلك في خطوة غير عادية تهدف للحيلولة دون انهيار شركة التأمين العملاقة هذه التي تلعب دوراً حيوياً في النظام المالي العالمي.

وسوف يتم وفقاً لهذه الخطة استبدال الإدارة الحالية للشركة، وتعيين مسؤولين تنفيذيين جدد. ويضاف إلى ذلك أن الخطة تمنح الحكومة الأمريكية حق استخدام الفيتو على القرارات الرئيسية في الشركة".

كنت على وشك اتخاذ قرار بالعودة إلى النوم، حيث كنت مقتنعاً بأنني إنما أشاهد حلماً. وكانت الأسباب التقريبية لانهيار المجموعة الأمريكية الدولية كشركة خاصة، هي نشاطاتها فيما يتعلق "بخط العمل المنفرد"، وتعاملها بكميات هائلة من المشتقات المالية ذات المخاطر العالية مثل التزامات الديون المضمونة التي يرتبط الكثير منها بالقطاع العقاري في الولايات المتحدة. وتم تأميم أكبر شركة تأمين في العالم، حيث كانت لديها ميزانية بأكثر من تريليون دولار، لأنه تم النظر إليها على أساس أنها أكبر، وأوسع ارتباطاً على النطاق العالمي، من أن يسمح لها بأن تفشل. وإن المخاوف التي أدت إلى هذا القرار غير العادي هي أن فشل المجموعة الأمريكية الدولية من شأنه أن يزيد مخاطر الأطراف المقابلة، الحقيقية والمتوقعة، عبر النظام المالي الشامل في الولايات المتحدة، وفي بقية أرجاء العالم، بدرجة تجعل أي مؤسسة مالية غير راغبة في تقديم الائتمان إلى أي مؤسسة مالية أخرى. وكان من المتوقع أن يكون الائتمان الذي يقدم إلى الأسر، وإلى الشركات غير المالية، هو حجر الدومينو التالي الذي سوف يسقط، وهو الأمر الذي يمكن أن يعتبر بمثابة جهنم مالية.

ولا يمكنني أن أحكم على احتمالات وكيفية سيناريو الكارثة، ولكن إذا كانت هنالك أي حالة ينطبق عليها مبدأ الحذر المسبق في عالم التحليل الاقتصادي، فإنها هذه الحالة بالتحديد. وتم كذلك إنجاز الأمر بالطريقة الصحيحة من خلال الإصرار على الملكية العامة، أي تأميم الشركة. وغادرت إدارة الشركة الحالية، كما يتوجب عليها ذلك. وسوف نعرف فيما بعد ما إذا كان أفراد هذه الإدارة طاروا بالمظلات الذهبية ( أي التعويضات الكبرى)، أم أنهم اكتفوا بصناديق كرتونية تضمن ممتلكاتهم الشخصية.

إن المضامين الدقيقة والمحددة لهذه الصفقة بالنسبة لحملة الأسهم القدامى، سوف تكون أمراً مهماً في الحكم النهائي على مدى عدالتها، وما سوف تعنيه بالنسبة لحوافز الإقدام على المخاطر في المستقبل. ونظراً لأن المستثمرين الحاليين لم يتم مسح قيم أسهمهم تماماً في هذه الصفقة، فإنهم ربما خرجوا منها بوضع جيداً، بل وربما بوضع جيد للغاية. ويبدو أن عملية الاستيلاء العام توحي بأن كل حقوق كل الدائنين، إضافة إلى حملة الأسهم العاديين، وحملة الأسهم المفضلة، سوف تصان. أما من جانب الحوافز الخاصة بالتجاوزات المتعلقة بالإقدام على المخاطر في المستقبل، فإن هذا أمر يؤسف له.

وكان من المفضل فرض رسوم على الدائنين، بحيث يتم تعديلها وفقاً لتميز الديون. ولكن ربما تكون مخاوفي إزاء حوافز الإقدام على المخاطرة في المستقبل موضع نقاش، لأنها تفترض أن الشركات الخاصة الساعية إلى تحقيق الأرباح سوف تكسب مرة أخرى في المستقبل، وسوف تمارس ذلك النوع من النشاطات المالية التي مارستها المجموعة الأمريكية الدولية.

إذا كانت الشركات العملاقة، مثل المجموعة الأمريكية الدولية أكبر، وأوثق اتصالات، من أن يسمح لها بالفشل، ولكنها غير ذكية بما يكفي لتجنيبها إيصال أوضاعها إلى الحد الذي تحتاج فيه إلى الإنقاذ، فما هو إذن مبرر السماح للشركات الخاصة بالانخراط في مثل هذه النشاطات في المقام الأول؟.

هل الواقع هو أن النموذج الحديث للرأسمالية المالية القائمة على مفهوم العمليات، هو أن الشركات الخاصة الكبرى تحقق أرباحاً هائلة في الظروف الجيدة، وتحصل على الإنقاذ، وتصبح تحت مظلة الملكية العامة مؤقتاً حين تسوء الأحوال، بينما يتحمل دافع الضرائب مخاطر الخسائر؟.

إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يتم الإبقاء على مثل هذه النشاطات تحت مظلة الملكية العامة بصورة دائمة؟. هنالك حجج تساق منذ فترة طويلة في أنه ليس هنالك مبرر حقيقي للملكية الخاصة للمؤسسات المصرفية التي تستقبل الودائع، لأن هذه الملكيات الخاصة لا يمكنها أن تعمل بصورة آمنة دون ضمان للودائع و / أو تسهيلات مقرض نهائي ليتم تحملها في النهاية من قبل دافعي الضرائب.

وحتى في حالة وجود الضمانات الخاصة للودائع، فإنه في حدود كافية فقط للتعامل مع اصطفاف العملاء أمام أبواب البنوك لسحب ودائعهم بالنسبة إلى مجموعة ثانوية من البنوك ضمن النظام المصرفي. ولا تستطيع البنوك الخاصة مجتمعة تأمين نفسها ضد اندفاع شامل لسحب الودائع من البنوك. وبمجرد أن تضمن الحكومة الودائع، أو تخصص تمويلاً بديلاً كجهة إقراض أخيرة، فإن النشاط المصرفي القائم على الودائع يصبح رخصة لطباعة النقود.

يفيد ذلك بأنه إما أن تتم مزايدة على فترات منتظمة على تراخيص النشاط المصرفي القائم على الودائع،وبصورة تنافسية، أو أن تخضع البنوك المتلقية للودائع للملكية العامة لضمان حصول دافعي الضرائب على العوائد، إضافة إلى تحملهم للمخاطر. ويمكن في الوقت الراهن توسيع شمول حجة أن الوساطة المالية لا يمكن تخويلها للقطاع الخاص لكي تضم العمليات الجديدة، أي صيغ الرأسمالية المالية القائمة على أسواق رأس المال.

إن مخاطر الاختفاء المفاجئ لكل من سيولة السوق بالنسبة لفئات الاستثمار ذات الأهمية الشاملة للنظام المالي، والسيولة التمويلية للشركات المهمة على مستوى النظام ككل، يمكن أن تكون أشد من أن تسمح للشركات الخاصة بأن تلعب دورها. وممّا لا شك فيه أن جعل المجتمع يتولى معظم الوساطة المالية يعتبر مكلفاً فيما يتعلق بالديناميكية والابتكار، ولكن إذا كانت مخاطر عدم الاستقرار كبيرة للغاية، كما أن تكلفة ذلك كانت مرتفعة للغاية، فإن تلك يمكن أن تكون تكلفة تستحق دفع ثمنها.

هذه القضايا تستحق التفكير والتأمل ليس فقط في واشنطن، ولكن في كل مكان تجذرت فيه الوساطة المالية، أو أصبحت تهدد بأن تفعل ذلك في قلب الصناعة المالية (وول ستريت، والحي المالي في مدينة لندن، وفرانكفورت، وزيوريخ، وطوكيو، ودبي)، وكذلك في الأسواق الناشئة التي كانت حتى وقت قريب تتطلع إلى المواقع التي كانت تحتلها تلك المؤسسات المالية والأسواق التي تتعرض الآن لسقوط أحجار الدومينو فيها بما يعادل خسائر تقدر بتريليونات من الدولارات.

وإذا نظرنا مروراً من عملية تمويل الاقتصاد إلى جعل المجتمع مسؤولاً عن التمويل في خطوة صغيرة بالنسبة للمحامين، وعملاقة بالنسبة لبني البشر، فمن هو الذي قال إن علم الاقتصاد كان مملاً؟.