الاقتصادية - كان كارل ماركس مخطئاً بشأن عدة أشياء، ولكنه قدم في عام 1893 رواية حول الانفجار المالي الحاصل في يومنا هذا، مثل أي معلق ما زال على قيد الحياة. وقال ماركس: "بالنسبة لأي مالك لرأس المال، فإن عملية الإنتاج تبدو مجرد صلة وصل لا يمكن تفاديها".

هذه الفقرة من كتابه رأس المال Das Kapital، تمثل وصفاً دقيقاً لعمليات المال في اقتصادات الدول الناطقة باللغة الإنجليزية في السنوات الأخيرة، وفقاعة الائتمان الناتجة عنها. كما هي الحال دائماً في التاريخ المالي، فإن المحاولة المحمومة لتحقيق الربح أتاحت المجال الآن أمام حافز محموم لإيجاد شخص ما يمكن إلقاء اللوم عليه.

انشغل السياسيون الغاضبون ودافعو الضرائب، بتقييم الخصائص النسبية لكبش الفداء من المصرفيين المركزيين، والرؤساء التنفيذيين المتعطشين للمكافآت، ورؤساء مجالس إدارة البنوك، والمنظمين، والوزراء. ومع ذلك، فثمة سؤال وحيد طرحه عدد قليل منهم: أين كان المساهمون؟

في ظاهر الأمر، فإن الأخطاء التي تم ارتكابها خلال فقاعة الائتمان شكلت فشلاً ذريعاً للملكية. ويتضح ذلك في النقل الشامل لملكية أسهم البنوك إلى الحكومات ضمن مبادرات إعادة الرسملة التي تمت في الأسبوعين الماضيين. وكانت الحكمة التقليدية منذ الثمانينيات، رغم كل شيء، هي أن ملكية الدولة كانت بمنزلة كارثة. ولا بد أن الملكية الخاصة ارتكبت خطأً جسيماً لأنها جعلت الدولة تبدو هي الحل، وليس المشكلة.

بناءً عليه، هل يستطيع أصحاب رأس المال وقف العملية الكلية التي وصفها كارل ماركس جيداً، وهل كان بإمكانهم منع التجاوزات في البنوك المختلفة؟ تكمن الإجابة في طبيعة قوة المستثمر.

في حقيقة الأمر، فإن الموجة الجديدة من التأميم الجزئي تمثل بشكل مثير للجدل المرحلة الأحدث فقط في التحول الزاحف للقوة من المستثمرين إلى "الدور الكبير للحكومة". وجاء جوهر قوة المستثمر في أوائل التسعينيات عندما قال على نحو شهير، جميس كارفيل، وكان مستشاراً لبيل كلينتون أثناء ترشحه إلى أول انتخابات له كرئيس للولايات المتحدة: "اعتدت التفكير بأنني، لو كان هناك إعادة تجسيد للإنسان، كنت أريد أن أعود كرئيس، أو بابا، أو لاعب كرة سلة كبير. ولكنني الآن أريد أن أعود كسوقٍ للسندات. بإمكانك على هذا النحو أن تخيف الجميع".

كانت تلك هي الحقبة التي رفض فيها المتداولون الذين كانون يعرفون بلجان سوق السندات، تمويل عجوزات الحكومات المرتفعة لخشيتهم من التضخم. وكانت إضرابات المشترين، كما كانت تعرف عندئذ، تمثل قيداً على الهبات التي كانت تُنثر على حساب دافعي الضرائب. ففي حقبة تخفيف الأنظمة والتحرر، بدا أن الأسواق هي التي تحكم.

مع ذلك، بدا أن هذه القوة تضعف عندما بدأت المدخرات الفائضة تزداد في آسيا وفي اقتصادات النفط خلال العقد الحالي. وإن الحاجة إلى وجود مأوى لهذه الأموال، هي التي أزالت القيود على التمويل عن حكومات الإنفاق الحر، وقلصت العوائد على جميع الأصول فعلياً، وبذلك ساهمت في فقاعة الائتمان.

هكذا، حيث إن الآسيويين وشيوخ النفط يهيمنون على سوق السندات، لم تعد هناك وظائف للجان. ولم تكن الأسواق قادرة على إخافة الحكومات لتشديد سياستها المالية من أجل تعديل السياسة النقدية المتراخية التي مهدت الطريق أمام حدوث الفقاعة. واندفعت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بحماس باتجاه العجز الهيكلي في الميزانية.

سوف يسبب إنقاذ البنوك الآن توسعاً هائلاً في عجوزات العالم المتقدم. ومع ذلك، فإن العودة إلى إضرابات المشترين لن تحصل على الأرجح. فأولاً، تنمو احتياطيات العملة الأجنبية للبلدان النامية، والتي تبلغ الآن نحو 5,500 مليار دولار (3,0178 مليار جنيه استرليني، 4,086 مليار يورو) بأكثر من نسبة 20 في المائة سنوياً، بينما يتوقع صندوق النقد الدولي أن تنمو صناديق الثروة السيادية من حجمها الحالي البالغ بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مليار دولار، إلى ما يتراوح بين سبعة آلاف إلى 11,000 مليار دولار بحلول عام 2013.

ثانياً، إن قوة المقرض التي أذهلت كارفيل كثيراً، تحولت إلى اعتماد متبادل بين الدائن – والمدين. ولا تستطيع الصين، والمدخرون الآخرون، بشكل مفرط أن يتوقفوا عن شراء، أو البدء ببيع، أصول الدولار دون إلحاق ضرر هائل بممتلكاتهم الحالية من الدولار.

بناءً عليه، سيبقى الدور الكبير للحكومة موجوداً هنا لفترة من الوقت، وربما أن ذلك للأفضل. وحيث إن الأسر في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية تعاني من إرهاق الديون، على جهة أخرى أن تمتص المدخرات الفائضة في آسيا واقتصادات النفط لضمان استمرار النمو العالمي. تساعد الحكومات الغربية في هذه المهمة، بينما تمنع في الوقت ذاته انهياراً في القطاع المصرفي من شأنه بخلاف ذلك أن يلقي بالعالم في فترة كساد على غرار الثلاثينيات، تكتمل بطوابير استجداء الطعام.

الحكم على مسألة الصورة الكبيرة بناءً على ذلك، هو أن قدرة مستثمري السندات على تقييد صانعي السياسة في فترة الفقاعة تم تحييدها بالاختلالات العالمية. وبدلاً عن ذلك، كانوا متعاونين راغبين، وهو أمر غير مدهش إلى حد كبير في أي فقاعة.

أما بالنسبة لقدرة المساهمين على كبح التصرفات السيئة في البنوك، فإن جانباً كبيراً منها يكمن في التمييز بين الملكية والسيطرة. وفي استكشاف عميق التفكير في الملكية، تشير دراسة جديدة أجرتها المؤسسة الفكرية شركة الغد Tomorrow’s Company، إلى أن المساهمين لا يملكون الشركات بالطريقة ذاتها التي يملك فيها الناس بيوتهم أو ملابسهم. وتجادل بالقول إن ملكية الأسهم تنقل حقوقاً محدودة فقط للسيطرة.

سيكون من غير المنطقي أيضاً توقع أن يقوم المساهمون الخارجيون بالتشكيك في مجالس إدارة البنوك بشأن قضايا معينة من إدارة المخاطر أو السيطرة الداخلية. وربما يواجه المساهمون أيضاً صعوبة في استخلاص المعلومات من مجالس الإدارة. وبعد كل ما ذكر، فإن المساهمين المؤسسين الذين يهيمنون الآن على لوائح الأسهم يجب أن يكونوا قادرين على التأثير في تركيبة المجالس الإدارية للبنوك، وهيكل الرواتب التي تدفع للتنفيذيين، والشكل الكلي للميزانيات العمومية للبنوك، فضلاً عن إجراء حوار حول المخاطر والاستدانة.

مع ذلك، يشير بيت هان، وهو مصرفي سابق في بنك سيتي جروب يعمل الآن في كلية كاس لإدارة الأعمال في لندن، إلى أن معظم البنوك التي تكبدت خسائر كبيرة في الولايات المتحدة، كان ينقصها على نحو مؤسف مديرون خارجيون يملكون الخبرة في المصرفية أو المخاطر. وتميل مجالس الإدارة إلى أن تكون مكدسة بأشخاص مسنين يبقون في المنصب لفترة طويلة.

في أوروبا، حسبما يضيف هان، فإن "يو. بي. إس" - أكبر بنوك سويسرا (وأكبر متكبد للخسائر) – بنى بنكاً استثمارياً عالمياً دون وجود أي مديرين خارجيين لديهم الخبرة المصرفية للإشراف على الخطط أو معارضتها. كانت المهارات المصرفية في بنك سوسيتيه جنرال، حيث كشف متداول مارق غياباً طويل الأجل للضوابط، غائبة بشكل واضح عن اعتماد كبير على المديرين الخارجيين الذين تلقوا تعليمهم في مجال مماثل، ومسارات مهنية مبكرة.

إن جزءاً من المشكلة في الولايات المتحدة أنه حتى لو أراد المساهمون القيام بأي أمر فيما يتعلق بالمجالس الضعيفة في إدارات البنوك، فإن الأمر كان سيكون صعباً للغاية. وتم التأكد من أن يكون نظام التصويت الصارم على الغرار السوفياتي، أي لائحة من المديرين الذين يرشحهم مجلس الإدارة الحالي الذين يمكن انتخابهم في الاجتماع السنوي بنظام الصوت الواحد.

في ظل كريستوفر كوكس، رئيس مجلس الإدارة، حاولت هيئة الأوراق المالية والبورصة إصلاح النظام في العام الماضي. ومع ذلك، فإن آن سيمبسون، الرئيسة التنفيذية للشبكة الدولية لحوكمة الشركات International Corporate Governance Network ، التي تمثل المستثمرين الذين يديرون أكثر من عشرة آلاف مليار دولار، تقول إن أرباح الهيئة كانت تمثيلاً إيمائياً حول المقترحات الفاسدة إلى قوانين متناقضة ولا سبيل إلى فهمها.

النتيجة، حسبما أضافت، هي خلل في نظام التصويت يتحمل فيه المساهمون مسؤولية الملكية دون الحقوق لإنجاز هذا الدور. ويستتبع ذلك أن أي رد على الأزمة المالية من جانب أي رئيس مقبل سيكون غير مكتمل إذا فشل في معالجة هذه القضية الأساسية من حقوق المساهمين.

كما أن راتب أعضاء مجلس الإدارة في الولايات المتحدة يسبب المشاكل على نحو مماثل. وواجهت المحاولة لإدخال تصويت استشاري على الطراز البريطاني فيما يتعلق بتعويضات المديرين – المعروف بعبارة "الرأي بشأن الراتب" – عوائق أيضاً. وفي المصرفية الاستثمارية الأمريكية، في غضون ذلك، تضمن نموذج العمل ملكية أساسية للتنفيذيين والموظفين. ومع ذلك فإن هذه المحاولة للتوفيق عن كثب بين مصالح الموظفين، والمديرين، والمساهمين، لم تفعل شيئاً لتقييد الغرائز المدمرة للذات في بنك ليمان براذرز.

في المملكة المتحدة، ومناطق من أوروبا القارية، يوجد للمستثمرين المؤسسيين تأثير أكبر بفضل الملكية الأكثر تركيزاً، والقوانين الأكثر صداقة للمستثمر. ومع ذلك لا يبدو أن البنوك تدار بشكل أفضل مما هي عليه في الولايات المتحدة. ولم يكن نشاط المساهمين علاوة على ذلك، موجهاً دائماً نحو أشد النقاط ضعفاً في نماذج عمل البنوك – ما عليك إلا أن تشهد هجوم نايت فينكي في العام الماضي على بنك إتش. إس. بي. سي، وهو أحد البنوك البريطانية القليلة التي خرجت من الأزمة دون مساس بسمعة قوته.

هل سيكون أداء الحكومات أفضل مع البنوك من المساهمين التقليديين؟ إن الملكية العامة في ألمانيا تقدم تحذيراً مفيداً. ولأسباب مرتبطة بمصالحهم الخاصة، منع السياسيون في الدولة والمحليون باستمرار المحاولات لإحداث اندماج في بلدٍ يفيض بأعداد من البنوك. ولذا كانت أرباح البنوك قليلة.

وأصبحت بنوك ألمانيا بناءً على ذلك هدفاً سهلاً للبنوك الاستثمارية التي تعبث بالمنتجات المهيكلة الرديئة، التي ادعوا أنها سوف تزيد الأرباح مقابل زيادة بسيطة في المخاطر، أو دون أية زيادة على الإطلاق. وأنت تعرف ماذا حدث تالياً.

العبرة: إن غياب التوفيق بين مصالح المساهمين الخارجيين، والحكومات، يمكن أن يكون أسوأ بالمقارنة مع غيابه بين المديرين، والمساهمين في الشركات التقليدية المدرجة في البورصة