الاقتصادية - اتسم الرد العالمي على الفوضى المالية الحالية بالفوضى، وارتفاع التكلفة، وعدم الفاعلية. وهذا ما حدا بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني جوردون براون، والرئيس الألماني هورست كوهلر، الذي سبق أن عمل رئيساً لصندوق النقد الدولي، للدعوة إلى عقد مؤتمر بريتون وودز جديد لوضع نظام مالي عالمي جديد.

وتعتبر الأزمة الحالية أول أزمة كبيرة تحدث منذ مؤتمر بريتون وودز الذي عقد عام 1944، والذي تمخض عن إنشاء صندوق النقد الدولي، الواقف الآن موقف المتفرج. لكن جذور المشكلة تكمن في بعض النواحي التي لدى الصندوق تفويض مباشر لمعالجتها – خصوصا مشكلة الاختلالات الكبيرة في الحسابات الجارية – إلى جانب النواحي التي مد تفويضها إليها لتغطية الاستقرار المالي.

إن صلب وظيفة صندوق النقد الدولي ينبغي أن يكون الرقابة متعددة الأطراف. لكن في الوقت الراهن هذا مجرد كلام. إن الدور المنوط بصندوق النقد الدولي يختلف تماماً عن الأدوار السابقة. ففي البداية كان الصندوق يشرف على قواعد نظام القيمة الاسمية للعملات بموجب النظام الذي تمخض عنه مؤتمر بريتون وودز، الذي انهار عام 1971. إن فاعلية الرقابة متعددة الأطراف كما تطورت في ستينيات القرن الماضي كانت تتعلق بحضور صندوق النقد الدولي وسيطا ماليا مهما. وهذا الدور هو ما يحتاج إلى إعادة النظر فيه.

ففي الماضي تعززت القدرة على إعطاء مشورة قوية للبلدان ذات الأهمية للنظام المالي، كالمملكة المتحدة، من خلال اعتماد تلك البلدان على موارد صندوق النقد الدولي. إن القوة المالية للصندوق هي التي كانت مصدر تأثيره، وقد تعززت تلك القوة عبر قيامه بالاقتراض - أولاً من مجموعة البلدان العشرة التي وضعت الترتيبات العامة للاقتراض.

وفي السنوات التي أعقبت انهيار معاهدة بريتون وودز، أعاد صندوق النقد الدولي اختراع نفسه أداة لإدارة الفوائض في حينه. وكان الصندوق يقترض من البلدان الجديدة التي لديها فائض في الحساب الجاري، التي أدارت نتيجة لذلك موجوداتها الجديدة بصورة جزئية من خلال وساطة صندوق النقد الدولي. وكان بمقدور الصندوق في ذلك الوقت أن يقدم القروض للبلدان التي تأثرت بسبب ارتفاع أسعار النفط.

إن لاعباً مالياً كبيراً يمكن أن يكون عامل استقرار. وفي الماضي الأبعد كان يتم العمل على استقرار توقعات الأسواق إبان حالات الفزع عبر سلوك المؤسسات الخاصة الكبيرة جداً لمقاومة أثر الدورات الاقتصادية. لقد أشاعت مؤسسة روتشيلد متعددة الجنسيات الاستقرار في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وفي أوقات الفزع الذي حدث في الفترة من عام 1895 إلى 1896، وفي 1907، شاع الهدوء في الاقتصاد الأمريكي بفضل الدور الذي لعبه بنك جيه بي مورجان. وفي زمن الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، لم تكن هناك مؤسسة لها القوة نفسها.

يمكن لصندوق النقد الدولي أن يكون عامل استقرار قوي في الأسواق العالمية إذا ما أوكلت إليه إدارة قسم كبير من الموجودات الاحتياطية للبلدان الجديدة ذات الفوائض. وسيكون في مركز قوي يمكنه من المراهنة ضد المضاربين، وربما يكون ذلك فيما يتعلق بهجمات المضاربة على البلدان وكذلك على المؤسسات المالية.

ستعود إشاعة الاستقرار بالنفع على الاقتصاد العالمي وعلى مصالح أصحاب الموجودات الاحتياطية التي لديها (بسبب ما يتراكم عندها من فوائض) مصلحة مشابهة في الاستقرار الاقتصادي والمالي للعالم. وفي الوقت نفسه، من شأن إدارة الموجودات الاحتياطية من قبل مدير موجودات يخضع للرقابة الدولية أن تزيل الشكوك بشأن استخدام الموجودات لأغراض سياسية استراتيجية.

وكي يؤدي صندوق النقد الدولي هذه المهمة الجديدة، ينبغي له أن يستعيد ثقة الدول الأعضاء فيه. لقد كانت زيادة احتياطيات عديد من البلدان الآسيوية رداً مقصوداً على الأزمة الآسيوية التي وقعت عام 1997، والتي كان فيها قدر كبير من خيبة الأمل في صندوق النقد الدولي. وأحد الشروط المسبقة كي يعمل الصندوق مديراً للموجودات العالمية هو إصلاح إدارته على نحو يمكن البلدان الجديدة ذات الفوائض من ممارسة نفوذ كبير، من خلال صندوق النقد الدولي والشعور بالثقة من أنها لن تتعرض للخداع السياسي.

وبشكل خاص، إذا أراد صندوق النقد الدولي أن يكون في مركز مدير للموجودات يستطيع تحويل الموجودات من سوق إلى أخرى، فينبغي أن يكون في منأى عن تأثير الولايات المتحدة ومحاولتها التحكم فيه، وإلا سينظر إليه على أنه أداة لدعم الدولار، أو لدعم مؤسسة مالية بعينها لأسباب اقتصادية سياسية.

وفي أسلوب معدل لطريقة عمل الصندوق، يمكن أن يتم تخصيص الأصوات، أو "شراؤها"، إلى حد كبير على أساس الموجودات التي تحتفظ بها الدول في الصندوق. ويمكن أن يتم تخصيص 50 في المائة من الأصوات بهذه الطريقة، بينما يتم تخصيص النسبة المتبقية بالطريقة التقليدية. ويوجد في الدستور الأمريكي ما يشبه هذا التحديد للقوة التصويتية، إذ إن لجميع الولايات حصة متساوية في أصوات مجلس الشيوخ، بينما يختلف عدد مقاعدها في مجلس النواب اختلافاً كبيراً.

إن جعل جزء كبير من الأصوات في الصندوق يعكس حجم الاحتياطيات التي تحتفظ بها كل دولة فيه, من شأنه أن يمكن من إجراء تعديلات سريعة استناداً إلى الحقائق الدولية الجديدة. وسيكون صندوق النقد الدولي بهذا الأسلوب أشبه بإحدى المؤسسات العاملة في السوق، يمكن أن تتغير بسرعة وبدون ضجة، مثلها مثل ملكية الشركات المساهمة.

إن نسخة جديدة للصندوق يمكن أن تسهم إسهاماً كبيراً في استقرار توقعات الأسواق. لقد تم تشكيل صندوق النقد الدولي عام 1944 في عالم كان يخلو من التدفقات الرأسمالية الخاصة، وكانت الدول فيه تقوم بجميع التعاملات الدولية. وتوسعة مهمة الصندوق لتشمل القيام ببعض عمليات الإنقاذ للقطاع الخاص ستكون إقراراً بالدور الكبير الذي تلعبه الأسواق في الوقت الراهن. وفي الوقت نفسه، إيجاد هيئة دولية تخضع للأنظمة من شأنه أن يقلل السم السياسي الذي يقترن بعمليات إعادة رسملة البنوك والتدخلات في شؤون العملات.