الاقتصادية - إذا كان الاجتماع الذي عقد الأسبوع الماضي لدعم الأسواق يمثل إشارة إلى نقطة تحول في الأزمة المالية العالمية، فإن العالم سيحيي ذلك المنقذ غير المتوقع. تقدم إلى الإمام يا جوردون براون، يا رئيس وزراء بريطانيا المتجهم.

حتى الوقت الذي ضربت فيه الأزمة ضربتها، كان من المسلم به أن براون شخصية محزنة ومفرحة في آن واحد: رجل كان يسعى بكل ما في وسعه ليكون رئيساً للوزراء، لكنه أثبت أنه غير ملائم للمنصب على نحومخيب للآمال.

لكن خطة الإنقاذ التي قدمها وجدت ترحيباً كبيراً، ليس فقط في بريطانيا، ولكن في أنحاء العالم المختلفة. يوم الجمعة الماضي امتدح بول كروجمان، الحائز للتوعلى جائزة نوبل في الاقتصاد، الحكومة البريطانية على "إظهار نوع من التفكير الواضح الأمر الذي كان شيئاً نادراً في أمريكا". وكتب يقول: "يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا الاكتفاء بالقول: نعم، يا رئيس الوزراء. فالخطة البريطانية ليست مثالية، وإنما (...) تقدم أفضل أنموذج متوافر لمجهود أشمل للإنقاذ".

لذا تم إقرارها. فالقمة الأوروبية الطارئة التي عقدت في باريس نهاية الأسبوع، شهدت تبني الدول الأعضاء الـ 15 في منطقة العملة الموحدة خططا لإنقاذ البنوك بدت مشابهة بدرجة لافتة للنظر للمبادرة البريطانية. المسؤولون البريطانيون، الذين غالباً ما قيل لهم إنهم في ظل أزمة اقتصادية كبيرة كهذه سيتم سحبهم ـ عقب إنشاء منطقة اليوروـ دون حول أوقوة منهم، يستمتعون بلحظة براءتهم.

إن الأزمات تعرِّف الناس من جديد على السياسيين. الحظوظ المتناقضة لكل من براون والرئيس جورج بوش توضح هذه النقطة. في الأوقات العادية كان براون غالباً ما يظهر مترددا، متجهما، وآليا. وفي الأوقات العادية كان بوش يبدو شخصاً مبتهجاً وحاسماً ومنضبطاً. لكن في ظل الأزمة تغير كلا الرجلين، أحدهما إلى الأفضل والآخر إلى الأسوأ. بدت على براون فجأةً دلائل الهدوء والعزيمة والسيطرة على الموقف. ومما يؤسف له أن بوش كان يميل إلى الظهور بمظهر الهلِع، غير القادر على استيعاب ما يجري.

ويبدو أن الأزمة المالية الحالية شرحت صدر براون. فعندما رن جرس الهاتف الجوال أثناء خطاب كان يلقيه في وقت متأخر في الأسبوع الماضي، بدرت من رئيس الوزراء مزحة عفوية نادرة، وهو يتأمل ما إذا كانت تلك أخبار عن انهيار بنك آخر. مثل هذا المزح يبدو قمة سوء الذوق، لكنه على نحو ما كان على ما يرام . فقد أصبح براون يمارس المزاح الذي يجعل من الأمور الخطيرة أمراً مسلياً. وإلى جانب ذلك، كان لدى الحضور إحساس بالثقة بأنه ممسك بزمام الأمور.

كذلك رئاسة بوش يمكن تعريفها من خلال تفاعله مع الأزمات، لكن على نحو سيئ. ففي أعقاب الهجمات الإرهابية مباشرةً على نيويورك وواشنطن اختفى، وإن كان ذلك تم بناءً على نصيحة من جهاز المخابرات. وفي وقت لاحق استعاد رباطة جأشه وقدم خطباً جيدة. لكن أداء بوش كان ينقصه الإلمام بالأوضاع خلال إعصار كاترينا، ما عزز سمعة عدم الكفاءة التي عرفت عنه. "براوني، لقد قمت بعمل رائع" ـ هذه الملاحظة التي وجهها إلى رئيس لجنة الحكومة الاتحادية للإنقاذ من الكارثة سيئ الطالع – بدت كما لو أنها ملاحظة لوصف فترة حكمه.

لكنها الآن لديها منافس على مسافة قريبة منها. فملاحظة الرئيس: "هذا الجشِع يمكن أن يهوي" هي الشيء الوحيد الذي يمكن للمرء أن يتذكر أنه قاله طوال مدة الأزمة المالية. ولسوء الطالع، جعلته يبدو مثل رجل من تكساس على جسر ضخم. قارن وأوجد الفرق مع ما قاله روزفلت: "الشيء الوحيد الذي يتعين علينا أن نخاف منه هو الخوف نفسه".

وفيما كان أداء براون جيداً، وأداء بوش سيئاً، إلا أنهما ليسا السياسيين الوحيدين اللذين لهما دور يلعبانه في الأزمة المالية العالمية. لذا ما الأحكام الأولية على اللاعبين السياسيين الآخرين؟
بير شتاينبروك، وزير المالية الألماني، نال جائزة خاصة هي جائزة المرتبة الأخيرة في السباق، بسبب افتخاره بتحقيق نصر سابق لأوانه. فقد ألمح الشهر الماضي إلى أن "الأزمة نشأت في الولايات المتحدة وهي تضرب الولايات المتحدة بصفة أساسية". كانت تلك مجازفة خطيرة من جانبه. أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، أيضاً لم تنعم بالمجد. فقد ناشدت الدولة الأوروبية اتخاذ إجراء، ثم أعلنت عن إجراءات ألمانية أحادية، ما جعلها تبدو متناقضة مع نفسها – إذا أردنا أن نستخدم تعبيراً مهذباً.

وعلى النقيض من ذلك، كان أداء نيكولا ساركوزي جيداً. فكلمة "الطمأنة" ليست كلمة تنطبق عموماً على الرئيس الفرنسي مفرط النشاط. لكن ساركوزي بدا قوياً ومصمماً. ولأن فرنسا تتولى حالياً رئاسة الاتحاد الأوروبي، فقد كان مسكوناً بالكابوس المعتاد، وهو تنسيق إجراء مشترك. وفي هذا السياق، فإن القمة التي عقدت مساء الأحد في باريس كانت حدثاً مقبولاً وناجحاً إلى حد كبير، مقارنةً بالعديد من القمم التي عقدها الاتحاد الأوروبي للتصدي للأزمات. ومن خلال تفادي المهزلة والظهور بمظهر موحد أمام العالم، أنقذ ساركوزي الاتحاد الأوروبي من المزيد من الحرج.

وفي الولايات المتحدة يبدو واضحاً أن الأزمة لعبت دوراً لصالح باراك أوباما أفضل بكثير مما هو لصالح جون ماكين. ومن المحتمل أن يكون أمراً صحيحاً أن حملة ركزت على الاقتصاد من المرجح دائماً أن تحقق تأييداً للمرشح الديمقراطي على المرشح الجمهوري. لكن المرشحين الاثنين تجاوبا بطريقة مختلفة تحت نيران الأزمة. ولم يقدم أي منهما وجهة نظر تتسم بفهم عميق لمنشأ الأزمة، أو التعامل معها. لكن سلوكهما كان مختلفاً جداً. إن كلمة السر للزعيم عند حدوث أزمة مالية هي الهدوء، والثبات، والتماسك وأوباما نجح في الصفات الثلاث. وعلى النقيض من ذلك، ردود الفعل الأولية التي صدرت عن ماكين كانت عصبية ومتناقضة.

بالطبع، كل هذه الأحكام وقتية إلى حد كبير. فالسياسة غير منصفة: إذا كان أداء السياسي سيئاً في أزمة من الأزمات، فإن ذلك ربما يقضي على مستقبله، لكن الأداء الجيد لا يضمن له النجاح. وفي وقت مبكر من الأزمة كان هانك بولسون، وزير المالية، هو من وجد الإشادة بأنه رجل الساعة. والآن جاء دور براون. وإذا كان هناك المزيد من المفاجآت غير السارة كامنة في النظام المالي العالمي، فربما تجتاحه هو أيضاً الأحداث وتوقع به الهزيمة. براون خاض حرباً جيدة. لكن لا يزال من الممكن أن ينتهي به الأمر في الجانب الخاسر.