الاقتصادية - في رواية بارعة للمؤرخ ديفيد كيندي عن الكساد العظيم في الولايات المتحدة، يعيد سرد مدى انتشار الكارثة عبر النظام المصرفي.

"بينما سعت البنوك المحاصرة إلى الحصول على الأموال من خلال طرح سنداتها، ومحافظها العقارية في السوق... عملت لاحقاً على دفع قيمة الموجودات إلى أدنى معدلاتها على خلاف ذلك في مؤسسات سليمة، معرضةّ النظام المصرفي بأكمله للخطر"، كما كتب. "إن أزمة السيولة هددت بأن تكون إعصاراً رهيباً هادراً يمكن أن يجعل القلب المالي للاقتصاد ممزقاً".

إذا ضاعت تفاصيل الكساد العظيم، فإن الدرس الأساسي المستفاد منه لم يضع؛ وهو أن الخسارة العامة للثقة بالنظام تحضّ، على نحوٍ يتعذّر اجتنابه، على سحب السيولة. وذلك، في المقابل، يجبر البنوك على التخلي عن الموجودات، مؤدّيةً بذلك إلى قيم أقل حتماً، وانتقال العدوى إلى بنوك وموجودات سليمة.

إنه مشهد "حلقة التغذية الراجعة السلبية" ذلك الذي كان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ووزارة المالية، يأملون درءه لما يزيد على عامٍ من الآن. ويبدو أن نظراءهم في أوروبا، في الوقت الراهن، يفكرون ملياً في المقاييس ذاتها، بينما تتحرك حكومات آيرلندا، ألمانيا، اليونان، الدنمارك، والمملكة المتحدة، من أجل ضمان الودائع لمنع سحب السيولة.

ولكن السرعة التي ترنح بها النظام المالي باتجاه كارثة، يبدو أنها أخذت الجميع تقريباً على حين غرّة.

وبإدراك متأخر، ربما لم يكن ينبغي لها أن تفاجئ الجميع، حيث يراوح حجم المديونية لتمويل الموجودات، وهي نسبة الاقتراض إلى الأسهم، في أكبر البنوك الاستثمارية في العالم بين 20 إلى 30 في المائة، وأقرضت البنوك نحو 30 دولاراً لكل دولار على شكل أصول، وحتى أن هبوطاً يبلغ 3 في المائة من قيمة الموجودات يقضي على حملة الأسهم بالكامل. إن العدوى التي تصيب أسواق الائتمان، وفقاً لما يقول الجميع، بدأت بالرهون العقارية، وبخاصة تلك المقدّمة لمقترضين بائتمان ضعيف، أو مرقـّع.

وبحلول أيلول (سبتمبر) من عام 2008، انخفضت أسعار المنازل في بعض أسواق الولايات المتحدة بما يعادل 25 في المائة، بعد أن كانت قد وصلت الذروة. والأسوأ من ذلك، انتقلت العدوى عالمياً، حيث تم رزم الرهون العقارية على شكل سندات مالية، وأدوات اشتقاقية، وبيعت حول العالم بأسره.

ولكن أكّد رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي، بن بيرنانكي، في شهادة أدلى بها أمام مجلس الكونجرس في آذار (مارس) من عام 2007، أن المشكلات كانت محدودة النطاق.

وكان تركيز الفيدرالي الأساسي ينصبّ على العدوى، كما قال، وهي وِقفة لم تتغير إلى أن ضُبطت أسواق الائتمان في المملكة المتحدة في حال سيئة للغاية، حيث كان عليه أن يضخ 62 مليار دولار في غضون يومين خلال شهر آب (أغسطس) الماضي.

وبحلول ذلك الوقت، انتشرت المواجع إلى أوروبا، حيث كان البنك الصناعي الألماني – IKB، يتداعى بسبب استثماراته في السندات المالية المرتبطة بالرهون العقارية لضعاف الملاءة. وفي أيلول (سبتمبر)، تبيّن أن البنك السويسري – UBS، كانت لديه مليارات مكشوفة على ذلك الخطر أيضا.

وفي تلك اللحظة، ترسّخ الخوف، أصبحت البنوك غير راغبة في إقراض بعضها بعضا، وغير مطمئنة، ومترددة في الإقراض لأكثر من ليلة، أو أسبوع واحد. وارتفع الفرق بين معدلات العرض المشترك بين البنوك لثلاثة أشهر – Libor ، والمعدل الذي يمكن عنده إقراض الموارد المالية، لليلة واحدة خلال ثلاثة أشهر. وأخيراً، وفي شهر كانون الأول (ديسمبر)، أعلن بنك إنجلترا، والبنك المركزي الأوروبي، والبنك السويسري الوطني، خططاً لحقن السيولة على مدار فترة ثلاثة أشهر، بهدف تهدئة الأسواق.

وفي الوقت الراهن، كانت الأسواق في الولايات المتحدة، عرضةَ لشائعات يمكن أن تصيب القلب بسكتة بشأن إمكانيات الإفلاس. أما في شهر كانون الثاني (يناير)، فعمل الاحتياطي الفيدرالي فجأةً على تقليص معدلات فوائد الأموال الفيدرالية بنحو 75 نقطة أساسية، وأتبعها بتقليص بلغ 50 نقطة أساسية عقب أيام قليلة لاحقة.

ولكن ذلك لم يعمل على وقف التدهور. فبينما كانت البنوك تسعى إلى إيجاد مشترين للأصول المتعثرة، تراجعت القيم أكثر فأكثر. والبنوك التي كان عليها أن تعكس القيمة السوقية لأملاكها، كان عليها أن تتخذ تعديلات على قيمة الموجودات هبوطاً.

وكان لابد من بيع البنك الاستثماري، بير شتيرنز إلى جي بي مورجان، في شهر آذار (مارس)، في محاولة إنقاذ شملت ضمانات فيدرالية ضد الخسائر. وبالنسبة للعديدين، فإن القضية الأساسية كانت هي عدم القدرة على وضع حد لأسعار المنازل المنهارة، بينما انتشرت الديون المستحقة التي لم تُدفع، أو تم التخلف عن سدادها.

وفي آذار (مارس)، قال الخبيران الاقتصاديان، نانسي فاندان هوتن، وورد مكارثي، من مركز أبحاث ستون آند مكارثي الواقع في برينستون، نيوجيرسي: "إن هبوط أسعار المنازل يُحدث دورة عنيفة، وهي بدورها تولّد رهوناً عقارية مستحقة لم تُدفع، والدعاوى لاستعادة الممتلكات من قبل الممولين بسبب التقصير في السداد، الأمر الذي يضيف المزيد من الضغط النزولي على أسعار المنازل، مؤدياً إلى المزيد من دعاوى استعادة الممتلكات، وهلمّ جر. إن العمل على إنهاء هذه الدورة الشرسة أمر بالغ الأهمية في منع تحوّل الكساد الاقتصادي، الذي نعتقد أنه أصبح على الطريق فعلياً، إلى شيء أشد قسوة".

ومع أواخر فصل الربيع، بدا الخوف في تراجع. ففي المملكة المتحدة، كشف بنك إنجلترا برنامج السيولة الخاص، سامحاً للبنوك بمقايضة سندات الرهون العقارية مقابل أموال حكومية، ورفع حجم عرض النقد. أما في اجتماع وزراء مالية مجموعة الثماني في شهر حزيران (يونيو)، قال وزير مالية إيطاليا، ماريو دراجي، إن أسوأ ما في الأمر قد انتهى.

ولكن مع دخول فصل الصيف، باتت الهشاشة الحقيقة للاقتصاد واضحة، حيث حذّر باول توكر، مدير دائرة الأسواق في بنك إنجلترا، من أن سباق البنوك لإعادة الرسملة قبل أن يطلق الاقتصاد الضعيف شرارة عدم القدرة على سداد قروض الشركات، والزبائن خارج قطاع المنازل، قد بدأ، وذلك في شهادة أدلى بها توكر في شهر أيلول (سبتمبر) أمام لجنة مختارة من وزارة المالية، حيث لخّص المسألة برمتها.

"نحن نواجه سباقاً يدخل فيه كذلك التساؤل فيما إذا كانت عملية التخلص من الديون يمكن أن تكون متقدمة بما يكفي لكي تستقر الظروف المالية أمام تراجع اقتصادي كلي. وهنا، وكذلك وفي الخارج تزداد حالات التخلف عن سداد الديون، وبالتالي تضيف بعداً جديداً إلى التحديات في قطاع المصرفية، وكذلك في توفير الائتمان في الاقتصاد الفعلي".