الاقتصادية - هل أنت مرتاح في جلستك؟ في مكان بعيد، بعيد جداً عن الفوضى المؤلمة التي تغمر دول الغرب الشريرة، هنالك أرض مرتفعة ومنبسطة بفائض تجاري وفير، بالقرب من أحواض احتياطي البنك المركزي التي لا قيعان لها، وهي بنوك برسملة جيدة، وتجنب سليم لمضاربة "لعبة المال".

تجنبت بلدان آسيا تلك الأمور، يا أطفالي الأعزاء، من أرباح سهلة وعد بها بائعو التجزئة للمشتقات المالية المسممة، والتزامات الديون المعززة بضمانات خيالية. واقتصدت بنوكها كذلك في العيش الكريم من خلال نشاط عملي حساس في إقراض المال، ومن خلال ممارسي تلك المهنة الذين يستخدمون أساليب قديمة الطراز في القيام بالأشياء. ولهذا السبب، تجنبت آسيا شبه الانهيار الذي أغدق كازينوهات وول ستريت، ولندن. ولهذا السبب، أيضاً، سوف تصبح آسيا الآن المحرك الوحيد للنمو العالمي.

وهنا، ولسوء الحظ، تنتهي هذه الأسطورة المميزة، حيث تلاشت كل الخيالات التي تشير إلى قدرة آسيا على عزل نفسها عن العاصفة التي تجتاح باقي العالم. وهنا خلاصة سريعة للشكل الذي اتخذه نصف الكوكب الاضطرابات، و"غير المتأثر"، خلال الأيام القليلة التي سبقت حملة الإنقاذ الكبرى، نظراً إلى أنه لم يمضِ أمد بعيد على إنقاذ اليابان لنظامها المصرفي.

خذ اليابان نفسها على سبيل المثال، وهي دولة كانت مؤسساتها المالية في حين من الزمن محفوفة بالمخاطر، حيث لديها الآن حاجات تمويلية منخفضة، وقاعدة رأسمالية رصينة، وتعامل محدود مع قروض الرهون العقارية لضعاف الملاءة. وعلى الرغم من ذلك، فإن لا شيء من ذلك منع سوق الأسهم من فقدان ربع قيمها ضمن خمس جلسات مثيرة، ولا منع أي شركة تأمين من أن تصبح أول حجر دومينو يسقط.

وكانت الأمور مقيتة، إن لم تكن أكثر مقتاً في بعض أجزاء آسيا الأخرى. ففي الهند المفعمة بالضياء، حيث كانت الروبية، وسوق الأسهم تطاردان بعضهما بعضا انحداراً، بدأت الحكومة تحقيقاً جنائياً بعد أن أثارت شائعات ازدحام صفوف المودعين أمام بنك آي سي أي سي آي – ICICI، وهو أكبر بنك خاص، لسحب ودائعهم. أما في كوريا الجنوبية، فأطلق الرئيس لي ميونج باك – Lee Myung-bak، حملة خاصة لإنقاذ اقتصاد يظهر عليه العديد من الأعراض المماثلة التي أصابتها عام 1997؛ انهيار في سعر العملة، ومديونية خارجية مرتفعة، وعجز في الحساب الجاري، حينها تم إنقاذ كوريا من قبل صندوق النقد الدولي. وفي خطاب إذاعي، حثّ الرئيس المواطنين القوميين على ترشيد استخدام الطاقة، وشراء السلع كورية الصنع، والتوقف عن اكتناز الدولارات.

وحتى الصين، وهي القوة المؤثرة في آسيا، ظهرت عليها بعض مؤشرات التوتر، حيث تباطأت مبيعات السيارات، واستعدت شركات تصنيع الحديد لتخفيض إنتاجها انخفاضاً كبيراً، واتجهت أسعار السلع نحو أكبر انخفاض ربعي لها منذ 50 عاماً، مع التوقع بأن نمو الصين المميز بما يعادل 12 في المائة يمكن أن ينزلق إلى 8 في المائة.

وردّت البنوك المركزية في أرجاء المنطقة بأكملها بإجراءات تضاهي تخفيفا نقديا منسّقا للسياسات المالية، حيث عملت كوريا الجنوبية، وهونج كونج، وتايوان على تخفيض معدلات الفائدة الأساسية في اليوم نفسه، بعد تخفيضات سبقت من قبل أستراليا والصين. وأعلنت العديد من الحكومات برامج محفّزة طارئة مُعدّة لتجنّب الكساد.

وعلى الرغم من المزايا المالية في آسيا، انتشرت المشكلات عبر قناتين. إحداهما الخوف. فحين ترسّخ الذعر الأسبوع الماضي، بدأ المستثمرون في البيع، وعلى نحوٍ عشوائي، منسحبين من الموجودات الخطرة، ومتجهين نحو ملاذ آمن، وبالأخص سندات الخزانة الأمريكية. والآن، أعاد التأميم الجزئي للنظام المصرفي بعض الهدوء، حيث من الممكن أن تشهد آسيا استعادة القليل من الثقة.

وأما آلية النقل الأخرى، وهي التداول التجاري، لن يكون من السهل إصلاحها. وإن الطلب الأمريكي والأوروبي يسجلان تراجعاً بالفعل، ومن المتوقع أن يتضاءلا أكثر فأكثر بينما يبتعد المستهلكون عن استخدام بطاقاتهم الائتمانية، ويسيطر الكساد على الوضع.

وتحدّت الصين بصورة مؤقتة تراجع الطلب الدولي، بدفع فائضها التجاري في شهر أيلول (سبتمبر) إلى معدل قياسي بلغ 29 مليار دولار (أي 17 مليار جنيه استرليني – أو 21 مليار يورو)، على الرغم من أن الدول المصدرة الكبرى الأخرى، مثل كوريا الجنوبية، واليابان، استسلمت للتقتير الإنفاقي الحاصل في الغرب فعلياً.

ومع هبوط أسعار السلع، لن تكون دول مثل روسيا، وبلدان الخليج، والبرازيل، قادرة على تحمّل الركود. ولا يُعد معدل آسيا القياسي في تحفيز الطلب المحلي مشجعاً. ومن الصعب رؤية آسيا تفلت من ضرب السوط بينما الاقتصادات الأخرى حول العالم ترتطم بالجدار.

وعلى الرغم من ذلك، فإن حكاية آسيا الأسطورية ليست دون مقدار ولو ضئيل من الحقيقة. فإذا تحوّل مدّ الأزمة المالية بالفعل، فحين يتراجع منسوب المياه، سيكشف عن طبيعة عالمية تبدو في آسيا، برغم إصابتها بالأضرار، أكثر ثباتاً من الغرب.

كان بنك التنمية الآسيوي يتنبأ، حتى بينما كانت الأسواق في حالة من الانهيار، بأن آسيا النامية ستنمو بمعدل قدره 7,5 في المائة هذا العام، الأمر الذي اعتبره تباطؤاً مرحباً به مقارنة بالنمو الساخن العام الماضي بما يعادل 9 في المائة. ومن الممكن أن يتضح أن ذلك بصيص من الأمل، إلا أن النمو سوف يفوق نمو الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى حدٍ ما، مسرّعاً في عملية إعادة موازنة الثروة العالمية التي تم الشروع بها منذ عقدين من الزمن.

هنالك شيء من السخرية في الأحداث السابقة، حيث إن الحكومات الآسيوية التي بدت في العادة متشككة من بعض الإفراط الملحوظ للرأسمالية غير المقيّدة، تترأس الآن اقتصادات تُعتبر وفقاً لبعض المقاييس على الأقل، أسواقاً حرة أكثر من غيرها الموجودة في الغرب. وكان من المُلاحظ، على سبيل المثال، أن الصين الشيوعية اسمياً رفعت الحظر المفروض على البيع على المكشوف، في حين كان المشرعون الداعون إلى تخفيف التشريعات في لندن ونيويورك يفرضون قيودا مؤقتة عليه.

وبطريقة مماثلة، كانت البنوك اليابانية، واحدة من مجموعة البنوك التي استحوذت على مقدار وافر من "ليمان براذرز"، وجزء آخر كبير من "مورجان ستانلي"، هي كذلك في وضع حرج. كونها سددت أخيرا الأموال الرسمية التي تم حقنها بها، وهي الآن في قبضة مالكين من القطاع الخاص بالكامل تقريباً. وأن اليابان، وهي التي تُدعى أحياناً بالدولة الاشتراكية الوحيدة المتبقية عملياً، من الممكن أن يتبيّن أنها الحصن الرأسمالي الأخير.