الاقتصادية - كانت العولمة الموضوع الاقتصادي والسياسي الرئيسي الذي استحوذ على الاهتمام في العقود الثلاثة الماضية. فقد ادخلت المدد العمالي الآسيوي في الاقتصاد العالمي، وغيّرت عمليات الشركات والأسواق المالية. لكن هل ستنجو من الأزمة المالية؟

إحدى السوابق - ونعني بها الكساد العظيم الذي وقع في ثلاثينيات القرن الماضي - مزعجة بما يكفي حتى لإبداء وجهة نظر متفائلة.

لقد ألحقت الحرب العالمية الأولى ضرراً بنظام العولمة الذي كان سائداً في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لكنها لم تدمره. واستعاد الاقتصاد العالمي حيويته ونشاطه في عشرينيات القرن الماضي. وبعدئذ جاء انهيار سوق الأسهم الأمريكية عام 1929 والانهيار المالي عام 1930. وخلال فترة الكساد العظيم اختار العالم حكم الفرد المطلق. وفي أواخر ثلاثينيات القرن الماضي أصبح الاقتصاد العالمي الذي تكامل على مدى نصف قرن، شيئاً من الماضي. فهل يثبت الاقتصاد العالمي الحالي أنه أشد قوة؟

الخبر الجيد أن الاقتصاد العالمي نجا من الإرهاب والحروب ومن سلسلة من الأزمات المالية المدمرة. وكما بين كل من كارمن راينهارت من جامعة ماري لاند، وكينيث روجوف من جامعة هارفارد في ورقة حول التطور في المستقبل*، كان عهد العولمة عهداً للأزمات المصرفية.

وبينما حدثت غالبية هذه الأزمات في الاقتصادات الناشئة، إلا أنها تسببت في تراجع اقتصاد اليابان والدول الاسكندنافية في أوائل تسعينيات القرن الماضي. وفي حالة اليابان، أثرت الأزمة المالية سلباً على الاقتصاد لأكثر من عقد من الزمن.

وسيلاحظ القراء المتنبهون أن حدوث الأزمات، إذا قيس بنسبة البلدان التي تتأثر بها، وصل أوجه في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ومن ثم انهار. وبدا أن ذلك أمر مشجع. وربما أمل بعضهم في أن يكون عهد الأزمات شارف على نهايته، لأن الناس تعلموا كيف ينبغي أن تعمل النظم المالية.

أما الخبر السيئ، فهو أن وجهة النظر هذه تبدو الآن ساذجة. ذلك أن الأزمة المالية الراهنة تؤثر على الولايات المتحدة وأوروبا اللتين تشكلان أكثر من نصف الناتج العالمي (مقاساً بأسعار تحويل العملات السائدة في السوق). وإذا أصدرنا حكمنا بناء على الجزء المتأثر بالأزمة من الاقتصاد العالمي، تكون هذه الأزمة أكبر أزمة مالية تحدث منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وتؤثر هذه الأزمة أيضاً على أكثر الاقتصادات والأنظمة المالية العالمية تقدماً. إنها ليست أزمة عالم متخلف، لكنها أزمة عالم متقدم ومحنك.

إذن، ما الذي يمكن أن تفعله هذه الأزمة بالعولمة التي تعتمد على استمرار السياسات الاقتصادية المتحررة كثيراً عبر العالم.

وبينما لعبت التكنولوجيا - وبخاصة تقليل تكلفة المعلومات والاتصالات – دوراً كبيراً، فإنها لا تدفع العولمة بمفردها. ومن الأشياء التي اتسمت بالأهمية على هذا الصعيد، القرارات التي اتخذت في سبيل الانتقال إلى الأنظمة المالية المفتوحة وقبول الاستثمار المباشر الداخل إلى البلد وتحرير التجارة.

ويبدو أن التجارة هي محرك العولمة. ففي كل دورة عملية ناجحة كانت التجارة تنمو بخطى أسرع من الناتج العالمي. ففي الفترة ما بين عامي 2001 و2006، مثلا، نمت الصادرات العالمية من السلع المصنعة بمعدل كان يمثل اتجاهاً سائداً قدره 7.7 في المائة سنوياً، وذلك بالأسعار الحقيقية، في حين نما ناتج السلع المصنعة بمعدل 4 في المائة. ومع تزايد وتيرة نمو التجارة يبدو أنه جرّ الاقتصاد العالمي معه كي ينمو بمعدل أسرع كذلك.

إن الأزمة المالية الراهنة تهدد العولمة بثلاث طرائق.

أولاً، ستقلل الاستعداد لتحرير أسواق المال. فإذا لم تستطع الولايات المتحدة وأوروبا أن تتدبرا شؤون الأسواق المالية المحررة، فهل تستطيع الاقتصادات الناشئة أن تفعل ذلك؟

ثانياً، ستقوض صدقية الرأسمالية التي تقوم على مبدأ حرية السوق. ولن يقتصر تأثير هذا على التمويل، بل من الممكن جداً أن يمتد أثره إلى التجارة والاستثمار المباشر أيضاً. وكلما زاد تدخل الحكومات في البلدان ذات الدخل العالي، زاد عدم استعداد بقية العالم لسماع محاضراتها حول ميزات الأسواق الحرة.

وأخيراً، ستتسبب في تردي أداء الاقتصاد العالمي. فإذا حدث، كما يبدو ممكناً الآن، أن دخلت الولايات المتحدة وأوروبا في ركود اقتصادي، ينبغي أن نتوقع حدوث نزعة اقتصادية وطنية، وهذا مدعاة للخوف.

إن فشل جولة محادثات الدوحة متعددة الأطراف حول التجارة العالمية يزيد من هذا الخطر. فقد شهد العقد الحالي نمواً ديناميكياً استثنائياً في اقتصادات البلدان الناشئة، مدفوعاً بالهند والصين. وبينما ينبغي أن تستمر هذه البلدان في النمو بسرعة حتى في الأوقات الصعبة، فإن من المرجح أن تتباطأ خطاها.

ولذلك يحتمل أن يكون هذا نقطة تحول ليس بالنسبة إلى القطاع المالي فحسب، بل للعولمة المالية وحتى للعولمة ككل. إن الكثير يعتمد على مدى سرعة وفاعلية التعامل مع هذه الأزمة، ويعتمد الكثير أيضاً على طول مدة الركود المقترن بها.

ويعتمد الكثير، وهذا ليس أقل أهمية، على مدى ابتعاد العالم عن تحرير التجارة.
وإذا ما كنا محظوظين، فإن تجاوزات القطاع المالي لن تلطخ اقتصاد السوق بشكل كبير. لكن في هذه اللحظة والأزمة في أوجها، فإن ذلك ليس أكثر من أمل. والأمر متروك لصانعي السياسات ليتأكدوا من تحول هذا الأمل إلى حقيقة.

هناك دروس يجب تعلمها فعلاً، لكن الاكتفاء الذاتي ليس واحداً من هذه الدروس، لأن من شأن ذلك أن يضيف كارثة اقتصادية إلى الكارثة المالية.