في الأشهر القليلة الماضية كان المستثمرون يطالعون بعصبية شديدة، بحثاً عن ضوء في نهاية نفق عذاب المصرفية. لكن مرة تلو أخرى، تبيّن أن بصيص الأمل ليس إلا سرابا.
ففي آذار (مارس) الماضي، مثلا، اعتقد العديد من المراقبين، بمن فيهم أنا، أن انفجار بير شتيرن يمكن أن يُشار إليه على أنه اللحظة الأسوأ في التوتر المالي. ومن ثم، حين انهار بنك ليمان براذرز في منتصف أيلول (سبتمبر)، اعتقد بعض المستثمرين أن ذلك منخفض آخر.

لكن الآن نعلم أننا بالكاد كنا في مستهل دراما استثنائية عملت على زلزلة النظام المالي خلال الأيام الأخيرة. ولا تنس القول ـ واسع الانتشار ـ أننا نشهد أسوأ أزمة منذ الثلاثينيات.

ويعتقد بعض صانعي السياسة الأكثر تشاؤماً، وحماقة، من الذين تجمعوا في واشنطن نهاية الأسبوع الماضي، أننا بحاجة إلى العودة إلى أبعد من ذلك، إلى عام 1914 مثلا، للبحث عن أوجه الشبه، حين فجرت بداية الحرب ذعرا مصرفيا.

وعلى الرغم من ذلك، وبينما يمكن أن تبدو أوجه الشبه تلك مروعة الآن، فهي كذلك تحتوي ـ بصورة معاكسة ـ بذور الأمل الحقيقي. وبينما لم يؤول اجتماع واشنطن نهاية الأسبوع الماضي إلى ما كان بعض المستثمرين يتوقون لرؤيته، وبالأخص ضماناً شاملاً لكل عمليات الإقراض ما بين البنوك، إلا أنه قدّم شيئاً آخر: نهاية لإنكار السياسة الرسمية. والأكثر لفتا للانتباه أن هناك إجماعاً واضحاً الآن بين قادة السياسة الغربية على أنهم غير قادرين على مواصلة التظاهر بأن الدراما المصرفية الحالية لا تتعلق سوى بالسيولة فقط.

وبدلاً من ذلك، ما يقبله وزراء المالية الآن هو أن القلق بشأن السيولة يعكس مشكلة ملاءة حقيقية ومخاوف تتعلق برأس المال. والأهم من ذلك أنهم يدركون الآن، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الطريقة الوحيدة لمعالجة ذلك هي استخدام نقود دافعي الضرائب لإعادة رسملة البنوك على مستوى النظام برمته، بدلاً من المطالبة بضرورة عمل البنوك المركزية على حل المشكلة بحيل سيولة مبتكرة أكثر من أي وقت مضى.

بالطبع، من المخجل حقاً أن يستغرق الزعماء السياسيون العالميون الكثير من الوقت للتوصل إلى هذه النقطة. فقبل كل شيء، الدروس المستفادة من التاريخ أشارت منذ أمدٍ بعيد إلى هذا الاتجاه، وحذّر صندوق النقد الدولي على مدار أشهر من أن إعادة الرسملة على مستوى النظام برمته ستكون ضرورية.

وعلى أية حال، كتب التاريخ تُظهر كذلك أن مثل هذا الإنكار والتأخير ليسا بالأمر غير المألوف. ففي كل نوبة من نوبات التدهور المصرفي تقريباً، وهي تشمل السويد واليابان، قاوم السياسيون استخدام نقود دافعي الضرائب إلى أن تصل الأزمة إلى أقصى مراحلها. وفي أزمة عام 2008، على الأقل ولّد انهيار ليمان براذرز ظروفاً مسبقةً ليتصرف الساسة.
إن ذلك لا يعني بالطبع أننا قادرون على تهيئة المشهد الأخير لائتمانات هذه الدراما المالية في أي وقت قريب. وعمليات إنقاذ البنوك التي يُعلن عنها اليوم لن تؤدي إلى منع التباطؤ الاقتصادي، ولا إلى تفادي المزيد من مشكلات الديون. ولذلك، على الأرجح أن تبقى أسواق الأسهم شديدة العصبية لفترة من الوقت، بينما تواصل الدول والشركات المثقلة بعب الديون التلوّي من شدة الألم.

لكن إذا أراد المستثمرون إيجاد أسباب ليشعروا بالبهجة الآن عليهم أن يلقوا نظرة على ما حدث للتو لتكلفة تأمين ديون البنوك ضد العجز عن السداد، مع مقايضات التخلف عن السداد الائتماني.

حين انهار ليمان في أيلول (سبتمبر) تصاعدت فروق أسعار الفائدة على مقايضات التخلف عن السداد، لكن منذ أن أصبحت المملكة المتحدة أول دولة تتجرأ وتعلن عن إنقاذ شامل للبنوك الأسبوع الماضي، انهارت فروق أسعار الفائدة على مقايضات التخلف عن السداد للبنوك الكبيرة، خصوصا في المملكة المتحدة. ولم تتم ترجمة ذلك إلى هبوط دراماتيكي في تكاليف الإقراض ما بين البنوك إلى الآن.

وعلى أية حال أشك أن هذه مجرد مسألة وقت، وإن لم يكن شيئا آخر، فإن أنماط مقايضات التخلف عن السداد الائتماني توحي بأن الظروف في تحسّن.

ربما لا يزال الضوء في نهاية النفق بعيد جداً، وخافتاً، لكن هذه المرة اعتقد أنه حقيقي.