الاقتصادية - جون مينارد كينز هو القائل "الصعوبة ليست في تطوير أفكار جديدة بقدر ما هي في التخلص من الأفكار القديمة". واجهت الاقتصادات في الأشهر الأخيرة تحديات غير مسبوقة. وتحتاج هذه التحديات إلى حلول استثنائية.

إن اجتماع أسوأ أزمة مالية نشهدها منذ أجيال والارتفاع الشديد في أسعار السلع ألحق الضرر بجميع البلدان، وكان ذلك نتاج التغيرات الجوهرية التي طرأت على الاقتصاد العالمي. وتظهر هاتان الصدمتان أن هناك حاجة إلى اتباع أساليب جديدة وشاملة من أجل المحافظة على الاستقرار في الاقتصادات وفي أسواق المال على حد سواء. وبما أن أية حكومة لا تستطيع بمفردها أن تتغلب على الإرهاب العالمي، أو تعالج مشكلة التغير المناخي، فلا تستطيع أية حكومة بمفردها أن تتخذ وسائل الحماية المناسبة لتأمين فوائد التكامل الاقتصادي.

وينبغي أن نضع نصب أعيننا هدفين. يجب أن تعطى الأولوية المباشرة للاستقرار. لقد فوجئ جميع المتوقعين، بما فيهم صندوق النقد الدولي، بعمق أثر هذه الصدمة. وفوق ذلك، أصبح من الواضح أن النظام المالي العالمي لن يظل على شكله الحالي أبداً، ولذلك يترتب علينا أن نبحث في كيفية تعزيز هذا النظام للمستقبل.

يتمثل التحدي الأول في ضمان أن يتخذ كل منا الإجراءات المناسبة لمنع حدوث انهيار مالي وتقليل أثر الانكماش العالمي في الاقتصاد العالمي. ويتطلب هذا الأمر اتباع نهج، أو أسلوب شامل يعيد الثقة بالنظام، ويضع البنوك على أسس أقوى ويدعم الاقتصاد الحقيقي في الأجلين القصير والمتوسط. ولا تستطيع الأسواق أن تقوم بذلك وحدها. لذا على الحكومات أن تتخذ الإجراءات اللازمة لتعزيز الاستقرار في النظام المصرفي والمحافظة عليه. وهذا هو السبب الذي حدا بي إلى الإعلان عن اتخاذ تدابير محددة واسعة هذا الأسبوع لتقوية الوضع المالي وتعزيز السيولة على ثلاثة أصعدة.

الأول، أننا تحركنا بالاشتراك مع بنك إنجلترا لتوفير سيولة كافية في المدى القصير. والثاني أنني وفرت أموالاً جديدة للبنوك البريطانية ولشركات البناء كي تقف على أسس راسخة. والصعيد الثالث هو أنه من أجل ضمان استعداد البنوك للبدء في إقراض بعضها بعضا، ومرة أخرى بثقة، عرضتُ أن تقوم الحكومة بضمان الدين الجديد لفترة مؤقتة.

إن الصبغة العالمية لهذه المشكلات تعني أن من المهم أن تتبنى جميع البلدان نهجاً شاملاً، مع الاعتراف بأن الظروف الوطنية المختلفة تتطلب حلولاً محددة مختلفة. ففي الولايات المتحدة، فإن برنامج هانك بولسون لإنقاذ الموجودات المتعثرة يحظى بترحيبي. وفي الاجتماع الذي عقده وزراء مالية الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع، اتفقنا على أن نعمل معاً لإعادة بناء الثقة في النظام المصرفي.

وقد اشتمل ذلك على الحاجة إلى تطبيق المرونة في قرارات المساعدة التي تتخذها دول الاتحاد، وتطبيق حزمة الاستقرار والنمو في الاتحاد الأوروبي على نحو يعكس الظروف الاستثنائية التي نمر بها. لكن ستكون هناك حاجة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات. وسأبحث مع وزراء المالية الآخرين كيف نستطيع البناء على هذه الأساليب.

وسنواصل عملنا لتعزيز الإشراف الدولي الذي يقوم على تحسين التعاون بين الجهات الإشرافية الوطنية. وفي نيسان (أبريل) الماضي، اتفق وزراء المالية على تعزيز القوانين والضوابط، وأحرزنا تقدماً جيداً في هذه المسائل بما فيها الإفصاح. لكن الاضطراب الذي عم الأسواق أكد على الحاجة إلى مزيد من الإجراءات السريعة، بما في ذلك على صعيد مراجعة المتطلبات الرأسمالية، وهيكليات تعويض المسؤولين التنفيذيين التي تشجع على الإقدام على المخاطر، والدورات الاقتصادية في النظام المالي وتحسين التعاون العابر للحدود.

قامت الوفود المشاركة في بريتون وودز عام 1944 بتأسيس صندوق النقد الدولي لتعزيز استقرار النظام النقدي. لكن من الواضح أن المؤسسات التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية لم تساير الركب. ففي العقد الماضي، ظهرت حالات ضعف واختلال في النظام المالي العالمي في ظل تزايد تكامل الأسواق والتدفقات المالية الهائلة، وانخفاض معدل التضخم وأسعار الفائدة. وشجع هذا المؤسسات المالية على السعي لتحقيق عوائد أعلى وتطوير منتجات متزايدة التعقيد.

إننا بحاجة إلى تحويل تركيز صندوق النقد الدولي إلى مراقبة الروابط بين القطاع المالي والاقتصاد الحقيقي. وبفضل هذا النهج سيقوم الصندوق بتحديد المخاطر مقدماً والتعاون مع منتدى الاستقرار المالي لوضع ردود السياسات والقوانين وتعزيز الروابط بين الوزراء في مجموعة الدول الصناعية السبع، وفوق ذلك ضمان وجود متابعة فاعلة. إن الاقتصاد العالمي آخذ في التغير. ولذلك التمسك بحلول الماضي ليس خياراً. إنه بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى أفكار جديدة.