الاقتصادية - ستحاول مجموعة البلدان الصناعية السبعة فرض إطار دولي منسق على الإجراءات الطارئة غير المنسقة التي اتخذت في الأسابيع القليلة الماضية، سعياً منها لاحتواء الأزمة الائتمانية المتصاعدة. وكان هدف الاجتماع الذي عقدته البارحة الأولى في واشنطن هو تعظيم أثر الإجراءات التي اتخذتها البلدان المنفردة إلى أكبر حد ممكن، والتقليل ما أمكن من نطاق الآثار الجانبية الضارة، على سبيل المثال محاولة تقليص الخطر من أن الضمان الشامل للودائع في بلد معين يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار البنوك في بلدان أخرى.

وبالنسبة لهذا الأمر بالذات هناك قدر كبير من الاتفاق بين مجموعة البلدان السبعة، على الأقل كما جاء في تصريحات صانعي السياسة. هانك بولسون، وزير المالية الأمريكي، أصر في كلمة له هذا الأسبوع على حق كل بلد على حدة في اتخاذ إجراءات أحادية الجانب. ولكنه أضاف: "يجب علينا كذلك أن نتوخى الحذر على نحو يضمن أن ما نتخذه من إجراءات يتم تنسيقها وتوصيلها بصورة قوية، بحيث إن الإجراءات التي تتخذ في بلد معين لا تأتي على حساب البلدان الأخرى أو على حساب استقرار النظام ككل".

ومن المعلوم أن وزراء مالية الاتحاد الأوروبي، البالغ عددهم 27 وزيراً، وقعوا مجموعة مماثلة من الشروط، على نحو يسمح لكل بلد باتخاذ إجراءات فردية، وفي الوقت نفسه وافقوا على عدم السماح لسياساتهم بالتأثير في البلدان الأخرى. هذه المشاعر هي بطبيعة الحال أمر مفهوم في ظل الظروف الحاضرة، على اعتبار أن الأنظمة المالية في بلدان المجموعة تختلف اختلافاً جذرياً فيما بينها. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، يوجد فيها قطاع مالي كبير خارج قطاع البنوك، على خلاف البلدان الأوروبية.

وأشار بيان مجموعة البلدان السبعة بصورة محددة إلى الإجراءات المتخذة بخصوص السيولة ورأس المال واستقرار السوق وضمان الودائع، وكذلك منهج بلدان المجموعة طويل الأجل نحو التشريعات والأجهزة الرقابية. لكن أفعال بلدان المجموعة لم تتمتع بهذا القدر من الانسجام والتنسيق. فقد تصرفت البلدان حين أرغمتها الأزمة المحلية بداخلها على اتخاذ إجراءات، على نحو لا يظهر اكتراثاً يذكر بمصالح البلدان الأخرى.

ويقول ستيفن كينج، كبير الاقتصاديين لدى بنك إتش إس بي سي HSBC: "الإجراءات المنفردة والجزئية التي اتخذتها الحكومات المختلفة عملت على تقويض صدقية الأفعال الأخرى". وقال إنه إذا أصر بلد معين على أن إجراءاته هي أفضل إجراءات في هذا المقام، كما تقول معظم بلدان المجموعة لجمهورها المحلي، فإن من شأن هذا إلقاء الشك فوراَ على ما يفعله الآخرون.

خلال الأسابيع القليلة الماضية كان هناك قدر كبير من التقارب في السياسة، في الوقت الذي توصلت فيه الحكومات إلى المجموعة نفسها من أدوات السياسة لتعزيز وضع أنظمتها المالية وتقليص خطر الكساد الاقتصادي الحاد. من هذه الإجراءات تعزيز الضمانات المقدمة إلى أصحاب الودائع (وفي كثير من الأحيان تقديم ضمانات شاملة ضمنية)، وتخفيض أسعار الفائدة، إضافة إلى عمليات تأمين السيولة للبنوك على نطاق واسع وسريع.

ولكن الولايات المتحدة وبريطانيا تتميزان عن غيرهما من البلدان في هذا المقام. فالولايات المتحدة تطبق برنامجاً لشراء الموجودات السامة بقيمة 700 مليار دولار (513 مليار يورو، 407 مليارات جنيه استرليني)، وهو صندوق للمنفعة العامة تستطيع جميع البنوك عالمياً الاستفادة منه، وبالتالي فليست هناك حاجة أمام البلدان الأخرى لاتخاذ إجراء مماثل. فضلاً عن ذلك، فقد خفضت الولايات المتحدة أسعار الفائدة على نحو أكثر مما فعلت أي بلدان أخرى في مجموعة البلدان السبعة، وغامرت بالدخول في تقديم القروض غير المؤَمَّنة من خلال برنامجها لشراء الأوراق التجارية.

من جانب آخر، ففي الوقت الذي انهارت فيه أسهم البنوك البريطانية، كشفت لندن النقاب عن خطة إنقاذ شاملة، تشتمل على جهود تتصدرها الحكومة ترمي إلى إعادة الرسملة للبنوك، وتقديم المساندة المعزَّزة للسيولة طويلة الأجل فوق المعتاد، وضمانة حكومية لجميع القروض متوسطة الأجل التي تقترضها البنوك. والشرط الذي وضعته الحكومة لتقديم المساعدة هو أن تبدأ البنوك من جديد في تقديم وصرف القروض للأسر والشركات. القضية الأولى بالنسبة لكل بلد هي إنهاء أزمة الثقة في البنوك.
هناك خياران أساسيان متاحان للحكومات. يقول أحد كبار صانعي السياسة السابقين في الولايات المتحدة إن السؤال الذي يدور الآن في أذهان الجميع هو حول ما إذا كانت جميع البلدان متجهة الآن لاتباع الأنموذج الأيرلندي، الذي تبنى ضمانة شاملة صريحة لجميع مطلوبات البنوك. ومعنى هذا بالنتيجة أنه يُحَوِّل ديون البنوك إلى ديون على الحكومة. من هذا الباب فإن المخطط البريطاني يقطع شوطاً بعيداً تماماً على خطى المسار الأيرلندي. والخيار الثاني هو تجاوز البنوك تماماً وأن تبدأ الحكومة بتقديم القروض للقطاع غير المالي.

ويعد البرنامج الأمريكي لتقديم القروض بضمانة الأوراق التجارية نصف خطوة على الطرق المذكور. يخدم هذا الجدال في توضيح وإبراز مدى الصعوبة التي ستواجه إنجاز أية خطة منفردة لحل الأزمة، وذلك بالنظر إلى الاختلافات في حجم القطاع المالي وتركيزه السوقي وبنيته ضمن كل بلد من مجموعة البلدان الصناعية السبعة.