الاقتصادية - تواصل وزارة الخزانة الأمريكية جهودها لإعادة السيولة إلى أسواق الائتمان. ومع استمرار الجدل حول هذا الأمر، لا بأس من التأمل في سلسلة مشابهة من الأحداث كانت ضخمة بالقدر نفسه تقريباً ووجدت حلاً مشابهاً. ونعني بذلك أزمة المدخرات والقروض.

ففي الفترة بين عامي 1986 و1995 تم إغلاق أكثر من ألف من مؤسسات إيداع الأموال تزيد القيمة الإجمالية للأموال التي كانت مودعة فيها على 500 مليار دولار. وعملت مؤسسات الادخار والودائع من الناحية التاريخية في ظل نماذج مالية محافظة. لكن توسعها لتقديم أنواع جديدة من القروض تزامن للأسف مع متطلبات رأسمالية جديدة أقل، ومع فترة اتسمت فيها أسعار الفائدة بالتذبذب، الأمر الذي استوجب إغلاق 30 في المائة من هذه المؤسسات.

وتم تصميم شركة ريزوليوشن ترست Resolution Trust من قبل الكونغرس لتصفية موجودات مؤسسات الادخار والإقراض المفلسة. وعبر قيام الشركة المذكورة بسرعة وبصورة حاسمة بعرض موجودات تلك المؤسسات للبيع في المزاد، أوجدت الآلية لمعرفة أسعار الموجودات المجمدة. وعلى نحو يشبه فرض التدخل على المؤسسات التي لم تعترف بأن لديها مشكلة، استخدمت ريزوليوشن ترست المزادات لإجبار السوق على ملامسة القاع كي تتمكن في نهاية المطاف من العودة إلى حالتها العادية.

بادرت الوكالة المذكورة إلى العمل في الأيام الأولى. وتم اتهامها بالتسبب في انخفاض أسعار الموجودات لمختلف الشرائح، بما فيها المباني والعقارات. لكن المشترين عادوا بسرعة وتقدموا بعروض شراء أعلى لما كان يعتبر وضعاً غير عملي. وعبر إيجاد أرضية السوق، حل الاستقرار واليقين محل التأرجحات الشديدة للأسعار، الأمر الذي سرعان ما أدى إلى تعافي السوق وعودة صحتها إليها. لقد نجحت ريزوليوشن ترست.

وحتى عهد قريب، كان وزير الخزانة، هانك بولسون، ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بن برنانكي، يتفحصان حالات الفشل في أسواق المال حالة حالة، ويضعان الحلول المناسبة في عطلات نهاية الأسبوع. كانا يعملان في أيام الأحد أكثر مما يعمل فيها واعظ في إحدى البلدات الصغيرة. لكن هناك الآن إدراك على نطاق واسع بأنه لا الصناعة ولا الاقتصاد العالمي يمكن أن يستمرا في حبس أنفاسهما في عطلات نهاية الأسبوع بانتظار الإعلان التالي.

من هذا المنطلق قام بولسون وبرنانكي ببذل جهد استراتيجي شامل لإشاعة اليقين والاستقرار في أسواقنا من خلال ما يدعى ببرنامج إسعاف الموجودات المتعثرة. وفي سياق الجدل الذي تمخض عنه هذا البرنامج، تقدم الكونغرس بنصوص وأحكام إضافية. ومهما كانت الأحكام التي يتم إدخالها على البرنامج، فلا ينبغي أن تقلل من احتمال استخدامه.

وزيادة على ذلك، وفي ضوء حالة عدم اليقين الذي تشهده الأسواق، ينبغي إعطاء أعلى قدر من المرونة لوزارة الخزانة فيما يتعلق بالموجودات التي قد تشتريها وكيفية تمويلها وبيعها.

يجب أن يركز البرنامج الجديد على ثلاث نواح. أولاً، ينبغي أن يوفر السيولة لعدد كبير من المنتجات المالية التي أصيبت أسواقها بالجمود، بما فيها حسب تقدير وزير الخزانة المنتجات التي ليست لها علاقة مباشرة بتمويل قروض الرهن. وسيتمخض أول مزاد ناجح عن البدء باستعادة شفافية الأسعار، وهذا هو العنصر الثاني المهم في البرنامج.

إن تحديد قيمة هذه المنتجات لن يكون سهلاً. ذلك أن الأمر يتطلب قدراً كبيراً من الحرص والمهنية لإيجاد توازن عادل بين أسعار البيع المحروقة هذه الأيام وسعر الاحتفاظ بالمنتج حتى يحين أجله. لكن هذا التوازن له أهميته في المدى القصير والطويل على حد سواء. ففي المدى القصير تقلل معرفة السعر الحقيقي من حالة الفوضى التي تشهدها الأسواق المتقلبة، التي تتعرض أساساً لتأرجحات شديدة في الأسعار. وفي المدى الطويل، يوفر التسعير الفعال فرصة لدافعي الضرائب الأمريكيين لتحقيق الربح. إن المهارة والخبرة اللازمة لتسعير هذه الموجودات وشرائها، وإعادة هيكلتها وإعادة بيعها ليست موجودة لدى الحكومة حالياً. ولذلك، برنامج إسعاف الموجودات المتعثرة يجب أن يكون أيضاً جهة إسناد لا ترحم، كما كانت شركة ريزوليوشن ترست في أيامها. وبطبيعة الحال، ينبغي أن يكون أي مقاولين خارجيين في النهاية مسؤولين أمام الحكومة التي يجب أن تكون لديها سلطة نهائية لاتخاذ القرارات.

الفرق الرئيسي بين شركة ريزوليوشن ترست، وبرنامج إسعاف الموجودات المتعثرة يتعلق بالتسعير. فقد أخذت شركة ريزوليوشن ترست الموجودات على عاتقها من خلال عمليات شراء الحكومة لمؤسسات الادخار والإقراض وسعَّرتها عن طريق المزادات فقط. لكن برنامج إسعاف الموجودات المتعثرة سيزود السوق بالأسعار التي يتم تحديدها مرتين، مرة عندما يشتري الموجودات، ومرة أخرى عندما يبيعها من خلال المزاد أو من خلال البيع المورق.

ورغم أن أزمة المدخرات والقروض كان لها تأثير مباشر على ودائع ملايين الأمريكيين، إلا أن الكونغرس لم يتصرف إلا في آب (أغسطس) 1989، أي بعد سنوات من أول فشل منيت به مؤسسات الادخار والإقراض، وبعد أن جرت إحدى الدورات الانتخابية. أما اليوم، فإن ارتفاع تكلفة الائتمان، أو عدم وجوده، وسرعة انكماش السيولة والأزمة العامة في الثقة بأسواق المال العالمية لها تأثير مباشر أو غير مباشر على كل من له علاقة بالنظام المالي العالمي. وهذا يعني أنه ليس لدينا ترف الانتظار طيلة هذا الوقت.