الاقتصادية - أكدت الحاجة إلى تدخل حكومي جذري في النظام البنكي الأوروبي أنه ستتم إعادة تشكيل المشهد البنكي لصالح مؤسساته الكبرى التي تدار بشكل أكثر تحفظاً.

ذلك أن عمليات إعادة رسملة البنوك برعاية حكومية، كالبرنامج المالي المقترح من جانب المملكة المتحدة لضخ 50 مليار جنيه استرليني (86.5 مليار دولار) الذي تم الإعلان عنه أمس، والتأميم الكامل أو الجزئي لبنوك مثل بنك برادفورد آند بنجلي، وبنك فورتيس البلجيكي الهولندي هي محاولة اللحظة الأخيرة لحل المشكلات التي ولدت إبان طفرة الائتمان التي امتدت من عام 2003 إلى منتصف العام الماضي.

وقد تميزت تلك الطفرة برخص الائتمان ووفرة السيولة. وكان لهاتين الصفتين أثر تسوية ميدان اللعب بين المؤسسات المالية الكبيرة التي تتمتع بمركز مالي قوي ولديها مستودعات كبيرة من الودائع الفردية التي تمكنها من تمويل نمو القروض وبين البنوك الصغيرة المبتدئة التي استطاعت أن تمول التوسع عبر جمع الأموال في أسواق الجملة.

وكانت هناك أيضاً بعض البنوك الكبيرة - خاصة في المملكة المتحدة - التي استغلت إمكانات التمويل التي توفرها أسواق الجملة.

ومع ندرة التمويل الكبير وارتفاع تكلفته في الوقت الراهن، شرعت تلك البنوك المبتدئة بالخروج من الساحة وهي تبحث الآن عن الدعم من حكوماتها ومن البنوك ذات المركز الأقوى.

وعاد التمويل الخاص بالبنوك ليتركز في مناطق ولايتها المحلية. ويبدو أن هذا سيحدد الاتجاه الذي سيكون سائداً في العامين المقبلين.

يسأل هيو فان ستينيس، المحلل في بنك مورجان ستانلي: "لقد كنا في دورة دين عملاقة تشهد الآن عملية تصحيح كبيرة. ما معنى هذا؟
"سيظل المستقبل ينطوي على تحديات بالنسبة للبنوك الحاصلة على تصنيف A واحدة وسيختار بعض هذه البنوك أن يقلص أعماله أكثر، وسيبحث البعض الآخر عن المساعدة من البنوك الكبرى أو من الحكومات.

"وتجري الآن عملية إعادة تمهيد كبيرة لتكاليف التمويل وإعطاء الأفضلية للبنوك الكبرى مرة ثانية. وسوف تحصل البنوك الكبرى ذات الميزانيات العمومية القوية ولديها قاعدة ودائع واسعة والتي تدار بشكل متناغم وسليم على فتات موجودات البنوك المكروبة. أما البنوك الأقوى الحاصلة على تصنيف AA فسوف تحصل على صفقات رائعة". وقد انبثق نمط مشابه لهذا في أوساط البنوك الضعيفة في القارة الأوروبية.

فحيث إنها خسرت ثقة أسواق الجملة، فقد تعرضت للتأميم أو حصلت على تمويل طارئ من الحكومات التي لديها موارد كافية - كما حدث في المملكة المتحدة مع بنك نورذرن روك وبنك براد فورد آند بنجلي، وفي ألمانيا مع شركة هايبو العقارية - وتمت تجزئتها وبيعها في الحالات التي يمكن أن يتسبب فيها التأميم بضغط كبير على الحكومة الوطنية كما حدث بالنسبة لبنك فورتيس. ولكن بدأت بعض أولى البنوك الرابحة تتضح بجلاء.

ذلك أن هذه البنوك تتميز بأن لديها قاعدة ودائع فردية، وهي حاصلة على تصنيف ائتماني بدرجة AA أو أعلى، ولديها نماذج عمل متنوعة، ودرجة مديونية يمكن تدبر أمرها ونجت من إجراء تخفيضات كبيرة على أقيام موجوداتها جراء سندات الائتمان التي تفتقر إلى الملاءة المالية. وقد بدأت بعض هذه البنوك باستغلال ميزاتها في بلدانها.

ففي المملكة المتحدة، وافق بنك لويدز TSB الذي يعد أكبر بنك فيها من حيث توفير حسابات التجزئة الجارية، على إنقاذ بنك HBOS عن طريق شرائه، مع الإشارة إلى أن الأخير يعد أكبر بنوك قروض الرهن العقاري في المملكة المتحدة وكان نموه مدفوعاً بعمليات التمويل الضخمة التي يقوم بها.

وفي بلدان البر الأوروبي، اشترى بنك BNP باريباس الفرنسي جزءاً كبيراً من موجودات بنك فورتيس بسعر متدن للغاية. وقام بانكو سانتاندر الإسباني بشراء بنك ألاينس آند ليسيستر البريطاني بجزء يسير من أعلى قيمة وصل إليها في شهر آب(أغسطس).

وقد اختارت بنوك أخرى من بنوك هذه الفئة حتى الآن أن تقف متفرجة، مثل بنك إتش إس بي سي وبنك ستاندارد تشارترد في المملكة المتحدة، وبنك بانكا انتيسا الإيطالي، وبنك كريديت سويس السويسري، وبنك نوردي وبنك دي إن بي في اسكندنافيا.

يقول دانيال ديفيس، المحلل في بنك كريديت سويس، "إن البنوك الرابحة هي تلك البنوك التي لم تكن في أي وقت من الأوقات بحاجة إلى الأموال أو التي قامت بجمع الأموال في وقت مبكر. سيكون هناك بنوك ينظر إليها كأبطال وطنيين".

وتندرج تحت هذه المجموعة أو الفئة حفنة من المؤسسات التي تشترك مع البنوك المذكورة في معظم الخصائص وليس كلها. فما زال بنك دويتش الألماني مؤسسة ذات مديونية عالية ولكن مرونة تبادلات التخلف عن السداد التي يقوم بها تدل على أن السوق تعتقد أنه لن يسمح له أبداً بالوقوع في صعوبة حقيقية لأنه ينظر إليه كبطل وطني.

ويمكن أن تدخل في هذه الفئة أيضا بنوك مثل بنك سوسيتي جنرال الفرنسي الذي يعتمد على الاستثمارات البنكية في أرباحه، وبنك يوني كريديت الإيطالي الذي اعترف في الآونة الأخيرة بأنه قلل من شأن حدة الأزمة، وبنك BBVA الإسباني الذي لديه بعض الانكشاف الخطر للأسواق الناشئة.

وينطبق الشيء نفسه على بنك باركليز البريطاني الذي لديه نسبة رأس مال متدنية مكونة من خانة واحدة، ولكنه حقق تقدماً استراتيجياً عبر استحواذه على عمليات بنك ليمان براذرز في أمريكا.

وهناك فرصة لجميع هذه البنوك الآن لتوحيد عملياتها في السوق والسعي لعقد صفقات عابرة للحدود حيث يمكن أن تعمل كمنقذ الملاذ الأخير.