الاقتصادية - قبل ستة أشهر قال واحد من أكثر صانعي السياسة المتمرسين في العالم إن النظام البنكي الغربي يبدو عليه أنه عالِق في سباق ضد الزمن.

على أحد جانبي هذه المعركة كانت تقف البنوك، التي كانت تحاول قدر الإمكان استيعاب الخسائر المرتبطة بالسندات السامة، دون إغاثة الفساد في ميزانياتها العمومية. على الجانب الآخر كان يقف الاقتصاد "الحقيقي"، الذي كان مدفوعاً بقوة لا قِبَل له بها نحو التباطؤ، حتى دون وقوع الانهيار الصاعق للسندات القائمة على القروض السكنية لضعاف الملاءة.

وبالتالي كان السؤال الحقيقي الذي يقض مضجع صانعي السياسة هو ما إذا كان بالإمكان تثبيت استقرار البنوك ووضعها على مسار التعافي قبل أن تبدأ الشركات والأسر بالإحساس بآثار الأزمة. أو كما ذكر أحد المسؤولين أثناء الصيف: "لو أننا فقط نستطيع أن نؤمن للبنوك فرصة لالتقاط الأنفاس ولو لبرهة وجيزة، ولو حتى لبضعة أشهر، فإن الوضع لن يكون على هذه الدرجة من السوء."

لكن هذه الآمال تبدو الآن ميؤوساً منها. ذلك لأن ما ثبت من أحداث هذا الأسبوع هو أن صانعي السياسة خسروا محاولتهم استباق الأزمة المالية. لا مجال الآن "لالتقاط الأنفاس". الذي حدث بدلاً من ذلك هو أن الأحوال في العالم المالي ظلت تسوء باستمرار ودون توقف، إلى أن وصلت إلى المرحلة الحالية التي انقلبت فيها إلى أزمة طاحنة على جميع الأصعدة والمستويات.

من جانب آخر، في الاقتصاد "الحقيقي"، فإن القنبلة الموقوتة، المعروفة بالكساد الاقتصادي، تدق الآن بصوت أعلى حتى من ذي قبل، إلى جانب الآلام والمتاعب التي تقض مضاجع البنوك. بالأمس، وهذا مثال واحد فقط، قالت الغرف التجارية البريطانية إن المزاج العام بين أعضائها هو الأشد تشاؤماً منذ عام 1989.

فإذا جمعنا هذين العاملين معاً، فإن الوضع الذي يحدق فيه صانعو السياسة الآن هو بالضبط الوضع الذي حاولوا ما استطاعوا ألا يروه بأعينهم، والمقصود بذلك أنهم يرون الشروط التي تسبق وقوع دورة جهنمية مفرغة تغذي بعضها بعضاً وتروح جيئة وذهاباً بين العالم المالي والاقتصاد "الحقيقي".

وأهم جانب في هذا الموضوع، وفي الوقت الذي نرى فيه أقساماً كبيرة من النظام المالي وقد أصيبت بالتجمد، هناك علامات متزايدة على اعتصار وتقلص الائتمان للاقتصاد الحقيقي. نتيجة لذلك فإن الهلع المالي أخذ الآن في تحطيم الثقة بكل عنف في عالم الأعمال كذلك.

ومن جانب آخر، تتقد المخاوف الآن من أن القطاع المالي يمكن قريباً أن يتعرض لضربات من الديون الرديئة الجديدة، تضاف فوق وبعد كل ما حدث من انهيار القروض السكنية لضعاف الملاءة. على سبيل المثال، في سوق الديون الثقيلة فإن المتداولين يحتسبون الآن في تقديراتهم إمكانية أن تبدأ مجموعة من الشركات المثقلة بالديون الإعسار والعجز عن سداد الديون خلال السنة المقبلة. وفي حين أن هذه النظرة المتشائمة ربما تكون سابقة لأوانها – لاحظ أن هناك أسباباً معقولة تدفعنا إلى الظن بأن حالات الإعسار لن تحدث لسنة أخرى – فإن الأمر الواضح وضوح الشمس هو أن البنوك ليست في الوقت الحاضر في وضع يسمح لها بالتعامل مع المزيد من الديون السامة.

وبالتالي فإن المستثمرين يشعرون الآن بالتوتر بصورة متزايدة في الوقت الذي يرفعون فيه أكثر حتى من ذي قبل من تقديراتهم للخسائر الائتمانية المستقبلية. أو كما قال أحد كبار المسؤولين السابقين من اليابان في إشارة إلى الآلام التي كان يعانيها النظام البنكي في اليابان: "حين واصل إجمالي الديون الرديئة ارتفاعه في البنوك اليابانية، ظن الناس أن السبب في ذلك هو أن البنوك كانت تكذب عليهم وتخفي حقيقة مشكلاتها. ولكن لم يكن الوضع على هذا النحو دائماً. المشكلة كانت في أن المصرفيين أنفسهم لم يفهموا بصورة سليمة آلية التغذية الراجعة. وهذا ما يمكن أن يحدث الآن".

فهل تستطيع الحكومات الآن الحؤول دون اشتداد حدة هذه الدورة الجهنمية؟ يمكن أن تعمل الأنباء التي قالت بالأمس إن البنك المركزي الأمريكي سيدعم سوق الأوراق التجارية، يمكن أن تعمل على تهدئة الرعب بين الشركات. كذلك يفترض إن إطلاق "برنامج إغاثة الموجودات المعتلة" سيعزز كذلك من المزاج العام، إذا بدأ فعلاً في إزالة الموجودات السامة من البنوك على نطاق واسع. ويمكن لقرارات تخفيض أسعار الفائدة، إذا ظهرت على الساحة، أن يكون لها كذلك تأثير نفسي، لأنها ستعمل على تهدئة خواطر المستهلكين والشركات (وإن كان من غير المحتمل أن تعمل التخفيضات في حد ذاتها على إزالة الجمود من أسواق الائتمان). ولكن في التحليل الأخير فإن ما يريده المستثمرون بالفعل هو أن يروا إجراءات وسياسات منسقة واستباقية، وليس مجرد تحركات جزئية ومحاولة وقف انهيار السد بوضع إصبع اليد على الشق، وذلك في سبيل تحريك أعمال التمويل ودفعها من جديد لتتدفق من البنوك إلى الشركات، وإعادة بناء الثقة ضمن النظام المالي كذلك. كما يبدو الآن فإن المباحثات تجري الآن على قدم وساق ضمن الخطوط المذكورة أعلاه في بعض الدوائر الحكومية. بل إنها ربما تخرج علينا بشيء ملموس حين يلتقي وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في واشنطن لحضور اجتماعات البنك الدولي. ولكن كلما طالت الفترة التي يخفق فيها صانعو السياسة في اتخاذ الإجراءات المناسبة، ازداد خطر وقوع دورات مفرغة كريهة جديدة بين النظام المالي والاقتصاد الحقيقي، وازدادت مشقة تثبيت استقرار البنوك. لا عجب إذن في أننا نرى الأسواق وهي تنهار الآن. في الوقت الحاضر فإن هذا الانهيار يبدو أنه الاستجابة المنطقية الوحيدة لعالم يصاب بالجنون بصورة متزايدة.