الاقتصادية - هوت أسواق الأسهم العالمية أمس في الوقت الذي تدافع فيه المستثمرون للهروب من المخاطر ومن الأسهم المضطربة واليورو والسلع، في حين استفادت السندات الحكومية والذهب والدولار والين.

وتصاعدت المخاوف حول سلامة البنوك في أوروبا، وسعت الحكومات في أرجاء المنطقة لطمأنة المستثمرين. المخاوف حول صفقة وزارة المالية الأمريكية بقيمة 700 مليار دولار لإنقاذ البنوك، التي وافق عليها الكونجرس في الأسبوع الماضي، هذه المخاوف بحاجة إلى بعض الوقت حتى تهدأ وتبدأ أحوال البنوك الأمريكية بالتحسن، وكان ذلك عاملاً في عملية البيع المكثفة التي وقعت في وول ستريت يوم الجمعة الماضي. وكان من شأن ذلك أن وجدت الأسواق العالمية نفسها في وضع صعب أمس.

وسجلت البورصات العالمية خسائر فادحة عقب عمليات بيع كبيرة قام بها المستثمرون الذين تملكهم الذعر خشية ألا تتمكن خطة الإنقاذ الأمريكية من وضع حد لأزمة الائتمان التي تتسبب في شلل الأسواق.

وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي في بورصة وول ستريت في نيويورك في بداية تعاملات أمس الإثنين إلى أقل من عشرة آلاف نقطة لأول مرة منذ أربع سنوات، كما هبط مؤشر ستاندارد آند بورز إلى أقل مستوى له منذ أربع سنوات أيضا في ظل المخاوف من تداعيات الخطط لأوروبية لإنقاذ البنوك والانخفاض الحاد في أسعار السلع.

وجرى تعليق التداول في بورصات روسيا والبرازيل أمس بسبب التراجع الكبير في أسعار الأسهم، وانخفضت أسعار أسهم بنوك جولدمان ساكس ومورجان ستانلي وبنك أوف أمريكا بأكثر من 6.3 في المائة. وفقد مؤشر ستاندارد آند بورز الأوسع نطاقا 66.23 نقطة أي بنسبة 6.03 في المائة إلى 1032.95 نقطة وهو أدنى مستوى له منذ كانون الأول (ديسمبر) 2003.

أما مؤشر داو جونز القياسي فقد خسر 538.34 نقطة بنسبة 5.21 في المائة إلى 9787.04 نقطة. وتراجع مؤشر ناسداك لأسهم شركات التكنولوجيا بمقدار 116.38 نقطة، أي بنسبة 5.98 في المائة إلى 1831.01 نقطة.

أكبر الأضرار كانت من نصيب الاستراتيجيات الاستثمارية والشركات التي تعتمد على التمويل قصير الأجل، بفعل الجمود في أسواق المال. وتعمل الصناديق الآن، التي تواجه خطراً متزايداً بقيام العملاء بالمطالبة بتسديد حساباتهم واسترداد استثماراتهم، على بيع مقتنياتها بأسعار متدنية، الأمر الذي لا يؤدي إلا إلى المزيد من الضعف في جميع الأسواق.

وسعى البنك المركزي الأمريكي لبعث الروح في أسواق المال وإزالة الجمود عنها من خلال الإعلان عن نطاق واسع من الإجراءات الجديدة. سيبدأ البنك المركزي الآن بدفع الفوائد على فائض الاحتياطي لدى البنوك. كما ضاعف من حجم تسهيلات القروض التي يمكن للبنوك الحصول عليها من الفروع المحلية للبنك المركزي عن طريق المزادات لتصل إلى 900 مليار دولار، ما يعني أن البنك يتخذ دوراً أكبر من ذي قبل في كونه وسيط الإقراض بين البنوك التي لا تثق ببعضها بعضاً.

وأخفقت الإجراءات الأخيرة في طمأنة مستثمري الأسهم، وشهدت الأسواق الآسيوية تراجعاً كبيراً في الأسعار قبل أن تكتسح عمليات البيع جميع أرجاء أوروبا. في نيويورك جرى تداول مؤشر داو جونز إلى ما دون مستوى عشرة آلاف نقطة للمرة الأولى منذ عام 2004.

قال ألان راسكين، كبير المحللين الدوليين لدى بنك آر بي إس جرينتش كابيتال RBS Greenwich Capital: "لسان حال الأسواق الآن هو أننا بحاجة إلى أن نرى نطاقاً متعدداً من الحلول والتنسيق بين الأجهزة الرقابية والبلدان، ولكن الأحداث في الغالب تتحرك على نحو أسرع من قدرة السلطات على اتخاذ الإجراءات اللازمة".

أحد الأساليب التي اقترحها الاقتصاديون لحل مشكلة الجمود والتشنج في أسواق المال هو أن تضمن البنوك المركزية عمليات الإقراض بين البنوك وأن تعمل كذلك كطرف متعاقد في أسواق إعادة شراء السندات.

قالت مؤسسة آر دي كيو إيكونومكس RDQ Economics: "لدينا نقص في الثقة، وليس نقصاً في السيولة، وحين نعلم أن البنوك المركزية يمكن أن تكون الطرف المتعاقد النهائي فإن هذا سيقطع شوطاً طويلاً في إعادة الثقة".

بحلول منتصف أمس في نيويورك هبط مؤشر ستاندارد آند بورز بمقدار 5.1 في المائة، في حين أن مؤشر فيكس لقياس التقلب في الأسهم قفز إلى فوق المستوى 50، وهو رقم قياسي جديد.

في لندن هبط مؤشر فاينانشيال تايمز 100 بمقدار 7.9 في المائة، وعانى أسوأ خسارة له في يوم واحد. كما هوى مؤشر فاينانشيال تايمز يوروفيرست 300 بمقدار 7.4 في المائة. لم تهدأ المخاوف حول سلامة النظام البنكي حين قلدت الدنمارك وألمانيا ما قامت به أيرلندا من حيث إن هذين البلدين عرضا على المدخرين ضماناً بتغطية جميع ودائعهم. وأعيدت جهود إحياء الصفقة المتعثرة لإنقاذ بنك هيبو العقاري Hypo Real Estate، المتخصص في القروض السكنية، بعد حقن مبلغ آخر هو 15 مليار يورو، ما رفع من تكلفة الإنقاذ لتصل إلى 50 مليار يورو.

وتعرضت الأسواق الناشئة إلى أكبر الأضرار، حين تم تعليق التداول فترة قصيرة في روسيا والبرازيل. وعانى مؤشر بنك مورجان ستانلي المركب للأسواق الناشئة MSCI emerging market index أكبر خسارة له في يوم واحد منذ عام 1987، على اعتبار أن أسعار السلع هبطت بصورة حادة.

وهوت أسواق الائتمان في كل من أوروبا والولايات المتحدة انسجاماً مع أسواق الأسهم. ارتفع مؤشر ماركيت آي تراكس أوروبا Markit iTraxx Europe، الذي يرصد حركة السندات الممتازة من 125 شركة أوروبية، بمقدار تسع نقاط أساس ليصل إلى 134.5 نقطة أساس. وارتفع مؤشر سي دي إكس في الولايات المتحدة بمقدار 15 نقطة أساس ليصل إلى 181 نقطة أساس.

وكانت السندات الحكومية من بين الجهات المستفيدة من الهروب نحو الملاذ الآمن، في الوقت الذي زاد فيه المستثمرون من مراهناتهم بأن عمليات البيع المكثفة في الأسهم ستشعل فتيل التخفيض المنسق لأسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية.

جرى تداول سندات الخزانة الأمريكية لأجل سنتين بسعر متدن هو 1.40 في المائة، وكان العائد أدنى بمقدار 18 نقطة أساس عند 1.47 في منتصف أمس في نيويورك. وهبط العائد على سندات الخزانة الألمانية بمقدار 21 نقطة أساس ليصل إلى 3.07 في المائة، في حين أن العائد على سندات الخزانة البريطانية هبط بمقدار 37 نقطة أساس ليصل إلى 3.64 في المائة.

قال توم كريسنزي، وهو محلل لدى مؤسسة ميلر تاباك Miller Tabak إنه إذا كانت الأسواق لا تزال في حالة هبوط هذا اليوم فإنه "ينبغي على البنك المركزي الأمريكي أن يتخذ إجراءات في سبيل تثبيت الاستقرار في الأسواق من خلال القيام بتخفيض حاد لأسعار الفائدة صباح اليوم".

التداولات في أسواق العملات الأجنبية هيمنت عليها عمليات البيع القوية لعملات الأسواق الناشئة لصالح الدولار. هبط البيزو المكسيكي إلى أدنى مستوى له أمام الدولار، الذي سجل كذلك مكاسب قوية أمام الراند (عملة جنوب إفريقيا) والريال البرازيلي. وهبط الدولار بالفعل أمام الين، في حين أن اليورو سجل أكبر خسارة له في يوم واحد أمام العملة اليابانية.