الاقتصادية - هل تؤرخ الأيام الثمانية الواقعة بين يوم الأحد 14 أيلول (سبتمبر) والأحد 21 من الشهر نفسه لنهاية البنك الاستثماري؟ فقد أفلس بنك ليمان براذرز، واستسلم بنك ميريل لنتش، وأصبح جولدمان ساكس ومورجان ستانلي بنكين خاضعين للوائح الحكومية.

وكان ما جرى جزءاً من التحول الأكثر كارثية بين البنوك الاستثمارية منذ الحدث الذي تأسست بموجبه، ونعني بذلك قانون جلاس ـ ستيجال لعام 1933. وفي المستقبل سيتعين إعادة تعريف بعض العبارات المألوفة، مثل فئة الأفضلية، والشارة الخاصة بصفوة البنوك الاستثمارية الأمريكية، وستتخذ طاولات الاجتماعات التي تعقد في نهاية كل عام شكلاً مختلفاً، وسيترتب على العملاء والمسؤولين التنفيذيين أن يكيفوا أنفسهم وفقاً لقواعد جديدة على أرض الواقع. لكن رغم هذه التغيرات، وشريطة أن تنجو من الأزمة الراهنة، من المرجح أن تكون البنوك الاستثمارية موجودة كهيئات معترف بها ضمن شركاتها الجديدة، كما أن الاستثمار المصرفي كصناعة سيظهر بمشروعية أقوى.

لن يتغير الكثير على هذا الصعيد. فالمنشآت التي نعتبرها بنوكاً استثمارية أصبحت تجمعات مالية كبرى. فقد توقف بنك مورجان ستانلي عن كونه بنكاً استثمارياً قائماً بذاته عام 1997، حينما اندمج مع شركة دين ويتر للتمويل الاستهلاكي. وتوسع جولدمان خارج الاستثمار المصرفي، عندما وسع أنشطته التداولية واستثماراته المالية بعد أن تحول إلى شركة عامة عام 1999. وفي عام 2007 جاءت نسبة 15 في المائة من أرباحه قبل الضريبة من أنشطة الاستثمار المصرفي. والحقيقة أن البنوك الاستثمارية المحضة لم تعد موجودة منذ فترة طويلة. إن استيعاب بعض الأسماء الشهيرة في البنوك وإعادة تعريف بعضها الآخر، لن يحدث فارقاً كبيراً في خدمة الزبائن أو الهيمنة على السوق. وفيما يتعلق بأدائها كبنوك استثمارية، فالمسألة مسألة معنى وما إذا كانت أنشطة هذه التجمعات المالية تتضمن، أو تستثني العمليات المصرفية إلى جانب أعمالها العديدة الأخرى.

على أن الاضطراب الذي تشهده السوق يتيح الفرصة لمؤسسات أخرى للانتقال إلى مجال الاستثمار المصرفي. ففي السنوات الأخيرة، كان هناك تقارب للخدمات المالية شمل شركات الأسهم الخاصة، وصناديق التحوط والبنوك الاستثمارية. ولم يعد جولدمان ساكس بشركاته للأسهم الخاصة وصناديق التحوط التابعة له بنكاً استثمارياً أكثر من كون بلاكستون بخبرائه الاستشاريين وصناديق الاستثمار البديل التابعة له شركة للشراء الشامل. إن غموض هذه الفروقات أدخل شركات الاستثمار البديل إلى قطاع الاستثمار المصرفي. ومما لا شك فيه أن شركات مثل بلاكستون وKKR وغيرها، القادمة من مجال صناديق التحوط في هذا الطيف، ستجد مزيداً من الفرص مع تعديل البنوك الاستثمارية الحالية وتكيفها مع الأوضاع الجديدة.
إن الكثير يعتمد على رد المنظمين على المشكلات التي تواجهها البنوك الاستثمارية.


فعمليات الإنقاذ كبيرة والرأي العام ملتهب لدرجة لا مناص معها من وضع قواعد جديدة. لكن من عدم الحكمة أن نقلل من شأن قدرات هذه الصناعة على البقاء. فكانت آخر مرة تتعرض فيها وول ستريت للمشكلات والأزمات هي الفترة بين عامي 2001 و2003 عندما انفجرت فقاعة الإنترنت. لقد تعهد جورج دبليو بوش حينها "بإنهاء طبخ السجلات،

والتعتيم على الحقائق ومخالفة قوانيننا"، لكن بدلاً من ذلك تم التوصل إلى تسوية هزيلة مع البنوك الاستثمارية عام 2003 تقضي بفرض غرامات تافهة عليها وإجراء تغييرات طفيفة على القوانين، لكنها تركت أنموذجها العملي سليماً. ما جرى في ذلك الوقت هو أن هذه الصناعة جادلت بأن البنوك الاستثمارية مهمة وضرورية لتسيير عجلات الرأسمالية العالمية. وستتعرض لضغط كبير لاستخدام هذه المجادلات هذه المرة أيضاً، لكن واشنطن والكونجرس مازالا يقفان إلى جانب الأسواق، وستحظى البنوك الاستثمارية، سواء أكانت مستقلة أو جزءاً من التكتل المالي الأكبر، بمعاملة أكثر تساهلاً وليناً من المعاملة التي تشي بها أيامنا هذه.

وبعيداً عن التسبب في سقوطها، فإن الضربات التي تلقتها البنوك الاستثمارية يمكن أن تعيدها إلى سابق عهدها. ففي العقد الماضي كان يصنف تقديم الاستشارات للعملاء بشأن الأمور المتعلقة بتمويل الشركات والاستثمار في خانة الاندفاع الشديد لتحقيق الربح من عمليات الاستثمار الرئيسية والتداول التملكي. وفي هرج ومرج اندفاع السوق، اختلط الأمر على البنوك الاستثمارية بين ما كانت تفعله لنفسها وما كانت تفعله للآخرين. وبينما تقوم بلعق جروحها، ربما تتمكن من تجنب بعض منتجات التمويل المهيكل الغامضة التي تسببت لها في تلك المشكلات وتعيد التركيز على ما اعتادت عليه فيما يتعلق بعملها الأساسي.
وفي حين أننا ربما نكون شهدنا وفاة البنك الاستثماري، سيفاجئني جداً أن أرى وفاة الاستثمار البنكي كصناعة.