الاقتصادية - السياسيون الفرنسيون كانوا طوال سنوات كثيرة يهيلون الازدراء للرأسمالية "الأنجلو ـ ساكسونية". ذاع عن الرئيس السابق جاك شيراك أنه أعلن ذات مرة أن الليبرالية الاقتصادية، التي اعتبرت الأيديولوجية المهيمنة للدول الناطقة بالإنجليزية، خطر على العالم مثل خطورة الشيوعية.

لذلك ربما كان المرء يتوقع أن انفجار "وول ستريت" كان يمكن الترويج له في باريس على أنه تبرير للتحذيرات الفرنسية. فإعادة تنظيم الأسواق المالية وتدخل الدولة أصبحا فجأة يثيران الهياج في أمريكا وبريطانيا وأصبحت المعارضة الفرنسية لما هو سائد الخطاب الرئيسي بعد الانهيار.

لكن الوزراء الفرنسيين- إن لم يكن المعلقون - كانوا متحفظين بشكل مدهش في القول بصوت عال: "قلنا لكم ذلك".

ومما لاشك فيه أن الرئيس نيكولا ساركوزي قد شجب لا أخلاقية "الرأسمالية الحالية" ودعا إلى تنظيم بنكي أكثر صرامة، وتعاون دولي أكبر، ومن المحتمل أن يتوسع في هذه الفكرة في خطاب يلقيه في الأمم المتحدة وفي خطاب وطني حول الاقتصاد يلقيه يوم الخميس.

لكن انتقاداته كانت موجهة حتى الآن إلى انتهاكات وافراطات الرأسمالية الأجلو ساكسونية، وليست موجهة للنظام نفسه وكما قال في الكونجرس الأمريكي في العام الماضي :"إن أمريكا التي أحبها هي أمريكا التي تشجع الرواد وليس المضاربين".

وربما كان هنالك سببان رئيسيان لهذه الاستجابة المكبوتة، أولهما، أن فرنسا – مثل سائر بلدان منطقة اليورو- معرضة لآخر هزة مالية أمريكية وهي تخشى من الصدمات اللاحقة - وكان الاقتصاد الفرنسي متباطئا جدا في هذه السنة.

كريستين ليجاردي، وزيرة مالية فرنسا، كانت قلقة جدا في الأسبوع الماضي من انكشاف البنوك الأوروبية للأسواق المالية الأمريكية حتى إنها هاتفت هانك بولسون، وزير الخزانة الأمريكي، وحثته على التدخل لإنقاذ إيه آي جي، مجموعة التأمين المضطربة.

والسياسيون الأوروبيون أيضا واعون بأن هندستهم التنظيمية- المنقسمة بين رؤوس الأموال الوطنية والبنك المركزي الأوروبي- ستجعل من الصعب القيام بعملية إنقاذ حاسمة مثل التي تجري في أمريكا.
والسبب الثاني، بدلا من رفض أيديولوجية السوق، فإن ساركوزي مازال حريصا على المضي قدما بأجندته الإصلاحية المؤيدة للسوق في الداخل، وقال ساركوزي في الأسبوع الماضي: "من المؤكد أن هنالك أزمة اقتصادية عالمية وأوروبية، لكن هذا ليس سببا لوقف الإصلاحات، فهو على العكس من ذلك، سبب للمضي إلى ما هو أبعد".

واستنتج فريق الاقتصاد في بنك استثماري أمريكي (باق على قيد الحياة) أن فرنسا تتباهى بأنها أكثر حكومة مؤيدة للإصلاحات بين بلدان مجموعة السبعة، وحتى وإن كان يعارض سياسات التجارة "المتحررة" والمنافسة على مستوى الاتحاد الأوروبي، فإن ساركوزي يؤيد المزيد من تحرير السوق داخل فرنسا.

ماريو مونتي، مفوض المنافسة السابق في الاتحاد الأوروبي، الذي خدم في لجنة إصلاح فرنسية برئاسة جاك التالي، يوحي أن فرنسا توفق نفسها مع سمعتها بكونها معارضة لما هو مألوف بالمضي في هذه الأجندة الإصلاحية المؤيدة للسوق.

ويقول مونتي: "كانت فرنسا ضد السوق حين كانت شعبية وهي الآن مع السوق حين أصبحت غير شعبية".

ويرى بعض المسؤولين الفرنسيين الأزمة الحالية على أنها فرصة لتأكيد مطالب أوروبا بأن تكون قوة عظمى تنظيمية، فعلى الاتحاد الأوروبي ليس فقط تحسين تنسيق الإدارة الاقتصادية والسياسية داخل منطقة اليورو، بل عليه أيضا أن يلح على إعادة ابتكار مؤسسات مالية عالمية.

ويقول كريستيان دا بوسيه، رئيس مجلس التحليل الاقتصادي، وهو مؤسسة فكرية اقتصادية تابعة للحكومة، أن على الاتحاد الأوروبي أن يضغط من أجل إعادة تصميم المؤسسات المالية العالمية التي أسستها اتفاقية بريتون وودز، عام 1944، وهو يقترح على وجه الخصوص أن على صندوق النقد الدولي أن يحول تركيزه من التعامل مع قضايا نقدية إلى تحديات الأسواق المالية العالمية.

يقول كريستيان:"إن رأيي الخاص هو أن على فرنسا- والاتحاد الأوروبي- أن يطرحا فكرة بريتون وودز مالية، وصندوق النقد الدولي ليس لديه اليوم المزيد من الزبائن وعلينا أن نعيد ابتكار دوره".

ويقول إن صندوق النقد الدولي الذي أعيد رسم أهدافه، يمكن أن يطور أنظمة أذكى تحكم الشفافية وأعمال وكالات تصنيف الائتمان، ومعايير المحاسبة ومتطلبات السيولة للمؤسسات المالية العالمية.
ويقول: "لكن حتى يكون موثوقا تماما على الساحة العالمية، فإن على الاتحاد الأوروبي أن يحرز تقدما أفضل في تحسين إدارتنا الاقتصادية والسياسية".