الاقتصادية - اكتشفت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي حرب الطبقات، حيث شجب نيويت جنجرش خطة وزارة الخزانة الأمريكية لضخ 700 مليار من أجل غسيل الديون بالغة السوء في ميزانيات مؤسسات وول ستريت، ووصفها بأنها "فكرة سيئة جداً جداً"، كما اتهم البيت الأبيض بأنه مخدوع من جانب مستشاريه الذين كانوا يعملون في "جولدمان ساكس".

هاجم جون ماكين "جشع الرؤساء التنفيذيين، وقال إنه يجب ألاّ يبلغ ما يتلقاه رئيس أي شركة يتم إنقاذها، أكثر ممّا يتلقاه أكبر مسؤول في الحكومة" وجاء العنوان الرئيس لصحيفة "نيويورك بوست" التي يمتلكها روبرت ميردوخ، بارتفاع بوصتين، في كلمتين اثنتين فقط هما "شارع الخداع". ويعبر ذلك فقط عن وجهة نظر اليمين.

أما بالنسبة إلى ما يوحي به الحديث من مشاعر في أوساط اليسار، فانظر إلى الإعلان بحجم ربع صفحة الثلاثاء الماضي في صحيفة "نيويورك تايمز" من جانب معهد مستقبل أمريكا، وهو مركز تفكير تقدمي، حيث اتهم "وول ستريت" "بابتزاز" دافعي الضرائب الأمريكيين، وتساءل: "بدلاً من الاكتفاء بإنقاذ رجال المصارف، ألم يكن من الأحرى بنا أن نساعد الجماهير التي جعلوا منها ضحايا؟".

وتحدثت نانسي بيلوسي، الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب الأمريكي، بنغمة مشابهة، حيث حذرت من "أن الحفل انتهى بالنسبة للرؤساء التنفيذيين الذين يحصلون على الباراشوت الذهبي، بينما يدفعون شركاتهم إلى الحضيض".

واعتماداً على توجهك السياسي، فإنك يمكن أن تجادل بأن إدراك الولايات المتحدة لوجود الطبقات فعلاً، وأنه يمكن أن تكون لذلك عواقب سياسية، كان أمراً مستحقاً منذ فترة طويلة.

والأمر الأبرز هو أن القصة الاقتصادية الكبرى، خلال العقود الثلاثة الماضية في الولايات المتحدة، هي زيادة عدم عدالة توزيع الدخول. وكانت ظاهرة عدم العدالة هذه تتراجع خلال معظم فترات القرن الماضي، حتى عندما كان الاقتصاد الشامل للبلاد يحقق نمواً.

وهكذا فإننا نجد أنه في عام 1916، كانت نسبة الـ 0.01 الأعلى دخلاً في الولايات المتحدة، تحصل على نحو 4.5 في المائة من مجموع دخل الأجور على مستوى البلاد ككل، بينما تقلص نصيب هذه الفئة العليا من الفطيرة الأمريكية في عام 1971 إلى 0.5 في المائة. غير أن هذا الاتجاه انعكس خلال السبعينيات، حيث كانت الفئة الأعلى (أي 0.01 في المائة) تحصل في عام 1998 على 3 في المائة من مجموع دخول الأجور على الصعيد الوطني، وازداد نصيب تلك الفئة ضئيلة العدد أكثر من ذلك خلال العقد اللاحق.

غير أنه على الرغم من أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الولايات المتحدة أصبحت بمثابة "جراندكانيون"، فإن التقاليد الاجتماعية والثقافية الأمريكية حالت دون تحول عدم عدالة توزيع الدخل إلى قضية سياسية. واستمر المواطنون الأمريكيون في دعم الرأسمالية،

وإضفاء صفة البطولة والشجاعة على أبطالهم الرأسماليين. ويعود ذلك جزئياً إلى الاقتناع الوطني بأن أي أمريكي يمكن أن يصبح مليونيراً من خلال الجهد الكافي والإلهام. وكما قال أحد مديري صناديق التحوط المولود في أوروبا، بسعادة "في أوروبا يحسد الناس الأغنياء، أما في الولايات المتحدة، فإن الناس يأملون بأن يصبحوا أغنياء".

ونتيجة لذلك، أخفقت الشعبوية الاقتصادية في الانطلاق في صناديق الاقتراع. ولم تكن كافية لمنح آل جور فوزاً حاسماً في انتخابات عام 2000، كما أن خطاب جون إدواردز الذي كان يمكن أن يكون المرشح الديمقراطي للرئاسة الحماسي حول وجود "أمريكتين" في جعله يتجاوز المرتبة الثالثة، وكذلك ما كان يدور بين الناخبين الديمقراطيين. أما بالنسبة لليسار، فإن هذا الاجتناب الوطني للسياسة القائمة على الوعي الطبقي، كان مخيباً للآمال بصورة كبيرة، حيث كانوا يخشون، كما جادل توماس فرانكس في كتابه المشتمل على بذور النمو في المستقبل، والذي صدر عام 2004 بعنوان" ماذا حدث لكانساس"؟، بأنه من خلال مخاطبة الجمهور عبر القيم الاجتماعية والشفافية السائدة في وسط الولايات المتحدة، فإن الجمهوريين نجحوا في إبعاد ذهن الناخبين عن الفجوة الاقتصادية المتنامية.

وأظهر الأسبوعان الأول والثاني من أيلول (سبتمبر) أن أثر سارة بلين المشابه لمفعول الفياجرا بالنسبة لصورة جون ماكين في استطلاعات الرأي، كشف عن أن ثقافة هذا العام يمكن أن تنفخ في بوق الطبقات. غير أن انهيار "وول ستريت" خلال الأيام العشرة الماضية، واقتراب ما سيتحمله دافعو الضرائب من أجل تنظيف آثار ذلك، من تريليون دولار، غيّر ذلك الحساب السياسي بصورة راديكالية. ولم يقتصر لوم الرؤساء التنفيذيين بالتسبب في الويلات الاقتصادية للبلاد، على الأمهات المتسوقات في متاجر "وول مارت" المنتميات إلى الطبقة الوسطى، واللواتي يشكلن قضية ديمغرافية ساخنة هذا العام. ونجد أنه حتى في "وول ستريت" ذاته، فإن أي موظف خارج نطاق الإدارة العليا في شركاته، يلوم الرؤساء الذين هم على قمة الهرم الإداري. وأخبرني مصرفي رفيع المستوى في إحدى الشركات التي علقت في اضطراب الأسبوعين الماضيين، أن الضغط الأشد على الرئيس التنفيذي لشركته لكي يتخلى، على الأقل، عن جانب من باراشوته الذهبي، يأتي من جانب الموظفين الغاضبين داخل شركته، وليس من "مين ستريت"، أو من داخل "بيلتواي".
وكانت آخر مرة يبلغ فيها عدم المساواة في الدخل ذروته في الولايات المتحدة في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، حيث عمل الاستياء الشعبي على تغذية تصاعد الشعبوية المتمثلة في حزب الشعب الذي كان بمثابة واحد من أنجح تحركات تكوين حزب ثالث في تاريخ الولايات المتحدة. لم نشهد مثل إعادة هذا تشكيل الدراماتيكي للخريطة السياسية، ولكن سياسة الطبقات عفريت قوي، كما أن الأمريكيين، للمرة الأولى منذ فترة بعيدة، أطلقوه من القمقم.