تركزت جهود الإنقاذ العجيبة التي اقترحتها الحكومة الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية على مساعدة البنوك الاستثمارية والصناديق المشتركة في أسواق المال، ولكنها لم تفعل شيئاً يُذكر لمساعدة البنوك التجارية، بل إنها ربما تكون من بعض الاعتبارات قد تسببت في إيذاء بعض هذه البنوك.

فحيث إن هذه الشركات تتعرض للضغط الآن، يتخوف بعض الخبراء من أن جهود الحكومة للتعامل مع مشكلة البنوك الاستثمارية ربما ينتهي بها المطاف على نحو غير مقصود إلى تعقيد المشاكل التي تعانيها البنوك التجارية.

ويرى الخبراء أن كثيراً من البنوك التجارية ربما لا تكون قادرة على الاستفادة التامة من الصندوق الحكومي المقترح بقيمة 700 مليار دولار (477 مليار يورو، 378 مليار جنيه استرليني) لشراء الموجودات السامة. والسبب في ذلك هو أن البنوك التجارية، إضافة إلى البنوك الاستثمارية، تحتفظ بكثير من موجوداتها في محافظ لم تقيد قيمتها بحسب القيمة السوقية لتلك الموجودات، أو بحسب القيمة التي يمكن أن تكون قد بلغتها في السوق اليوم.

من جانب آخر، يشعر المصرفيون بالقلق من أن الضمان الحكومي للصناديق المشتركة في أسواق المال ربما يعمل على تقويض قبضة القطاع البنكي على الودائع، وذلك من خلال تقليص الميزة التنافسية للبنوك نسبة إلى صناديق أسواق المال ذات المردود العالي.

وعلى سبيل المثال فإن حساب الادخار بسيولة يومية في بنك سيتي جروب أعطى بالأمس فائدة مقدارها 0.40 في المائة. في حين أن متوسط العائد على صناديق أسواق المال الخاضعة للضرائب بلغ 2.31 في المائة، وفقاً لما تقوله شركة الأبحاث والاستشارات كرين داتا Crane Data.

إن النطاق المحدود نسبياً للإجراء المحاسبي الذي تتبعه كثير من البنوك, الذي يقيد الموجودات في الدفاتر في البداية بحسب قيمتها السوقية يعني أن بيع الموجودات للصندوق الحكومي يمكن أن يحقق خسارة ضخمة قد لا تستطيع البنوك تحملها نظراً لعدم توافر رأس المال الكافي لذلك.

في المقابل فإن البنوك الاستثمارية التي سجلت محافظها بحسب قيمتها السوقية ربما ينتهي بها المطاف إلى رفع رأس المال من جديد في قيودها إذا دفعت الحكومة أسعاراً للموجودات تزيد على القيمة المبينة الآن في ميزانياتها العمومية، إضافة إلى ذلك فإنه يغلب على الموجودات المعتلة لدى البنوك الإقليمية الصغيرة أن تكون قروضاً فردية كبيرة لمشاريع الإنشاءات ومشاريع العقارات وليس أوراقاً مالية مرتبطة بالقروض السكنية.

ويضغط المدافعون عن البنوك التجارية على الحكومة لتخصيص قسم من مبالغ ال 700 مليار دولار لشراء هذه "القروض الكاملة"،وإن كان من غير الواضح كيف يمكن جعلها جزءاً من أية عملية للمزادات.

وحتى لو أُدخِلت القروض الكاملة في الخطة، فإن حد السنتين (أي الحد الأقصى الذي يجب بموجبه شراء الموجودات المعتلة بموجب الصندوق المقترح من الحكومة) يعمل ضد مصلحة البنوك التجارية، لأن حالات الإعسار يرجح لها أن تكشف عن نفسها خلال فترة أطول من ذلك.

وأدت المخاوف حول الأثر التنافسي للضمانات المقدمة للصناديق المشتركة في وزارة المالية الأمريكية إلى تعديل ضماناتها يوم الأحد بحيث تنطبق على الاستثمارات التي كانت موجودة قبل التاسع عشر من أيلول (سبتمبر)، وبالتالي فإن الودائع الجديدة لن تستفيد من التأمين.

كذلك خسرت البنوك موقعها المفضل من حيث كونها الفئة الوحيدة من المؤسسات التي يحق لها الحصول على مساندة السيولة الطارئة من البنك المركزي الأمريكي. وهذا النوع من التمويل متاح الآن لما تبَقَّى من قطاع المصرفية الاستثمارية، ومتاح كذلك، وبصورة غير مباشرة، إلى صناديق أسواق المال لبعض الأغراض.

شيلا بير، رئيسة مجلس إدارة المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، وهي المؤسسة التي تتولى إدارة نظام تأمين ودائع البنوك، قارنت بين المعاملة التي تتلقاها البنوك، التي سوف تضطر الآن لدفع مبالغ إضافية من التأمين لتغطية المطالبات المتوقعة على الصندوق، بالمعاملة السخية التي تتلقاها المؤسسات الأخرى في ظل هذه الظروف الخاصة.

وقالت أمام مؤتمر عقد هذا الأسبوع، إن "المؤسسات بخلاف البنوك" وصناديق أسواق المال التي تحصل الآن على الضمانات الحكومية "لم تدفع فلساً واحداً من التأمين على الودائع، على خلاف البنوك التابعة لنا".

(وحيث إن الحكومة الأمريكية تضمن جميع الودائع في البنوك التجارية بحد أعلى قدره مائة ألف دولار)، تظل البنوك معرضة للانكشاف أمام تدافع العملاء لسحب المبالغ غير المؤمَّنة في الودائع, التي تتجاوز قيمتها السقف المحدد، وهي مبالغ تصل في مجموعها إلى 25 ألف مليار دولار. وفي الأيام الأخيرة هناك مقترحات يتم تداولها بين جماعات الضغط المختلفة في واشنطون حول توسيع نطاق الضمانات الحكومية ليشمل جميع الودائع.