الاقتصادية - قبل شهر من الزمان، أي قبل وقوع تشنجات السوق التي دفعت الحكومة للتدخل لإنقاذ بنك جولدمان ساكس وبنك مورجان ستانلي، أشار أحد كبار المصرفيين في "وول ستريت" إلى النقطة التي يمكن أن تكون مقتَل نموذج الأعمال للبنوك الاستثمارية المتخصصة.

وقال: "نستيقظ كل صباح ونحن نشعر بالقلق حول المكان التي سنجد فيه ميزانيتنا العمومية في ذلك اليوم".

بعد نهاية الأسبوع فإن هذا المصرفي الكبير وكثير غيره من التنفيذيين في البنكين الباقيين الكبيرين من بين بنوك الوساطة المالية الضخمة، سيستيقظون كل يوم دون أن يضطروا للقلق على ميزانيتهم العمومية ومكانها.

ذلك أن قرار البنك المركزي الأمريكي المفاجئ، الذي سمح لكل من بنك جولدمان وبنك مورجان ستانلي بالتحول إلى "شركة قابضة للبنوك"، على أن تلتزم بالقواعد نفسها التي تلتزم بها البنوك المنافسة الأخرى في القطاع المالي الأمريكي، هذا القرار هو عملية إنقاذ ذات أبعاد تاريخية.

حين وجدت السلطات الأمريكية أن هناك خطراً حقيقياً بأن بنك جولدمان وبنك مورجان ستانلي ربما يقتفيا أثر بنك بير شتيرنز وبنك ليمان براذرز وبنك ميريل لينتش في السير على الطريق المؤدي إلى الانقراض، فإنها قررت اتخاذ إجراءات جذرية وحاسمة.

بجرة قلم قررت الحكومة الأمريكية وضع حد لعهد استمر 75 سنة هيمنت عليه البنوك الاستثمارية المتخصصة، وستعيد رسم الساحة التنافسية في صناعة المصرفية العالمية.

هذا التغيير أعطى دَفعة قوية للبنوك التجارية، التي كانت فيما مضى تعد ديناصورات الصناعة في العالم المالي قياساً بمنافسيها الأكثر حركة وأقوى لمعاناً في "وول ستريت".

الرسالة الدائمة في هذا المقام هي أنه حين يعم الاضطرابُ الأسواقَ المالية فإن المؤسسات ذات الرسملة القوية هي صاحبة اليد العليا.

في مذكرة أُرسِلت إلى العملاء يوم أمس قال رتشارد بوف، وهو محلل لدى مؤسسة لاندنبيرج ثالمان: "النظام المالي الجديد سيكون مبنياً حول نموذج البنك التجاري".

مع ذلك، فإن قرار البنك المركزي يفترض أن يعمل على تهدئة مخاوف السوق من أن بنكي جولدمان ومورجان ستانلي ربما يقعان تحت رحمة القوى نفسها التي أغرقت بنكي بير شتيرنز وليمان، على الأقل على المدى القصير.

ولكن الثمن الذي سيُدفَع في سبيل إبقاء البنكين على قيد الحياة، اللذين أصرا في الأسبوع الماضي فقط على أن نموذجها لا يزال سليماً، هذا الثمن يمكن أن يكون باهظاً.

بموجب قواعد البنك المركزي الأمريكي فإن هناك فرصة أمام البنكين مدتها من سنتين على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر، للعمل على نحو ينسجم مع القواعد والمتطلبات الرأسمالية التي تتبعها بنوك من قبيل سيتي جروب وجيه بي مورجان تشيس.

النتيجة الرئيسية لهذا النظام الجديد يمكن أن تعني تخفيضاً حاداً في مستوى الديون التي يمكن أن يحملها كل من بنك جولدمان وبنك مورجان ستانلي في ميزانيته العمومية.

خلال الأيام المحمومة التي سبقت الأزمة الحالية، عملت الديون الثقيلة على تضخيم أرباح البنوك الاستثمارية من خلال تمكينها من تحقيق أرباح هائلة بإقراض كميات صغيرة نسبياً من رأس المال.

إن تقليص كمية الديون الصادرة لن يكون من شأنه فقط الضغط على الأرباح المستقبلية للبنكين، وإنما كذلك تقييد نطاق نشاطاتهما، مثل خدمات الوساطة المالية المتخصصة لعملاء صناديق التحوط والتداول في الأوراق المالية والبورصات لحساب البنك نفسه.

يوم أمس قلل التنفيذيون في بنك جولدمان و"مورجان ستانلي" من أهمية هذه المخاوف، وقالوا إن البنكين كانا يعملان على تقليص الديون الثقيلة منذ اندلاع أزمة الانقباض الائتماني، ويجادلون بأنهم سيعوضون عن ذلك بالعمل بقدر أكبر من الجد في مجالات أخرى.

قال أشخاص مقربون من بنك جولدمان، إنه لم يتخل عن تعهده بدفع عوائد على حقوق الملكية، وهو مقياس للربحية، مقداره نحو 20 في المائة في المتوسط خلال كل دورة من دورات الأعمال.

وهم يرون أن اختفاء بنكين منافسين، أي بنك ليمان وبنك بير شتيرنز، يجعل الآن من السهل على البنوك الباقية الفوز بأعمال جديدة وزيادة الرسوم التي تتقاضاها على خدماتها، ما يعمل على تعويض الأثر السلبي لتقليص الديون الثقيلة.

إضافة إلى ذلك تواجه جميع البنوك قيوداً صارمة على استخدامها ودائع عملاء التجزئة التي تستفيد منها في تمويل أعمالها في الأسواق الرأسمالية، وهو من شأنه تقليص المزايا التي تتمتع بها البنوك التجارية دون مصرفي مورجان ستانلي وجولدمان ساكس.

مع ذلك، فإن من المؤكد أن بنك مورجان ستانلي، الذي أنهى يوم أمس بصورة رسمية محادثات الاندماج مع بنك واتشوفيا، وبنك جولدمان ساكس سيتوجهان الآن نحو ودائع عملاء التجزئة.

ورغم أن المصرفين نفيا بالأمس وجود أية شهية لديهما لفتح شبكة عادية من الفروع وفتح حسابات جارية، كما تفعل البنوك الأخرى، إلا أن من المرجح أنهما سيستفيدان من قدرتهما على استخلاص هذا المورد التمويلي المستقر وطويل الأمد.

يتوقع بعض المحللين من البنكين أن يتطلعا إلى الاستحواذ على شركات إقراض صغيرة أو ودائع من البنوك التجارية المعتلة.

بل إن بعض الخبراء يتوقع أن تقوم الأجهزة الرقابية بتخفيف القواعد المحاسبية التي تعمل على تثبيط عمليات الاستحواذ على المؤسسات المعتلة لتسهيل شراء "واشنطون ميوتشوال" المعتلة، على سبيل المثال، من قبل "جولدمان ساكس" أو "مورجان ستانلي".

الخط الزمني
* 16 حزيران (يونيو) 1933: أقر الكونجرس الأمريكي قانون جلاس ستيجول، الذي يحظر على البنوك التجارية التعامل في أعمال المصرفية الاستثمارية. وقد وضع هذا القانون كاستجابة طارئة لانهيار نحو خمسة آلاف بنك أثناء فترة الكساد العظيم. وتحولت أعمال الودائع إلى البنوك التجارية وأعمال الضمان المالي وإصدار القروض الجماعية إلى البنوك الاستثمارية.

* 1934 انشقاق بنك جيه بي مورجان: تواصل الشركة أعمال الودائع المصرفية، في حين أن ثلاثة مصرفيين من "مورجان ستانلي" يدخلون المصرفية الاستثمارية.

* 1971 بنك ميريل لينتش يدرج أسهمه في نيويورك.

* 1985 بنك بير شتيرنز يطرح 20 في المائة من أسهمه للاكتتاب العام لزيادة قدرته على تمويل الصفقات الكبيرة.

* 1986 بنك مورجان ستانلي يتحول إلى شركة عامة، سعياً لتوسيع قاعدته الرأسمالية.

* 1994 بنك ليمان براذرز يدرج أسهمه في البورصة بعد صراع على السلطة بين قسم المصرفية الاستثمارية وقسم أعمال التجزئة.

* 1998 بنك سيتي بانك يندمج مع "ترافلرز"، منشئاً بذلك شركة مالية عملاقة قيمتها 33 مليار دولار.

* 1999 يدرج بنك جولدمان ساكس نفسه على البورصة، ولكنه لا يطرح للاكتتاب العام إلا 12 في المائة فقط من أسهمه.

* 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1999 الرئيس بيل كلينتون يلغي قانون جلاس ستيجول. البنوك التجارية تدخل السباق على ضمان الاكتتابات والتداول في الاستثمارات المهيكلة المعقدة.

* آذار (مارس) 2008 يباع بنك بير شتيرنز إلى بنك جيه بي مورجان تشيس مقابل دولارين لكل سهم في عملية تهدف إلى إنقاذ البنك المنهار بمساعدة من البنك المركزي الأمريكي