الاقتصادية - خلال الأسبوع الماضي تعرضت أسهم البنوك إلى ضربات لا يستهان بها، بل إن بعضها تلقى ضربات موجعة إلى درجة أنه لم يكن هناك وقت للأخذ بحلول أخرى، فقد أعلن بنك ليمان براذرز إفلاسه، ويتم الآن الاستحواذ على بنك ميريل لنتش وعلى هاليفاكس بانك أوف سكوتلند HBOS. وفي ظل الجيشان الذي من هذا القبيل، يتعرض العاملون بالبيع على المكشوف إلى اللوم بصورة خاصة من بين الجميع، والآن تسعى الجهات التنظيمية والرقابية للحد من نشاطهم.

الذين يتعاملون بالبيع على المكشوف يستفيدون في حالة هبوط أسعار الأسهم على نية شرائها من جديد بعد هبوط أسعارها. في الأوقات العادية يساعد هذا النوع من التعاملات على إنشاء أسعار السوق للأوراق المالية. لكن في ظل الأزمة الحالية يجعل المتعاملين بهذا النوع من التعاملات هدفاً سهلاً للوم حين تهوي الأسعار، ما يعمل على تبديد الثقة في الأسهم.

دور المتعاملين بالبيع على المكشوف في الانهيار الأخير لأسعار الأسهم ليس واضحا. لكن يبدو أن بعضهم يستفيدون عمداً من أية شركة توجد عليها ديون تمويلية ثقيلة ويستغلون الافتقار العام إلى الثقة في الأسواق. وهناك جزء آخر من اللعبة، وهو المراهنة على عمليات إنقاذ الشركات التي يتضرر مساهموها لكن يتم إنقاذ دائنيها، خصوصاً في أعقاب قرار الحكومة الأمريكية إنقاذ وكالتي فاني ماي وفريدي ماك، ومجموعة التأمين الأمريكية إيه آي جي AIG.

من حيث المبدأ، بيع أسهم إحدى الشركات على المكشوف ربما يكشف شكوكاً مشروعة حول سلامتها المالية. لكن سلامة المؤسسة يصعب تقديرها في الوقت الحاضر لأن أسعار السوق يكاد يكون في حكم المستحيل تقديرها بالنسبة للموجودات التي من قبيل الموجودات السامة التي تقع في قلب الأزمة الحالية. وبالتالي يصبح من الصعب معرفة ما إذا كان سعر السهم لشركة معينة قد هبط على نحو غير مبرر بفعل المعلومات المتاحة.

تدرس السلطات الأمريكية الآن إصدار قرار إلزامي بالإفصاح عن المراكز المشكوفة يوميا. ويمكن لهذا الإجراء أن يتيح للأجهزة الرقابية تقدير وقع تعاملات البيع على المكشوف. كما أن هيئة الأوراق المالية والبورصات تشدد قبضتها الآن على تعاملات البيع على المكشوف "العارية"، أي التي لا يقوم فيها البائع على المكشوف باقتراض السهم ولا تسليمه.

وفي لندن ذهبت هيئة الخدمات المالية خطوة أبعد ليل الجمعة، وأصدرت حظراً عاماً على التعامل بالبيع على المكشوف في أسهم الشركات المالية.

إن اللجوء بصورة متزايدة إلى إجراءات كريهة لاحتواء القوى التي يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار يبين مدى تحول وجهات النظر. فالسياسات التي كانت فيما مضى يبدو أنها تفتقر إلى الإنصاف والتقدير أصبحت فجأة تبدو وكأنها إلزامية. مثلا، استحواذ لويدز تي إس بي Lloyds TSB على هاليفاكس بانك أوف سكوتلند، لم تكن الحكومة في الأحوال العادية تسمح بحدوثه، وحجتها في ذلك الافتقار إلى الأسس التنافسية.

هناك من يرتاب، وإن كان بلا دليل، في أن بعض البائعين على المكشوف ربما كانوا متواطئين فيما بينهم لدفع الأسعار عنوة نحو الهبوط. توجد أنظمة مصممة لمعاقبة أي شخص يثبت عليه التلاعب في السوق على هذا النحو، لكن هذا لم يكن قط مسألة سريعة وحاسمة.

في هذه الظروف المحمومة، الإجراءات المتخذة ضد البيع على المكشوف ربما تكون ضرورية تماماً، لكن ليس هناك أدنى دليل على قدرتها على تحقيق أهدافها. فهناك خطر أن تترسخ الإجراءات المؤقتة وتصبح دائمة.

بصرف النظر عن هذه المخاطر، المؤسسات التي شاهدت أسهمها وهي تهوي إلى الأدنى يفترض أن تظل أنظارها مركزة على تنظيف ميزانياتها العمومية. فهذه طريقة أكثر كفاءة بكثير لإنقاذ الشركة من شن حرب على البائعين على المكشوف.

الأسواق المالية الناجحة حيوية بالنسبة للاقتصاد ككل، والبيع على المكشوف جزء مهم من آلية وحركة السوق. لكن حين تصاب السوق بأضرار وتتعطل إلى هذا الحد، فلا بد أن تتدخل الجهات التنظيمية والرقابية، لأن إنقاذ النظام المالي نفسه يحتل في هذه الحالة الأهمية القصوى.