الاقتصادية - لأحداث الدرامية خلال الأيام الماضية - انهيار ليمان براذرز، وشراء ميريل لنتش السريع، وضعف AIG، والتهديدات التي تواجهها المؤسسات الأخرى – ليست لها جميعاً سابقة تاريخية فعلية.

من المستحيل أن نجد، منذ الكساد العظيم، حالات مشابهة لنطاق الأزمة المصرفية التي حدثت هذا الأسبوع. فالانفجارات الداخلية التي حدث نهاية الأسبوع لا تبدو على الإطلاق مثل التجربة الأمريكية للكساد، التي اجتاحت البلاد خلالها موجة بعد موجة من الفزع الذي أحدث دماراً واسعا، بضربه المؤسسات الصغيرة المكشوفة أمام ظروف السوق المحلية.

أما أزمة اليوم، فهي على النقيض من ذلك، في صميم النظام المالي وتهدد نمطاً معقداً من ضمانات الائتمان ودعائم التأمين، التي قيل إنها جعلت النظام المالي موثوقاً.

أما المصرفيون، فإنهم مثل أي شخص آخر، يفضلون أن يكونوا مرتاحين. وفي منتصف أي حدث، سواء ضعف في المصرفية أو اضطراب مالي، فإن ادعاءهم الذي يكررونه دائماً هو أنهم تعلموا الدروس الصحيحة من فترة الكساد العظيم. وأصبح ذلك مادة للثقة بأن كارثة ما بذلك الحجم لا يمكن أن تحدث مرة أخرى.

في الثلاثينيات تحديداً، كان صنع السياسات النقدية مشلولاً. ومن هذه القصة جاء درس بسيط مفاده أن جميع صانعي السياسة استوعبوا من الكتاب المهم لمليتون فريدمان وآنا شوارتز "التاريخ النقدي للولايات المتحدة" Monetary History of the United States، ومن فصله الرئيسي حول التراجع العظيم. وتوصية السياسة بسيطة: تناط بالبنوك المركزية مسؤولية عدم السماح بأن يتبع أي بنك منهار تراجع نقدي انكماشي.

إن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا، تقوم حالياً بأكثر من مجرد إنجاح هذا الدرس. إنهم يقدمون مبالغ ضخمة من السيولة والإقراض مقابل نطاق واسع على نحو متزايد من الأصول (تتضمن الأسهم حالياً). وتعتقد البنوك المركزية أنها في حاجة إلى وقف رد الفعل التسلسلي لانهيارات القطاع المالي التي تؤدي إلى مرحلة تتوقف فيها البنوك عن تقديم القروض لأي جهة كانت.

هذا الدرس بشأن السيولة ليس نفسه الذي استنبطه فريدمان وشوارتز، بل أكثر قِدماً. فهو ينبع من التجربة البريطانية خلال الأزمة المصرفية التي حدثت في القرن الـ 19، وظهر في أقوى صورة له في كتاب الاقتصادي الإنجليزي وولتر باجهوت "لومبارد ستريت".

كان باجهوت النسخة السابقة للغطاء المريح للمصرفيين. ويعتمد مذهب توافر السيولة على الفصل الواضح بين السيولة والملاءة. وكان باجهوت واضحاً للغاية بشأن هذه النقطة: مسؤولية البنك المركزي تكمن في حقن السيولة المؤقتة من أجل معالجة مشاكل نقص السيولة المؤقتة، لكن ليس المؤسسات التي لا تتمتع بالملاءة. لكن إذا كان مذهبه فعالاً للغاية كعلاج للأزمة، فلماذا حدث الفزع والانهيارات إبان الكساد العظيم؟

المشكلة أن الكساد العظيم كان مختلفاً تماماً عن فزع باجهوت، مثلما هي مشكلاتنا الحالية. وفي وسط أي شعور بالفزع لا ينبثق فجأة، وإنما ينبع من مشكلات التقييم (مثل أزمة القروض العقارية لضعاف الملاءة)، عندما تتوقف الأسواق عن نقل مؤشرات الأسعار بفاعلية، يصبح من المستحيل معرفة ما تعنيه الملاءة. وفي واقع الأمر، إحدى سمات تقديم ليمان طلب إعلان الإفلاس، هو بيان الأصول والمطلوبات، الذي ما زالت الأصول فيه مسجلة على أنها أكبر من المطلوبات.

إذا كانت هناك أوجه شبه بين الكساد العظيم وقصة اليوم، فإنها مع حدث في أوروبا القارية، حيث انفجرت المؤسسات الكبيرة والمعقدة الموجودة في صلب الشبكة المالية: كريديتانسالت في النمسا، أو بنك دارمشتاتر في ألمانيا، أو النظام المصرفي الإيطالي برمته. وكما هي الحال في أزمة اليوم، فإن فشل كل مؤسسة كبيرة يشعل بحثاً عما هو الهدف التالي. والحلول المحتملة عندئذ كانت تماماً مثل تلك المعروضة اليوم. ويمكن للمؤسسات الكبيرة أن تنقذ نفسها بنظام دعم ائتماني. وكانت البنوك المركزية في ذلك الوقت تأمل في أن الأمر مشكلة سيولة فقط. وفي المحادثات بشأن الأزمة في نهاية الأسبوع، الذي سبق فشل بنك دارمشتاتر في 13 تموز (يوليو) 1931، ألحت الحكومة الألمانية على أكبر البنوك وأكثرها سلامة، دويتشه بانك، أن يدعم منافسه المتوعك. وأجاب مديروه بأنهم لم يستطيعوا الحكم على حجم الانكشاف، ولا يمكنهم بناءً على ذلك، اتخاذ المخاطر التي ربما تسهم في انهيار مؤسستهم.
من ناحية أخرى، فإن الحكومة أو البنك المركزي يمكن أن يقدما القروض مقابل أصول البنك، والتظاهر مرة أخرى، بأن المسألة قضية سيولة فقط، لكنهما يخاطران بأن ينتهي الأمر بهما بالاستحواذ على تلك الأصول إذا كانت المشكلة تتمثل في الملاءة. وانتهى الأمر بالحكومة الإيطالية وهي في هذا الموقف، واقتضى الأمر أن تدمج أصول البنوك في شركة قابضة تابعة للدولة "آي أر آي"، أدارت لستة عقود معظم الاقتصاد الإيطالي.

شلل السياسة الذي أحاط بالكساد العظيم جاء من الظروف الاستثنائية للفزع الكبير والدائم. ولأن الأسعار توقفت عن إعطاء إشارات مناسبة، لم يستطع أحد فعلياً تطبيق مذهب باجهوت. وكان غطاء الراحة عديم الجدوى، وصانعو السياسة ببساطة في حالة تجارب وكانوا يأملون في الأفضل. فلو أنك حصلت على ما يكفي من السيولة ربما تستطيع أن تتخلص من المذاق السيئ لعدم الملاءة.

كانت السياسة إبان الكساد العظيم مرتجلة، وبأثر رجعي، وغير ملائمة. ولهذا السبب كان بديل الغطاء المريح جذاباً للغاية، رغم أنه لم، ولن، يتعامل مع القضايا التي أثارها التعثر المالي.

واليوم، ثمة مخاطر فعلية. فمن ناحية توجد الإجراءات غير الملائمة، ومن الناحية الأخرى الإجراءات التي لها تأثيرات سلبية مدمرة طويلة الأجل. وتقييم تلك المخاطر هو حكم لا يقدم التاريخ بشأنه أي دروس ثابتة.

إن ضعف AIG، والتهديدات التي تواجهها المؤسسات الأخرى، جميعها ليست لها سابقة تاريخية فعلية.