الاقتصادية - بل بضعة أشهر اعترف مسؤول كبير في البنك المركزي الأوروبي بأن صانعي السياسة يشعرون وكأنهم منخرطون في حرب مالية. وأضاف أن المشكلة الوحيدة في ذلك هو أنه كانت هناك صعوبة جهنمية في التوصل إلى معرفة من هو العدو الحقيقي بالضبط، أو معرفة مكانه.

هذا التعليق ربما يردده من جديد الزعماء الماليون الأمريكيون حاليا. وفي وقت متأخر من الأسبوع الماضي أطلق هانك بولسون، وزير المالية الأمريكي، أقوى قذيفة في جعبته التي فصلها بنفسه، وهي اقتراح باستخدام 700 مليار دولار (485 مليار يورو، 382 مليار جنيه استرليني) من أموال دافعي الضرائب لشراء السندات السامة (إلى جانب الأموال التي ستستخدم لشراء مجموعة التأمين الأمريكية AIG أو لمساندة ودعم صناديق أسواق المال).

من وجهة نظر الأسلحة الثقيلة فإن هذا يعد ضربة قوية تماماً, ولكن السؤال المهم بقيمة 64 ألف مليار دولار هو إذا ما كانت هذه القذيفة قادرة بالفعل على إنهاء القتال. السبب في هذا التساؤل هو أنه في الوقت الذي يتم فيه استيعاب مضامين وتبعات أحداث الأسبوع الماضي، فإن صانعي السياسة يواجهون تحدياً فائق الصعوبة يتمثل في إقناع المستثمرين القادرين على قلب مجرى التيار الأخير من الخوف المطلق وتحويله إلى الجشع. المشكلة أن المصالح والأمور المتعلقة بهذه المعركة متشابكة وقوية تماماً. إذ يجب ألا ننسى الحقيقة المرة التي تقول إنه إذا أخفقت هذه القذائف الأخيرة في تهدئة المخاوف والهلع، فإن بولسون بكل بساطة لا توجد في جعبته أي قذائف أخرى.

لا شك أن هناك أسباباً تجعلنا نرجو أن يكون التيار في حالة تحول الآن. ذلك أن خطة المعركة التي اقترحتها وزارة المالية السبت الماضي هي خطة عجيبة قوية وتتصدى لبعض الأسباب التي أدت إلى موجة الرعب الحالية. ولكن السبب الأقوى هو أن أحداث الأسبوع الماضي تُظهِر كذلك أنه يوجد الآن تعاون عالمي نشط مستبِقٍ للأحداث في هذا القتال (حتى إن كان بعض وزراء المالية الآخرين يشعرون إلى حد ما بالمفاجأة من الدرجة التي يفرض فيها على الأسواق ما يُعتبَر وكأنه المعادل المالي للأحكام العرفية).

ولكن الأحداث الأخيرة كذلك كان من شأنها إنهاك أعصاب المشاركين في السوق إلى درجة قريبة من الانهيار. وهذا من شأنه خلق مخاطر من أن النشوة بانفراج الأزمة يمكن أن تنقلب مرة أخرى إلى مشاعر الرعب والهلع. وفي حين أن أسواق الأسهم ربما تكون قد أنهت الأسبوع الماضي بمزاج بهيج فرحٍ في الساحة التي تهمها أكثر ما يمكن، وهي البواطن الغامضة لعالم الائتمان والسندات، إلا أن الرعب لا يزال منتشراً على نطاق واسع.

خذ مثلاً سوق القروض بين البنوك. في الأسبوع الماضي هوت تكلفة القروض لليلة واحدة في القطاع (عند قياسها بسعر فائدة ليبور) بعد أن عرضت البنوك المركزية حقن مبلغ لفت أنظار الجميع ومقداره 180 مليار دولار صباح الخميس. ولكن الجمعة كانت تكلفة الاقتراض في أسواق المال لقروض ثلاثة أشهر، أي القطاع الذي لم تتدخل فيه البنوك المركزية بصورة مباشرة، كانت لا تزال في حالة تصاعد.

معنى هذا في الأساس هو أن شركات التمويل في جميع أنحاء العالم تظل خائفة تماماً حول سلامة البنوك على الأجل المتوسط. وهناك أسباب قوية لهذا الخوف. ذلك أن أحداث الأسبوع الماضي، حين قرر البنك المركزي الأمريكي إنقاذ مجموعة التأمين الأمريكية ولكنه ترك بنك ليمان براذرز ليواجه الإفلاس وحده، هذه الأحداث جعلت مسؤولي القروض الآن في حيرة من أمرهم حول أي المؤسسات هي السليمة. كما أنهم في حيرة من أمرهم حول الفترة الزمنية التي يمكن أن يستعيدوا فيها الأموال النقدية أو الموجودات التي علِقت في شبكة ليمان براذرز، من خلال عقود المشتقات أو صفقات التمويل الأخرى.

الحمد لله أن موضوع الضمان لم يعمل على إشعال رعب منظور، ويعود بعض السبب في ذلك إلى أن معظم المؤسسات كانت في الأسبوع الماضي في حالة من الاضطراب والتوتر والإنهاك إلى درجة أنها تريد فقط كسب الوقت.

ولكن مشكلة أصحاب الأموال والقروض لا تزال تشكل خطراً حقيقياً إلى درجة أن مسننات النظام يمكن أن تبدأ بالتجمد من جديد خلال الأيام المقبلة. ففي اليابان، وهذا مجرد مثل واحد صغير، جفت سوق إعادة شراء السندات من السيولة لأن انهيار الفرع الياباني لبنك ليمان براذرز أدى إلى عدم إتمام عدد هائل من عقود إعادة الشراء.

وفي أوروبا تشعر بعض صناديق التحوط بالرعب لأنها لا تستطيع استعادة السندات التي قدمتها كضمانات للقروض التي أخذتها من بنك ليمان براذرز، ما يدفع هذه الصناديق لإنهاء صفقات معلقة في غير مواعيدها. من جانب آخر فإن عدداً من صناديق التحوط الأخرى في نيويورك ولندن تسعى الآن لاستعادة سندات الضمان من مجموعات أخرى، وهذا يخلق المزيد من الضغوط. كما أن الحظر على المراهنة على ما لا يُملَك من الأسهم ألقى بحجر آخر في طريق هذه الصناديق، ما يضطر بعض مكاتب التداول إلى إيقاف أعمالها ويوقظ المخاوف حول إمكانية انهيار عدد من صناديق التحوط. وهذا بدوره يدفع البنوك الآن إلى مطالبة الصناديق بتزويد الأموال لتغطية حسابات خاصة في صفقاتها القائمة على المراهنة على هبوط أسهم معينة.

بطبيعة الحال ليس من الضروري أن تكون أياً من هذه المشكلات عصية على الحل. فإذا انتشر التفاؤل الذي ساد أسواق الأسهم في الأسبوع الماضي وامتد إلى قطاع الائتمان هذا الأسبوع فإنه سيمكن استعادة الثقة بهذه الحالة. بعبارة أخرى فإن ما يحتاج إليه النظام المالي هو اتباع النصيحة التي ألقيت في الحرب العالمية الثانية: المطلوب فقط هو المحافظة على الهدوء (ويفضل أن تتناول أثناءها كوباً من الشاي). ولكن أحداث الأسبوع الماضي قضت على معظم التعقل والصبر لدى المستثمرين. فهذه حرب نفسية هائلة. وليس بمقدور بولسون ولا بقية عالم صانعي السياسة في الولايات المتحدة أن يتحملوا تكاليف أي خطوة خاطئة الآن.