الاقتصادية - كشفت أزمة الائتمان الأمريكية عن أنياب إضافية ما زالت تغرسها في النظام المالي العالمي، ومن نتاج تلك الأزمة إعلان بنك جولدمان ساكس وبنك مورغان ستانلي أنهما حصلا على موافقة السلطات ليصبحا شركتين مصرفيتين قابضتين تخضعان لضوابط مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) مما يعني فعليا القضاء على نموذج العمل المصرفي الاستثماري الذي هيمن على "وول ستريت" طوال أكثر من 20 عاما.

وتتيح هذه الخطوة لكل من "جولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي" أخذ ودائع والحصول على تمويل بشكل أكثر يسرا كما تمنحهما مزيدا من المرونة لشراء بنوك تجزئة.

وجاء هذا التحول بمبادرة من "جولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي" وهما المصرفان الوحيدان اللذان لا يزالان قائمين بين البنوك الاستثمارية الأمريكية المستقلة عقب انهيار بنك ليمان براذرز وشراء بنك باركليز البريطاني لبنك ميريل لينش الأسبوع الماضي.

ويأتي التحول في إطار موجة تغيرات كاسحة في "وول ستريت" وسط اضطرابات الأسواق المالية خلال الأسبوعين الماضيين. ويعني هذا التحول أن المؤسسات التي كانت تتحرك بحرية مطلقة في السابق ستخضع الآن لقواعد وقيود صارمة من البنك المركزي من بينها شروط مشددة لمتطلبات رأس المال.

ومن شأن هذا أن يحد من قدرة البنكين على استغلال جبال الأموال المقترضة في تمويل عمليات تداول لحسابه وهو ما سيقلل بالتالي من فرص تحقيق الأرباح العملاقة التي كانا يحققانها إلى أن بدأت أزمة الائتمان تعصف بالسوق المحلية هذا العام.

وقال كيربي ديلي كبير المحللين الاستراتيجيين في مجموعة نيو ايدج في هونج كونج "توقيت هذه الخطوة التي تتزامن مع كل الخطوات الأخرى التي لم يسبق لها مثيل والتي جرى اتخاذها خلال الأسبوع الماضي يبرز الجدية التي تتعامل بها الحكومة والبنوك نفسها مع المخاطر قصيرة المدى التي تهدد استقرار الأسواق المالية".

وبموجب الترتيب الأخير تصبح الجهة التنظيمية الأولى المختصة بالإشراف على الشركتين الأم هي مجلس الاحتياطي وليس لجنة الأوراق المالية وأسواق الصرف ولكن اللجنة ستواصل تنظيم أنشطة هذين البنكين في مجال الأوراق المالية الأمريكية.

وفي مقابل تعزيز عملية الرقابة عليهما يصبح بوسع بنك جولدمان ساكس ومورغان ستانلي الحصول من البنك المركزي على قروض طويلة الأجل بخصم دون ضمان فيما يعرف باسم "نافذة الخصم". كما يمكنهما الحصول على ودائع مصرفية تتمتع بتأمين مؤسسة تأمين الودائع الاتحادية.

من ناحية أخرى قال شخص مطلع إن "مورغان ستانلي" أصبح الآن أقل اهتماما بالاندماج مع مجموعة واكوفيا كورب المصرفية وإن كانت المحادثات مستمرة مع أطراف أخرى.

وذكرت مصادر مطلعة على الموقف أن مجلس إدارة "مورغان ستانلي" عقد اجتماعا في مطلع الأسبوع لبحث موضوع واكوفيا واحتمال بيع حصة أكبر في البنك إلى صندوق الاستثماري الحكومي الصيني "تشاينا انفستمنت كورب".

وامتنع "مورغان ستانلي" عن التعليق على المحادثات، لكن قال في بيان إن الوضع الجديد سيمنحه "مرونة وثباتا للسعي وراء فرص عمل جديدة".

وهوت أسهم "جولدمان" نحو 45 في المائة في أول أربعة أيام من الأسبوع الماضي بعد أن بدا أن مؤسسات "وول ستريت" التي كان يعتقد من قبل أنها منيعة تماما عرضة للانهيار تحت وطأة الأزمة المالية.

وانتعشت أسهم البنك جزئيا وسط أنباء عن صفقة حكومية حجمها 700 مليار دولار لإنقاذ النظام المالي الأمريكي وحظر على بيع الأسهم المالية على المكشوف.

في سياق ذي صلة، حث مطشر المرشد ـ الخبير الاقتصادي السعودي ـ السلطات المختصة في البلاد على "إعادة النظر في بعض التشريعات" المالية التي أقرتها تلك الجهات لتنظيم العمل المالي والاقتصادي المحلي وبخاصة "بما يتعلق حتمية التمسك بفصل عمل البنوك التجارية عن الاستثمارية، وقال "يجب أن نستفيد من التشريعات التي تسن في عديد من الدول، لكن يجب أن تستحدث أنظمة خاصة بنا".

وبحسب المرشد فإن تحول البنكين الأمريكيين العملاقين ("جولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي") إلى شركتين مصرفيتين قابضتين، وتاليا تخضعان لضوابط مجلس الاحتياطي، يجيء إثر "إفراطهما" مثل عديد من البنوك الاستثمارية، في التمتع بالمرونة في تجميع رؤوس أموال حول العالم، مستدركا أنه "عندما كبرت كرة الثلج أصبحت تهدد السوق المحلية في الولايات المتحدة... لهذا تدخلت الحكومة الأمريكية".

وزاد الخبير السعودي، أن الأيام أثبتت أن أصحاب عديد من النظريات الاقتصادية شرعوا في "مراجعة حساباتهم"، وأنهم "يشعرون بالحاجة إلى إعادة النظر في تلك الأنظمة وتطويرها أو حتى تغييرها إن لزم الأمر"، وأن بات ملحا لإعادة ومراجعة عديد من التشريعات المحلية "التي قد لا تتناسب مع التطورات السريعة التي تشهدها القطاعات المالية والبورصات في العالم خلال السنوات الأخيرة"، وتساءل بحزم:" ماذا سنفعل، هل سنعيد النظر في بعض تلك التشريعات"، وزاد "من المهم الإفادة من التطورات التشريعية حول العالم، لكن في الوقت نفسه يجب أن نطبق أنظمة خاصة بنا تواكب المرحلة التي تمر بها سوقنا المالية واقتصادنا.. إن تطبيق أنظمة مستوردة من الخارج حتى لو كانت ناجحة هناك... فإنها قد لا تكون مناسبة لنا (في السعودية) في مرحلة ما".

وقال :"يجب ألا نستمر في تقبل جميع الخلطات الجاهزة من الخارج، حتى وإن كانت على يد أبرع المستشارين... قد تكون تلك الوصفات جهزت ووضعت من أجل تطور سوق معينة وأنها صالحة في مرحلة معينة، لكنها قد لا تنطبق على السوق السعودية في المرحلة الحالية"، وخلص إلى أنه " من الأهمية بمكان استمرارية البحث والتطوير المتسمرين لأنظمة التي تناسب الحالة الوطنية في كل اقتصاد وسوق".