الاسواق المالية تتجاوز اسبوعا داميا

BBCArabic.com | اقتصاد وأعمال | الاسواق المالية تتجاوز اسبوعا داميا



كان الاسبوع الذي بدأت المعاملات المالية فيه يوم الاثنين 15 سبتمبر/ايلول اسبوعيا تاريخيا للاقتصاد الامريكي، انهارت خلاله مؤسسات ظلت تعمل بنجاح لاعوام طويلة، واضطرت مؤسسات اخرى للاندماج خشية السقوط، وفي نهاية المطاف كان المخرج الوحيد للازمة هو تدخل الحكومة الامريكية بضخ مئات المليارات من الدولارات في الاسواق.


في يوم الاثنين، وقبل ان تفتح الاسواق المالية ابوابها، تم الاعلان عن افلاس بنك "ليمان براذرز"، رابع اكبر بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة، بعد فشل جهود المسؤولين الامريكيين من وزارة الخزانة وبنك الاحتياطي الفدرالي الامريكي (الذي يقوم بوظائف البنك المركزي) لانقاذ البنك.
وكانت هناك جهود لقيام بنك "باركليز" البريطاني بشراء "ليمان برازرز"، الا ان باركليز رفض الشروط الموضوعة للصفقة وقرر الانسحاب، واكتفى في نهاية الاسبوع بشراء صندوق استثمار يمتلكه "ليمان" ولم يتعرض للضرر من الازمة.
بورصة نيويورك شهدت حالة شديدة من القلق

وفي نفس اليوم تم الاعلان ان بنك "ميريل لينش"، وهو ايضا احد البنوك الاستثمارية الامريكية الكبرى، اضطر لقبول عرض شراء من "بنك اوف اميركا" خشية تعرضه ايضا للافلاس.


وتوالت الاخبار المزعجة لاسواق المال يوم الثلاثاء فقد اضطرت الحكومة الامريكية الى انقاذ شركة "ايه اي جي"، اكبر شركة تأمين في العالم، وذلك بشراء ديونها المتعثرة بمبلغ 85 مليار دولار وهو ما يعني عمليا ان الحكومة الامريكية قامت عمليا بتأميم الجزء الاكبر من نشاط الشركة العملاقة لانقاذها.
ويوم الثلاثاء ايضا اعلن الاحتياطي الفدرالي انه سيبقي سعر الفائدة عند 2% دون تغيير، في الوقت الذي توقع فيه محللون ان يتم تخفيض سعر الفائدة لتسهيل عمليات الاقراض وضخ مزيد من السيولة في الاسواق.


وكانت نتيجة التطورات التي شهدتها الاسواق خلال يومي الاثنين والثلاثاء ان شهدت الاسواق المالية انخفاضا حادا يوم الاربعاء، كما امتدت الازمة الى السوق البريطاني، اذ تدخلت الحكومة البريطانية لانقاذ "هاليفاكس- بنك اوف سكوتلاند" او "اتش بي او اس" عن طريق قيام بنك لويدز بشرائه بمبلغ 12 مليار جنيه استرليني. ورغم ان الصفقة انقذت البنك الا انها ستؤدي لخسارة آلاف الوظائف.


وفي يوم الخميس، ووسط مخاوف من تصاعد الازمة المالية، اتفقت البنوك المركزية في مجموعة من الاقتصاديات الرئيسية في العالم، ومنها البنك المركزي الاوروبي وبنك اليابان، على ضخ 180 مليار دولار في الاسواق عن طريق زيادة مشترياتها من سندات الخزانة الامريكية.


وفي يوم الجمعة اتخذ المسؤولون عن الاسواق المالية قرارا بوقف المضاربات قصيرة الاجل مؤقتا، وهو نفس القرار الذي سبقت بورصة لندن الى اتخاذه، وذلك بهدف الحد من الانخفاض في اسعار الاسهم. وفي نفس اليوم اعلنت الحكومة الامريكية خطة لاخراج الاسواق المالية من ازمتها الحالية، من ابرز معالمها انشاء صندوق بقيمة 800 مليار دولار لشراء حصة من الديون العقارية المتعسرة. وكانت نتيجة هذه الاجراءات ان عادت مؤشرات الاسواق المالية الى الارتفاع.
اسباب الازمة من الطبيعي ان تكثر التساؤلات عن اسباب هذه الازمة التي تطلبت انفاق مئات المليارات لامتصاص بعض آثارها.
بداية الازمة كما يوضح الخبير الاقتصادي محمد العسومي، هي التوسع الهائل في منح القروض العقارية في السوق الامريكي بدون ضمانات كافية وبمخاطر كبيرة مقابل سعر فائدة اعلى، والهدف هو تحقيق اكبر قدر ممكن من الارباح.
بين برنانك رئيس الاحتياطي الفدرالي (يسارا)، وديفيد بولسون وزير الخزانة (بالوسط) حاولا استيعاب الازمة

سارت الامور لسنوات على هذا النحو، لكن مع تراجع اسعار المنازل، ومع تراجع النمو الاقتصادي الامريكي اصبحت هناك قروض عقارية بمئات المليارات يعجز من حصلوا عليها على تسديدها.
وكان من ابرز ضحايا ازمة القروض العقارية مؤسستا "فاني ماي" و"فريدي ماك"، اللتين كانتا تقدمان نحو نصف القروض العقارية في الولايات المتحدة.
ويضيف الدكتور حازم الببلاوي مستشار صندوق النقد العربي سببا آخر بالغ الاهمية من وجهة نظره في تصاعد هذه الازمة، وهو التطور الهائل للاسواق المالية، وهذا التطور جعل هذه الاسواق بالغة التعقيد والتركيب، الامر الذي يخلق فرصا كثيرة، لكنه ايضا يزيد من المخاطر.
ويشير الببلاوي الى جانبين هامين في عمل الاسواق المالية في الوقت الراهن ربما ساهما في زيادة حجم المشكلة.
الجانب الاول هو عمليات "التوريق"، والتي تعني ببساطة قيام البنوك بتحويل ضمانات القروض التي تقدمها الى اوراق مالية تحصل بها على قروض جديدة. وهذه القروض الجديدة تقوم بنوك او مؤسسات مالية اخرى بتحويل جانب منها الى اوراق مالية تحصل بها على قروض جديدة وهكذا.
والنتيجة ان يكون هناك بناء مالي من عدة طوابق يمكن ان ينهار اذا انهار اي طابق منه.
اما الجانب الثاني فهو ارتباط كثير من المعاملات بالمستقبل، مثل ان يقوم مستثمر ببيع سلعة غير موجودة حاليا، ولكن ستوجد الشهر القادم اعتمادا على ان سعرها سينخفض وسيجني ارباحا من ذلك.
ويوضح الببلاوي ان المعاملات المستقبلية تقوم على الثقة فيما سيحمله هذا المستقبل، وبالتالي فان فيها مخاطرة عالية، وبالتالي اذا تراجعت الثقة تراجعت المعاملات بسرعة.
نتائج الازمة السؤال المطروح الآن: ما هي نتائج هذه الازمة؟ وهل تنجح الحكومة الامريكية في تخطيها؟ يرى العسومي ان السيولة الهائلة التي ضختها البنوك المركزية في الاسواق، والتي بلغت مئات المليارات من الدولارات في اسبوع واحد، ساهمت في امتصاص الازمة.
كما يرى ان اثر هذه الازمة على الاسواق العربية محدود لان استثماراتها موزعة بين عدة اسواق، وليس السوق الامريكية فقط، وان كان هناك من المستثمرين الافراد من سيعاني من الخسائر اذا كانت استثماراته كبيرة في الشركات التي تراجعت اسهمها.
ويتفق الببلاوي مع هذا الرأي ويتوقع ان تستمر الحكومة الامريكية في مساندة البنوك والمؤسسات المتعثرة لانها طالما دخلت لتقدم المساندة فسوف تضطر للاستمرار في ذلك.
وردا على من يرى ان تدخل الحكومة الامريكية في الاسواق يناقض اسس النظام الرأسمالي، يرى الببلاوي ان هذا النظام في ليس له ايديلوجية حاليا، ويواجه الظروف حسب مقتضيا المصلحة الاقتصادية، وهذا سر قوته واستمراره. كان يقال اثناء فترة الكساد الكبير في مطلع الثلاثينيات ان الدولة يجب الا تتدخل، لكن هذه الافكار تغيرت الآن.
الا ان هذه الازمة، كما يقول، تمثل درسا قاسيا للاسواق المالية يجب ان تتعلم منه.
وهذا ما يتفق عليه اكثر المحللين الذين تناولوا الازمة، اذ يرون ان الاسواق المالية لن تعمل بنفس الشكل مستقبلا، وانها بحاجة الى قواعد اكثر تشددا، خاصة بالنسبة لعمليات اعادة الاقتراض، حتى لا يمتد هذا الاسبوع الدامي الى اسابيع طويلة من الخسائر تتبخر خلالها مليارات الدولارات.