الاقتصادية - ذات مرة، لنقل قبل 18 شهراً تماماً، اعتاد صانعو السياسة والناقدون على الاعتقاد بأن المرشح الأكثر ترجيحاً لنسف العالم المالي هو صندوق تحوّط عالي التداول.

على الرغم من كل ذلك، تميّزت تلك الكيانات غير الخاضعة للتشريعات والمحبة للمخاطرة بشكل ما: تذكّر الأحداث الدرامية عام 1998 حول شركة إدارة رأس المال طويل الأجل، حين أشعل معظم المفكرين اللامعين في التمويل حالة قريبة من الانهيار.

لكن إذا كان هنالك درس مؤلم واحد استفاد منه المستثمرون على مدار الأشهر الاثني عشر الماضية، فهو أنه ليس أذكى شخص في الغرفة فقط بإمكانه نسف النظام، حيث يمكن أن يكون مهووسو المذاكرة المتبلدون، ومتثاقلو الحركة مميتين أيضاً. ففي هذا الأسبوع، على سبيل المثال، اهتزت الأسواق من ويلات المجموعة الأمريكية الدولية - AIG، وهي عملاقة تأمين غير أخاذة، حيث لم يكن من المفترض أن تعمل في نشاط عملي يستلزم المجازفة في مخاطر بالغة. على أية حال، فإن الفصول الأولى للقصة الائتمانية الزاخرة بالبطولات الائتمانية كانت تتمثل في شركات التأمين صناعة ذات الخط الواحد، وصناديق أسواق المال، وقطاع الأوراق التجارية، والأدوات الاستثمارية المهيكلة، حيث هي التي هزّت النظام.

إن ما يوحّد هذه القائمة المتنوعة كما يبدو، هو أن كل تلك القطاعات المالية اعتادت الظهور بمظهر الثبات والأمان. ففي بعض النواحي، كانت بمثابة حيوانات تقتات الأعشاب من العالم المالي. وكانت بالفعل مملة للغاية، على الأقل مقارنة بصناديق التحوّط آكلة اللحوم، إلى درجة أنها كانت مهملة في العادة من قبل المشرعين والمستثمرين على حدٍ سواء.

غير أن الملل يلدغ بانتقام في الوقت الراهن. خذ حالة المجموعة الأمريكية الدولية على سبيل المثال. فبينما تتحرك أزمتها، لا تزال هنالك الكثير من الأمور غير الواضحة بشأن ميزانيتها العمومية، فليس من فراغ أطلق محللو سيتي جرووب العام الماضي عليها لقب "الصندوق الأسود".

فعلى ما يبدو الآن، فإن حصة كبيرة من خفض قيمة الأصول الذي بلغ 41 مليار دولار للمجموعة الأمريكية الدولية، تعود إلى التعامل فيما يُدعى بـ الأدوات المالية فائقة التميّز، أو الكميات الوافرة والأكثر أهمية من تجمعات المديونية المدعومة بالرهون العقارية وسندات الشركات.

حتى الصيف الماضي، كانت تلك الأدوات تُعتبر آمنة وغير مثيرة إلى أبعد حد، حتى أنها حملت تقييم AAA، ونادراً ما تحرّكت أسعارها. وكان ذلك لأن تلك الأدوات تربّعت على عرش الهيكلة الرأسمالية، حيث لا تعاني من الخسائر إلا إذا حدث تسونامي من التخلف عن سداد الديون. وفي الأيام الهادئة قبل الانهيار الائتماني وجد أغلب المستثمرين، ووكالات التقييم، أن من المستحيل تصوّر مثل هذه الصدمة. على أية حال، فإن هذا السيناريو الذي لم يكن متصوراً فيما مضى بدأ الآن بالتجسّد في العلاقة مع بعض حزم المديونية المرتبطة بالرهون العقارية، مؤدياً بسعر المديونية فائقة التميّز إلى الهبوط فيما يتراوح بين 30 إلى 60 في المائة، وفقاً لمعايير مختلفة، الأمر الذي عمل على تكبد خسائر ضخمة بسعر يعكس القيمة السوقية الحالية في الكيانات التي تحتفظ بها، مثل ميريل لونش، ويو بي إس،

وأصابت المجموعة الأمريكية الدولية، من حيث الأوراق المالية التي تمتلكها، أو التي أمّنت عليها.

أما بالنسبة لمديري المجموعة الأمريكية الدولية، فبدا الأمر كصدمة مدمّرة: بالفعل، كانت الخسائر غير متوقعة إطلاقاً، حيث حتى أواخر العام الماضي، لم تكن الشركة تعترف سوى بـ 1.5 مليار دولار من الخسائر المتعلقة بالديون فائقة التميز التي تمت مراجعتها تباعاً مرات عديدة.

ولكن الأخبار مروعة أكثر بالنسبة للمستثمرين، على الرغم من كل ذلك. وإذا كان هنالك جانب من النظام المالي يُفترض به فهم علاقات ارتباط المخاطر، فإنه يجب أن يكون عالم التأمين. وعلى الرغم من ذلك، تعثّرت المجموعة الأمريكية الدولية على الأقل مرتين من تلك الناحية. فعلى المستوى الجزئي، فشلت مجموعة التأمين على ما يبدو في إدراك أن نماذجها قللت من شأن مخاطر المديونية "فائقة التميّز"، والقضية هنا تقنية، ولكنها تدور حول كيفية متابعة النماذج لعلاقات التخلف عن السداد.

على صعيد أوسع، فشلت المجموعة الأمريكية الدولية كذلك في فهم كيف يمكن أن يكون مصير الديون فائقة التميّز الأهمية الفائقة مرتبطاً بما يجري في أجزاء أخرى من العالم المالي. والأمر الذي أدى إلى هبوط السعر بقسوة هذا العام هو أن كافة المؤسسات التي كدست في السابق تلك الديون فائقة التميّز "المملة" في سجلاتها احتاجت إلى بيعها على الفور. ولهذا السبب، تشكّل انحدار لولبي شديد.

أخذ كل ذلك المجموعة الأمريكية الدولية على حين غرة. بل الأسوأ من ذلك أنه، خدع المشرعين على غير ما هو متوقع أيضاً. وذلك إلى حدٍ ما لأن المجموعة روقبت من قبل مشرعي التأمين خلال الأعوام الأخيرة الماضية، بعضهم قد لا يدرك ماهية التزامات الديون المضمونة إذا ما أصابتهم بقوة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن صانعي السياسة الذين لم يكونوا على علم بشأن التزامات الديون المضمونة مالوا إلى إعارة القليل من الانتباه لكيانات مثل المجموعة الأمريكية الدولية: ففي النهاية، كان أغلبهم يراقب صناديق التحوط تلك.

لا عجب إذن من أن العاصفة الحالية بدت كصدمة مروعة بالنسبة للأسواق. ولا عجب أن تلك الثقة بالنظام تنهار سريعاً. ومع ذلك، بينما يترنح المستثمرون من ويلات المجموعة الأمريكية الدولية، فإن السؤال المهم الذي يتردد على شفاه الكثيرين هو: كم هو عدد اللدغات المملة إلى الآن في العالم المالي التي يمكن أن تطلق العنان لفظائع جديدة؟ الرجاء إرسال الإجابات على بطاقات بريدية. والأفضل أن تواصل مراقبة سوق التزامات الديون المضمونة.