الاقتصادية - انهيار "ليمان براذرز" وشراء "ميريل لينش" والأزمة في أكبر شركة تأمين في العالم، أيه. آي. جي، أثارت المخاوف بين المستثمرين على نطاق عالمي من الخطر الذي يكتنف النظام المالي للقوة العظمى في العالم.

كيف تغيرت الأمور؟ في الحقيقة ، مرّ يوم حين قامت الدول المضطربة بالطلب من الولايات المتحدة أن تنقذها خلال أزمة اقتصادية، وفي قاعات بيت أبيض كلينتون تقررت كفالة كوريا الجنوبية وإندونيسيا خلال الأزمة المالية الآسيوية لعام 1997، وقام صندوق النقد الدولي بتطبيق تلك الكفالة.

واليوم تمر أمريكا في ضائقة، وآسيا (والشرق الأوسط) ألقت بطوق النجاة، وصناديق الثروة السيادية الآسيوية، ولا سيما الأموال الصينية والسنغافورية، وفرت رأسمال مهما لـ "وول ستريت" خلال الأشهر الماضية.

واليوم يمكن لآسيا أن تذكرّ أمريكا بالدروس التي تعلمتها بشكل مؤلم خلال الأزمة المالية لعام 1997، ويمكن لآسيا أن تذكر أمريكا بالسياسات التي وعظت بها حكومات المنطقة بعد عام 1997، بأهمية إدارة الشركات الرشيدة والإشراف التنظيمي.

اخذوا تجربة إندونيسيا عام 1997 كمثال (وهي لا تختلف كثيرا عن الورطة الأمريكية الحالية)، فممارسات الإقراض السيئة والضعف التنظيمي شجعت البنوك الإندونيسية على إقراض الشركات بطيش دون ضوابط مناسبة للائتمان، وأقرضت البنوك مبالغ لا تتناسب مع قاعدتها الرأسمالية القادرة على تغطية القروض، وحين فقدت العملة الإندونيسية قيمتها بسرعة بدأ المقترضون يتخلفون عن الدفع وانهار الكيان، وحين تخلفت شركة تاكسيات إندونيسية، Steady Safe عن دفع قرض قيمته 260 مليون دولار، جرّت معها بنكا استثماريا بارزا مقره في هونج كونج، Pregrine الذي أقرض تلك الشركة ثلث رأسماله.

وأدى فشل Steady Safe وشركات أخرى كثيرة إلى تسونامي اجتاح نظام اندونيسيا المالي، وعانت البنوك عمليات سحب أموال ضخمة وتدخل البنك المركزي لإنقاذها، لكن البنك المركزي نفسه نفد ما عنده من أموال، ومع تصاعد الخسائر توجه النظام المالي بأسره نحو الانهيار.

وفي النهاية، ركعت إندونيسيا مستسلمة، وقلة من الناس يمكن أن ينسوا صورة الرئيس الإندونيسي سوهارتو وهو يوقع على اتفاقية كفالة مع صندوق النقد الدولي، وكان رئيس البنك مايكل كامد يسوس يقف إلى جانبه، واضطرت ربع البنوك الإندونيسية إلى إغلاق أبوابها. وأصبح الائتمان نادرا الأمر الذي خنق الاقتصاد الحقيقي. وارتفعت البطالة بسرعة وفي ربيع 1998، اندلعت الاضطرابات في جاكرتا (وكانت إلى حد كبير تستهدف الجالية الصينية المحلية) وتنحى الرئيس سوهارتو بعد 32 سنة في المنصب.

وكما هو حال بنك إندونيسيا قبل 11 سنة، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي تولى مهمة كفالة مؤسسات مالية طائشة وعلى عكس بنك إندونيسيا، فإن الاحتياطي الفيدرالي يملك ترسانة أفضل للتعامل مع مثل هذه الحالة الطارئة، ولكن، وعلى عكس بنك إندونيسيا يجب على الاحتياطي الفيدرالي أن يتعامل مع مؤسسات ضخمة مثل أي. أي. جي و Fannie Mac , Fredric Mac ومع عدد مازال غير معروف من الشركات التي قد تحتاج إلى طوق نجاة.
وإذا كان هنالك شيء واحد يمكن لأمريكا أن تتعلمه من إندونيسيا فهو أنك حين تنقذ بنكا، فإن ذلك يوفر حجة ربما لكفالات أخرى أكبر.

وانتهى الأمر بالحكومة الإندونيسية بفاتورة من عدة مليارات من الدولارات للأزمة المالية، وهو ثمن كبير جدا بالنسبة لدولة ناشئة، وسعت وكالة إعادة الهيكلة التابعة للبنك الإندونيسي إلى بيع ما يساوي 533 تريليون روبية (56 مليار دولار بسعر صرف اليوم) ، من أصول البنك التي وضعت الحكومة يدها لتجميع الأموال التي استخدمت في الكفالات -

أثاث البنك والسيارات واللوحات الفنية والعقارات والأسهم والسندات ومحافظ القروض إلخ... (ومن الصدفة أن ليمان براذرز عمل في ذلك الوقت كمستشار لوكالة إعادة الهيكلة التابعة للبنك الإندونيسي).

لكن بعد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي أطلقتها الأزمة عملت إندونيسيا بما وعظت به الولايات المتحدة، وأعطي المنظمون الإندونيسيون استقلالا وصلاحيات أكبر لضبط المؤسسات المالية، ووضعت موضع التنفيذ متطلبات صارمة لكفاية رأس المال وآليات إدارة المخاطر، ومن ناحية أخرى زادت جهات الرقابة المستقلة وحركات المجتمع المدني من اليقظة من عائدات الفساد والمحاباة الواسعي الانتشار اللذين لوثا الحكومة والقطاع الخاص في إندونيسيا.

إن شدة أزمة 1997 جعلت آسيا تحذر من ارتكاب نفس الغلطات مرة أخرى. وهذا يشكل إلى حدّ ما سببا لقيام الحكومات الآسيوية بتكديس تريليونات الدولارات كأموال سائلة استخدمت في تدعيم المؤسسات المالية الأمريكية.

وكان يمكن تصوير متاعب "وول ستريت" المالية في آسيا على أنها إذلال لأمريكا، انتقام من الصورة المشؤومة لسوهارتو وكامديسوس، لكن منذ يوم الإثنين كان واضعو السياسة الآسيويون يراقبون من كثب، سير الأحداث، فآسيا تفهم دورها في المساعدة في إضفاء الاستقرار على النظام المالي العالمي، المحفوف بالمخاطر كما هو الآن ومن المحتمل أن تخف المؤسسات المالية الآسيوية للمساعدة حيثما يكون هذا ضروريا وحصيفا.

إن بقية بلدان العالم تراقب من كثب كيفية تعامل أمريكا مع هذه الأزمة، لكن ذلك يمكن أن يكلف أمريكا مصداقيتها إذا فشلت في الأخذ بنفس النصيحة التي قدمتها لآسيا خلال تلك الأوقات المضطربة قبل 11 سنة.

* مسؤولة صحافية رفيعة المستوى في "آسيا سوسيتي" في نيويورك، وقبل التحاقها بهذه المؤسسة كانت تغطي القضايا السياسية والمالية الآسيوية من هونج كونج (بما فيها أزمة 1997).