عاش العالم عدداً من الكوارث الكبرى خلال الفترة الماضية بين إفلاس شركات كبرى وانهيار أنظمة ائتمانية ومزايدات نفطية تصعد بالأسعار حيناً وتهبط بصناعة احترافية من دول عظمى حيناً أخر، بعيداً عن قرارات الفائدة البريطانية والأوروبية والأميركية والخطوط التي رسمت من خلالها خارطة العالم الاقتصادي الحديث وشكلت أجندة التنمية والاستثمار والنمو على الصعيد العالمي ككل، ويأتي ذلك وسط أحاديث نقلته أوساط صحيفة حول تحمل بعض القطاعات الاقتصادية الخليجية مسئولياتها تجاه العالم من خلال ضخ بعض ملياراته والتي تتجاوز الألفين مليار من الدولارات في عمق الرهن العقاري الأميركي.

وجاءت الردود سريعة من قبل بعض الشركات إذ أوضحت شركة مبادلة للاستثمار المملوكة لحكومة أبوظبي أنها لا تتطلع لدخول السوق في الاضطرابات المالية التي يشهدها العالم حاليا لإنقاذ مؤسسات مالية متعثرة، وهو ما تضمنه تصريح مصدر مسئول مقرب من هيئة الاستثمار القطرية أن التقلبات التي تشهدها الأسواق الأمريكية دفعت الهيئة للامتناع عن اتخاذ قرارات استثمارية في تلك الأسواق وان الهيئة تفضل الترقب والانتظار قبل القيام بأي استثمارات هناك، في الوقت الذي انخفضت به مؤشرات الأسهم في دول الخليج إلى أدنى مستوياتها منذ 17 شهرا في تعاملات محمومة مع نزوح المستثمرين من الأسواق الناشئة خشية تأثرها بتداعيات الاضطرابات الأخيرة في قطاع المال الأميركي.

ويقول رئيس القسم الاقتصادي في صحيفة اليوم محمد السهلي في حديثه لـ"إيــلاف" أن قرار الشركات الخليجية للدخول في الاستثمار وضخ الأموال في شركات عالمية خاسرة خاضع لدراسات جدواها من عدمه أو البقاء في حالة الترقب وانتظار الوقت المناسب للدخول، مؤكداً أن الأذرع الاستثمارية للحكومات أو الصناديق السيادية أو كبريات شركات الخليج ليست مسئولة عن تحمّل تبعات أخطاء غيرها، وأنه من الأجدى تحويل هذه المبالغ المتوقع ضخها في الاقتصاد الأميركي إلى الأسواق الخليجية التي تعاني أسوء مراحلها في الوقت الراهن كون الشركات أيضاً ذات مزايا نسبية أفضل من مثيلاتها في الجوار.

ومن جانبه يرى المحلل الاقتصادي الدكتور خالد المانع في حديثه لـ"إيــلاف" أن العالم الذي يدخل أوائل مرحلة التطبيق الفعلية لمفاهيم العولمة وما بها من تقارب تجعله يتأثر بالسياسات الاقتصادية في كل مكان ومن ثم من الطبيعي أن نشهد في الوقت الراهن مثل هذه الاضطرابات في القطاعات المختلفة، مشيراً إلى أنه من الممكن مجابهة تلك الاضطرابات عبر تطوير آليات العولمة التي تحدث التنسيق المشترك في الدول والأقاليم الاقتصادية في العالم انطلاقاً من الإيمان بوحدة مصير الإنسان بالإضافة إلى التنسيق المشترك في التكامل في القرارات المالية والاقتصادية وتحقيق أعلى قدر من الاستفادة لتوضيح الموارد الطبيعية العالمية على الشكل الذي يمنع هدرها وبالتالي يخفض من مخاطر حدوث انهيارات مستقبلية.

غليان أزمة "البنوك" وتحركات حكومية واسعة لتهدئة تأثيرها عالمياً
ويواجه النظام المالي الأميركي المضطرب أزمة لم يسبق لها مثيل حيث ينتظر أن يطلب بنك ليمان براذرز حمايته من الدائنين بينما سيشتري بنك أوف أمريكا بنك ميريل لينش المتعثر في الوقت الذي أعلن فيه مجلس الاحتياطي الاتحادي للمرة الأولى أنه سيقبل تقديم قروض نقدية مقابل أسهم.

ووافقت عشرة من أكبر بنوك العالم أيضا على تكوين صندوق للطوارئ بقيمة 70 مليار دولار يكون من حق أي من هذه البنوك الحصول على ثلث قيمته.

ومن ناحية أخرى ذكرت تقارير صحفية أن مجموعة أمريكان انترناشونال جروب (ايه.اي.جي) للتأمين المتعثرة طلبت من البنك المركزي الأميركي منحها قرض إنقاذ.

وتشير هذه التطورات التي تأتي بعد ثلاثة أيام من المحادثات بين الرؤساء التنفيذيين للبنوك والسلطات التنظيمية في مقر مجلس الاحتياطي الاتحادي إلى أن وول ستريت وواشنطن تسلمان بأن قدرا هائلا من الدعم والمساعدة أصبح مطلوبا في مواجهة أزمة الائتمان ومتاعب سوق المساكن في الولايات المتحدة.

ولم يستبعد الخبير الاقتصادي محمد كركوتي في حديثه لــ "إيـلاف" تدخل الحكومات قريباً لحل تلك المشكلات التي ضربت في عمق الاقتصاديات العالمية مستدلاً بطرح وزير المال أليستر دارلينغ بعد مشكلة بنك نورذن روك فكرة إعادة تأميم البنوك المهددة بالانهيار خوفاً من تداعي ذلك على الاقتصاد القومي ، مشيراً إلى أنه وفي ظل أزمة العقارات الراهنة فإن نسبة كبيرة من قروض بنوك الأفراد توجه لتمويل العقارات وهي في الوقت الحالي مهددة بأن تكون معدومة خاصة مع تدهور قيمة العقارات والتي بدأ بعضها لا يستطيع تغطية قيمة القرض الأصلي وهو ما يعتبر كارثة تهدد الحكومات وتخلق أزمة اجتماعية كبرى سواء بالدعم أو التأميم وهو ما يستوجب تهيئة البنوك لتكون قادرة على العودة للتأميم للحفاظ على حياة الاقتصاد.

وأكد كركوتي أن الاقتصاد العالمي دخل فعلياً في مرحلة الكساد التي لا يمكن تسميتها تباطؤ في النمو، موضحاً أن بعض الدول وصلت إلى مراحل لم يصلها منذ 100 عام، مبيناً أن الحكومات اتجهت لإعادة ترتيب أورقها المحلية ضمن نطاق جغرافيتها دون التفكير العالمية، مفيداً أن الدول العربية كونها مرتبطة بالدولار لابد أن تتأثر بالأحداث، متوقعاً استقرار الاقتصاديات العالمية بعد توضح صورة السياسة التي سيتبعها الحاكم الأميركي الجديد لمواجهة انخفاض نفوذ بلاده الاقتصادي العالم في مقابل ظهور اقتصاد أخرى مثل الصين والهند.

وحذت البنوك المركزية في أوروبا واسيا حذو مجلس الاحتياطي الاتحادي بمحاولة دعم الأسواق التي تترنح تحت وطأة انهيار بنك ليمان براذرز وبيع بنك ميريل لينش المتعثر.
وهبط الدولار والأسهم في آسيا وأوروبا بشدة وقفزت السندات التي تمثل ملاذا آمنا بعد أن أخفقت محادثات طارئة جرت في مطلع الأسبوع في إنقاذ بنك ليمان الذي تأسس قبل 158 عاما من أن يصبح أحدث ضحية لازمة الائتمان التي اندلعت منذ 13 شهرا.

وتأهبا لمواجهة تقلبات حادة خلال الأسبوع أعلن مجلس الاحتياطي إجراءات طوارئ من بينها قبول أوراق مالية كضمان لقروض نقدية وذلك للمرة الأولى في تاريخه الذي يعود إلى 90 عاما.

وقالت بنوك مركزية في دول أخرى من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى إنها تتابع الأسواق عن كثب وتقف على أهبة الاستعداد للتحرك.

وكان الرئيس الأميركي جورج بوش قال إن إدارته تعمل من أجل الحد من تأثير إفلاس بنك ليمان براذرز والتطورات المرتبطة بذلك على أسواق المال لكنه عبر عن التفاؤل إزاء مرونة أسواق رأس المال، مؤكداً أن السياسة تفرض التركيز على سلامة النظام المالي ككل، مشيراً إلى أنه يمكن أن تكون التغيرات في الأسواق المالية مؤلمة في المدى القصير، لكنها في المدى البعيد ستكون مرنة وقادرة على التعافي، في الوقت الذي سيناقش في مجلس النواب الأميركي تشريعا هذا الشهر لضخ 50 مليار دولار أخرى كحافز للاقتصاد الأميركي الذي يعاني من المشاكل وسيكون الهدف في الأغلب خلق فرص عمل جديدة.

النفط يتبع الأسواق وينزل إلى مستويات فبراير مع المتغيرات الجديدة
وتدهور سعر برميل النفط إلى أدنى مستوياته منذ فبراير متراجعا إلى ما دون 93 دولارا في لندن ودون 97 دولارا في نيويورك اثر الأزمة المالية في الولايات المتحدة التي يخشى ان تؤدي الى تباطؤ كبير في استهلاك الطاقة والمواد الأولية.

وفقد سعر برميل النفط أكثر من أربعة دولارات من على جانبي الأطلسي إلى حدود 92,38 دولارا في لندن والى 96,31 دولارا في نيويورك وهما مستويان افتقدت إليهما السوق منذ فبراير.

وأرجع المحلل النفطي حجاج بوخضور في حديثه لــ"إيــلاف" أسباب تراجع الأسعار النفطية إلى التباطؤ الاقتصادي التي تعيشه الولايات المتحدة وأوروبا، وتراجع الطلب على النفط خلال العام الجاري عما كان متوقعاً بحوالي 275 ألف برميل يومياً إلى مليون برميل فقط، وأن الأسعار التي تعتبر مرتفعة بشكل غير مبرر حسب أساسيات السوق ساهمت في الضغط على (أوبك) لتخفيف زيادة الطلب ما جعل بعضها تخرج عن نظام المحاصصة السوقية التي اتفقت عليه المنظمة خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى خفت حدة توجههم إلى النفط كوعاء للقيمة مع تعافي الدولار والهدوء الذي يكتنف المتغيرات الجيوسياسية في الوقت الراهن، والقرار الحكيم الذي اتخذته دول (أوبك) بإعادة الأحوال على ما كانت عليه خلال عام 2007.

وطالب بوخضور (أوبك) بإعلان بدء برنامج خلال اجتماعها القادم يتسم بالشفافية بالانضباط فيما يتفق عليه من حصص إنتاجية لتخفيض الأسعار وانتهاج طرق تحد من قدرة المضاربين على تحديد الأسعار العالمية وينهي التكهنات.