عانت الأسواق المالية يوم أمس من جيشان واضطراب قوي للغاية وسط تصاعد المخاوف حول آفاق الاقتصاد العالمي وسلامة القطاع المالي.

كان من شأن سلسلة من البيانات حول سوق العمل الأمريكية أن عمقت من المخاوف حول التقرير الحيوي الخاص برواتب العاملين في القطاعات غير الزراعية، الذي يتخوف المستثمرون من أنه ربما يكون أضعف مما كانوا يخشون.

من جانب آخر، خفض البنك المركزي الأوروبي توقعاته حول معدلات النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، وقال إنه سيشدد قواعد الإقراض، ما أشعل المخاوف حول السيولة في القطاع البنكي.

والواقع أن أسهم البنوك تصدرت الأسهم الهابطة في الولايات المتحدة وأوروبا. بحلول منتصف أمس في نيويورك هبط مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بمقدار 1.9 في المائة، في حين أنه في أوروبا هبط مؤشر فاينانشال تايمز يوروفيرست 300 بمقدار 2.6 في المائة. وفي طوكيو هبط مؤشر نيكاي 225 بمقدار 1 في المائة، ليسجل أدنى مستوى له منذ خمسة أشهر.

أبقى البنك المركزي الأوروبي، كما كان متوقعاً، أسعار الفائدة على حالها، على اعتبار أن توقعاته بشأن التضخم أعلى من ذي قبل وتوقعاته بشأن النمو الاقتصادي أصبحت أدنى من ذي قبل.

قال جان كلود تريشيه، رئيس البنك المركزي الأوروبي، إن الاقتصاد يمر "بطور من النشاط الضعيف"، وأضاف أنه يرى أن التضخم لن يصل إلى مستوى استقرار الأسعار إلا في عام 2010.

قال ديفد بيج، وهو اقتصادي لدى مؤسسة إنفستك Investec: "لا نرى أن البنك المركزي الأوروبي سيتحمل فكرة تخفيض أسعار الفائدة في ظل آفاق التضخم هذه".

وقال: "لكن وجهة نظرنا الخاصة بشأن النمو المتواضع تجعلنا نتوقع أن تكون آفاق التضخم أكثر اعتدالاً مما يُظَن، وهذا يذكرنا بصورة الوضع حين بدأ البنك المركزي الأوروبي دورته في تخفيض أسعار الفائدة. ونحن لا نزال مقتنعين بتوقعنا أن البنك سيخفض أسعار الفائدة في آذار (مارس) وحزيران (يونيو) من السنة المقبلة".

في أسواق العملات، ساعدت المخاوف من تراجع معدلات النمو الاقتصادي في منطقة اليورو على دفع اليورو إلى أدنى مستوى له منذ ثمانية أشهر في مقابل الدولار، وأسوأ مستوى له في مقابل الين منذ آذار (مارس).

كذلك تضرر اليورو بفعل التعليقات التي أطلقها جان كلود جونكر، رئيس مجلس وزراء المالية في منطقة اليورو، الذي قال إن اليورو يظل أعلى من قيمته الحقيقية رغم حالات الهبوط الأخيرة. يذكر أن اليورو هبط بنسبة تبلغ 10 في المائة تقريباً من أعلى مستوى له أمام الدولار، الذي سجله في تموز (يوليو) بمعدل 1.60 دولار.

عانى الجنيه الاسترليني من يوم قاتم آخر، رغم أنه ارتد إلى الأعلى قليلاً عن أدنى مستوى في مقابل اليورو بعد أن أبقى البنك المركزي البريطاني أسعار الفائدة على حالها عند 5 في المائة.

من جانب آخر قال البنك المركزي الأوروبي كذلك إنه سيشدد القواعد على الضمانات التي يقبلها من البنوك لضمان قروضها من البنك المركزي، وقلل من سهولة شراء التسهيلات التمويلية ذات الأجل القصير.

في أسواق المال ضاقت الفروق لفترة قصيرة بين سعر فائدة ليبور لأجل ستة أشهر للإقراض بين البنوك وبين أسعار الفائدة المتوقعة من البنوك المركزية (أي أسعار التأمين على العقود المتبادلة لأسعار الفائدة)، ضاقت بعد ورود الأنباء عن تغيير القواعد من البنك المركزي الأوروبي.

قال ماركو أنونزياتا، وهو كبير الاقتصاديين لدى بنك يوني كريدي UniCredit: "لاحظ أن البنك المركزي الأوروبي هو المزود الرئيسي للسيولة بالنسبة للنظام البنكي منذ نشوء الأزمة. وأنا متأكد أن القواعد وضعت بمنتهى العناية، ولكن وقعها بحاجة إلى أن يُرصَد من كثب، وذلك بالنظر إلى الظروف العسيرة أصلاً في الأنظمة المالية".

تركزت المخاوف من آفاق الاقتصاد الأمريكي على سوق العمل. تحسن مؤشر نشاط قطاع الخدمات الإجمالي (الذي يرصده معهد إدارة العرض) في آب (أغسطس) من 49.5 إلى 50.6، ولكن عنصر التوظيف في المؤشر هبط من 45.4 إلى 47.1.

جاءت الأنباء قاسية في أعقاب دراسة من "إيه دي بي" لخدمات أصحاب العمل، حيث أشارت إلى هبوط مقداره 33 ألفا في عدد موظفي القطاع الخاص في الشهر الماضي، إلى جانب قفزة مقدارها 15 ألفا في المطالبات الأولية للتعويض عن البطالة في الأسبوع الماضي. عملت البيانات المذكورة على تعميق التوقعات بأن تقرير التوظيف في الولايات المتحدة سيكون ضعيفاً.

يتوقع بنك ليمان براذرز Lehman Brothers الآن هبوطاً مقداره 100 ألف في عدد الموظفين في القطاعات غير الزراعية في آب (أغسطس)، أي ضعف معدل الهبوط خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وزيادة في عدد العاطلين عن العمل سترتفع من النسبة السابقة 5.7 في المائة في تموز (يوليو) إلى 5.8 في المائة.

ارتفعت السندات الحكومية بسبب ذهاب المستثمرين للملاذ الآمن، على اعتبار أن شراء الأسهم أصبح تحت الضغط الآن.

هبط العائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات بمقدار خمس نقاط أساس ليصل إلى 3.66 في المائة، في حين أن العائد على السندات لأجل سنتين هبط بمقدار أربع نقاط أساس ليصل إلى 4.22 في المائة.

في أوروبا، هبط العائد على السندات الحكومية الألمانية لأجل عشر سنوات بمقدار 8 نقاط أساس ليصل إلى 4.05 في المائة.

لم تتلق أسواق الأسهم دعماً يذكر من التراجع البسيط في أسعار السلع. استمر النفط في التراجع حتى بعد أن أظهرت البيانات الأمريكية أن المخزون من الخام في الولايات المتحدة تراجع بنسبة أكثر مما كان متوقعاً في الأسبوع الماضي. كذلك لم يكن هناك رد فعل قوي حول الأنباء القائلة إن المزيد من الأعاصير في طريقها إلى خليج المكسيك.

هبط سعر الخام الأمريكي الخفيف إلى ما دون 108 دولارات للبرميل، في حين أن الذهب تراجع إلى ما دون 800 دولار للأونصة.