التضخم أصبح أكثر الأزمات العالمية أهمية و النفط هو الدّاء !



الأسبوع الماضي كان أسبوعا ً متشائما ً جدا ً لجميع الدول دون استثناء فلا نستطيع القول بأن الولايات المتحدة فقط هي من أصدرت البيانات الأسوأ عندما تم إصدار بيانات الوظائف التي أظهرت ارتفاعا ً في مستوى البطالة وصل إلى 5.5% القفزة الأكبر للبطالة منذ 1986.

شاركت جميع الدول في إظهار بيانات سيئة, لكن على ما يبدو بأن التوجه العالمي قد اختلف الآن كثيرا ً , انخفض سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل معظم العملات الرئيسية , ارتفع سعر برميل النفط إلى مستوى قياسي جديد وصل إلى 139 دولار للبرميل الواحد .إن انخفاض سعر صرف الدولار وارتفاع سعر برميل النفط أصبحا يرتبطان ارتباطا ً وثيقا ً في مستوى التضخم في العالم.

خلال سنة سابقة ارتفاع سعر برميل النفط بمقدار 95% تقريبا ً , انخفض سعر صرف الدولار الأمريكي بنسب متفاوتة لكن كبيرة نسبيا ً مقابل العملات الأخرى . ارتفع سعر الغذاء واستقر في مستويات مرتفعة نسبيا ً , لكن ما يقلق العالم هو أسعار الطاقة التي تكاد تدخل في سعر كل سلعة يقوم المستهلك بشرائها ابتداء ً بالسلع الأساسية وانتهاء ً بالمعمرّة منها .

السيد تريشيت صرّح خلال الأسبوع الماضي تصريحا ً شديد اللهجة يشير إلى رفع سعر الفائدة المرجعي من 4.00% إلى 4.25% خلال الاجتماع المقبل , السيد بيرنانكي محافظ البنك الفيدرالي الأمريكي أشار إلى إن الهم الأول في الولايات المتحدة الأمريكية هو مستوى التضخم وأشار إلى إيقاف تخفيض الفائدة المرجعية . في بريطانيا يشير السيد كينج إلى إن مستوى التضخم يضيف ضغطا ً على التباطؤ الاقتصادي العنيف في بريطانيا ويخشى الوقوع في مشكلة ارتفاع التضخم أكثر , في اليابان لا يستطيع المركزي أن يخفض سعر الفائدة حتى يدفع النمو الاقتصادي وسط مستوى التضخم الذي ارتفع فوق المستوى الطبيعي الذي يريده المركزي الياباني .

إن مستوى التضخم يرتبط ارتباطا ً وثيقا ً في سعر الغذاء والطاقة, لكن بالتأكيد فإن ارتفاعهما ليسا فقط السبب في استقرار التضخم عند مستوياته المرتفعة. تظهر البيانات الاقتصادية بأن التوجه في الإنفاق أصبح يقل على مبيعات التجزئة والسلع المعمرة وغيرها من السلع الاستهلاكية لكن بنفس الوقت استمر عند نفس المستويات على الطاقة وحتى لو حصل انخفاض في بعض الأشهر إلا إن ذلك كان انخفاضا ً طفيفا ً وبنفس الوقت الانخفاض الذي حصل على السلع الأساسية والمعمرة لم يكافئ الارتفاع في أسعارها . وهذا تم إثباته في الناتج المحلي الإجمالي للعديد من الدول حيث ظهر الإنفاق في أحسن حالاته في الكثير من الدول وظهرت نتائج النمو الاقتصادي أفضل من التوقع بالرغم من تباطؤ في مؤشرات الاستهلاك مثل مؤشرات مبيعات التجزئة والبضائع المعمرة و الإنفاق على المواصلات وغيرها .

تشير العديد من الدراسات بأن أوروبا تعاني من استقرار التضخم بفعل ارتفاع مستوى الأجور الذي يكافئ تقريبا ً الارتفاع في الأسعار , مما جعل الطلب يثبت عند نفس المستوى تقريبا ً دافعا ً مستوى التضخم إلى الأعلى , وفي الولايات المتحدة فإن الفيدرالي الأمريكي قلق جدا ً من تأثير ضخ الأموال إلى الأسواق بالرغم من حاجة النمو الاقتصادي إلى ذلك , وفي بريطانيا واليابان فإن تغيّر العادات الاستهلاكية سببت انحرافا ً في وزن السلع التي تشكل سلة السلع التي باستخدامها يتم قياس مستوى مؤشر سعر المستهلك , بكلمات أخرى التضخم .

استمرار ارتفاع التضخم, أو على الأقل ثباته عند هذا المستوى سوف يعيق جد ا ً التقدم الاقتصادي منعكسا ًعلى الناتج المحلي الإجمالي المثبط (Deflator) والذي أصبح سالبا ً في بعض الدول . هل هذه دلالة على ركود اقتصادي ؟ بالتأكيد لا ..لكن في الحقيقة فإن هذه النتائج بالنسبة للمستهلك تشبه كثيرا ً الحالة أثناء المرور في الركود التضخمي. وهذا يسبب مزيدا ً في الانخفاض في ثقة المستهلك ومزيدا ً من التدهور في الاقتصاد ككل .

ثقة المستهلك, القدرة الشرائية للنقد, كفاءة الأسواق المالية , كفاءة الاستثمار كلها تتناسب عكسيا ً مع مستوى التضخم . واستمرار ارتفاع التضخم هو من سيقود هذه المؤشرات إلى انخفاض شديد لتدفع النمو الاقتصادي نحو الحضيض. من هنا نجد بان السياسة النقدية التي تتجه إلى رفع النمو الاقتصادي عن طريق تخفيض الفائدة أصبحت غير مجدية مع ارتفاع مستوى التضخم الذي يسحب معه النمو الاقتصادي المثبط إلى القيم السلبية أحيانا ً والاتجاه نحو الحد من ارتفاع الأسعار هو المطلوب . وهذا ما نجده في الدول العالمية معظمها الآن حيث إنه بالرغم من انخفاض النمو الاقتصادي في البعض أو توقع الانخفاض ما زال صانعو السياسات المالية باتجاه نحو الحد من التضخم .

قد يكون صانعو السياسات النقدية في البنوك المركزية في العالم غير قادرين على الحد من مستوى التضخم , فلا بد من وجود مستجد وهو تدخل منظمات الطاقة الدولية مثل أوبيك , وبنفس الوقت تدخل من أصحاب القرار السياسي . كل هذا يجب أن يجتمع مع بعضه البعض حتى نصل إلى حالة من الممكن أن يخرج العالم من الأزمة التي يتوقع أن تفوق أزمة الثمانينات في الولايات المتحدة وأزمة 1960 أيضا ً التي ارتفع فيهما مستوى التضخم بشكل قياسي واضعا ً الكفاءة الاقتصادية في القيمة السلبية بعد تعديل النمو بالتضخم في ذلك الوقت .

تتوقع شركة جي بي مورجان بأن النفط سوف يصل مستوى 150 دولار للبرميل في فترة لا تزيد عن شهر , وتتوقع العديد من المؤسسات المالية بان سعر تداول النفط سوف يكون كمتوسط خلال الربع القادم من السنة حول 141 دولار للبرميل . هذا بالطبع سوف يؤثر سلبا ً على جميع الدول في العالم دافعا ً مستوى التضخم إلى الأعلى أكثر فأكثر . فلا يوجد إلا حلين اثنين , الأول هو أن يصل التضخم مرحلة انفجار فقاعة ويكون ذلك بأن يصل مستوى الأسعار حدا ً لا يستطيع المستهلك تحملّه ويحصل عزوف عن السلع بشكل ملحوظ لكن هذا الخيار سوف يسبب بالتأكيد ركودا ً اقتصاديا ً في العديد من الدول أو تباطؤ عنيف في البعض الآخر حيث إن العزوف عن شراء السلع سوف يؤدي إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي حقا ً دافعا ً الناتج المحلي الإجمالي إلى الحضيض .

الحل الثني هو أن يحصل اتفاق بين صانعي القرار السياسي مع البنوك المركزي إلى جانب الهيئات المنظمة للطاقة بشكل خاص للحد من ارتفاع الأسعار باستخدام تثبيت الأجور لفترة إلى جانب ضخ كميات مناسبة من الغذاء والطاقة إلى الأسواق وبالتأكيد يجب أن يتم إيقاف التداول الاستثماري والمضاربي بالسلع الأساسية التي تشمل الغذاء والطاقة والتي كان لها الدور الأكبر في ارتفاع سعر الطاقة خلال العام الماضي .

أشار مسئول الطاقة في المملكة العربية السعودية بأن قفزة سعر النفط يوم الجمعة الماضية غير مبررة بالنسبة لبيانات اقتصادية أو ما شابه , لكن من جهة أخرى يصدر من إيران تصريحا ً يفيد بأن سعر النفط الحالي منخفض مقارنة بما يجب أن يكون عليه , فأي المقولتين هما الأصدق ؟ لننتظر اجتماع أوبيك القادم لنرى المستجدات , ولننتظر ما سيكون تصرف البنوك المركزية في العالم في سياستهم النقدية وما سوف يكون القرار السياسي بشأن مستويات النمو في الأجور .

منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول