هل نحن مستعدون لسنوات المجاعة؟



م. حسام جميل مدانات - يجب تدمير مجهود الانسان والمنتجات الزراعية حتى نحافظ على الاسعار. شحنات الفواكه والخضار ترش بالنفط أو يلقى بها في الانهار، بينما ملايين الجياع يعانون من سوء التغذية ويموتون موتا بطيئا.
تفوح روائح التعفن من أكوام الغلال المدفونة، وتحرق الذرة كوقود. تذبح المواشي ثم تدفن حتى لا يستفيد منها أحد. العبارات السابقة بعض ما ورد في رواية عناقيد الغضب لجون شتاينبك، واصفا ما كان يحصل في الولايات المتحدة في أواخر عشرينيات القرن الماضي، والتي مثلت ارهاصا ومقدمة للكساد العظيم الذي بدأ عام 1929 في أمريكا ثم انتشر كالنار في الهشيم في أنحاء العالم.
هناك حكمة تقول الحرب أخطر من أن تترك للعسكريين فرغم أنهم هم المختصون بالأمور العسكرية، إلا أنهم عندما ينشئون جيوشا ضخمة بأسلحة متطورة مدمرة فهم يفكرون بالحرب. لكن تأثير الحرب يمتد ليشمل كل نواحي الحياة. وقد تقتل من المدنيين أكثر مما تقتل من الجنود.
وكذلك الأمر بالنسبة للاقتصاد. فهو أخطر من أن يترك لخبراء الاقتصاد. فمن خلال النظرة المتخصصة الضيقة لبعضهم، يكون هدفهم تعظيم الربح عن طريق تقليص العرض وبالتالي رفع الأسعار وزيادة الدخل، ناسين أو متناسين أو متجاهلين كل ما عدا ذلك. هذا ما حصل في الولايات المتحدة قبيل الكساد العظيم قبل ثمانين عاما.
فهل نحن على عتبة كساد عظيم جديد، أو انهيار اقتصادي يغطي بردائه الأسود فقراء العالم، ويدخلنا في حقبة من الجوع والبطالة والمرض التي قد تضرب مليارات البشر؟ لكن تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية لن ينحصر بالفقراء. فالمؤسسات المالية قد تنهار وتجر معها أسواق الأسهم والعقارات. فتتبخر ثروات الكثيرين فجأة، ولا يقتصر ذلك على الطبقة المتوسطة، فأصحاب الملايين قد يفلسون ليقفوا في الطوابير حاملين طبقهم من أجل وجبة مجانية. هذا اذا لم ينتحروا قبل ذلك. وقد حصل كل هذا قبل 80 عاما في اميركا والعالم.
فما أسباب أزمة الغذاء العالمية حاليا؟ وكيف تراكمت هذه الأسباب لتصل بنا إلى شفا الهاوية؟ لا شك أن العالم قد أصبح قرية كبيرة مترابطة، بل هو الآن أشبه بجسم حي واحد يتأثر كل عضو فيه بما يحصل لأي عضو آخر.
في عام 1973، بعد الحرب الثالثة بين العرب واسرائيل، حصلت الصدمة النفطية الأولى حين حظرت دول النفط العربية تصديره للدول التي ساندت اسرائيل. فارتفعت اسعاره عدة أضعاف خلال بضع سنوات. وبهدف تقليل الاعتماد على النفط بدأ العالم بالبحث عن مصادر بديلة. ومن ذلك ما فعلته الولايات المتحدة والبرازيل عام 1975، حين طورتا استخدام كحول الأيثانول كوقود بديل. وهو كحول حيوي يستخرج من محاصيل زراعية كالذرة.
وفي عام 1984 كانت 90% من السيارات المنتجة محليا في البرازيل تستخدم الكحول ( هل تعلم أن رودلف ديزل (1858-1913) الذي اخترع محرك الديزل المعروف باسمه قد صممه ليعمل بزيت الفستق؟ ) وفي عام 1992 قرر الاتحاد الأوروبي تخفيض مخزونه من الحبوب. وفي عام 2002 زاد انتاج اللحوم في العالم عن 230 مليون طن ( معدل استهلاك الفرد من اللحوم 29 كغ مقارنة مع 11 كغ عام 1970 ) مما أحدث ضغطا زائدا على الأراضي الزراعية وغلاتها. اذ أن ثلث الانتاج العالمي من الحبوب مخصص كغذاء للمواشي.
في عام 2006 انخفض انتاج القمح في العالم بنسبة 5% بسبب سوء الأحوال الجوية في استراليا واوروبا، فيما أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للإيثانول حين خصصت خمس انتاجها من الذرة ليحول لوقود حيوي. وفي عام 2016 سترتفع النسبة الى الثلث لتتوقف الولايات المتحدة كليا عن تصدير الذرة.
وفي آب 2007 ضرب سعر القمح رقما قياسيا، فيما انخفض مخزون الحبوب العالمي لأدنى مستوياته منذ ثلاثين سنة. ثم أعلنت عدة دول مصدرة للحبوب بأنواعها عن وقف تصديرها لها.
فهل نأمل أن يكون لهذه المعطيات الجديدة مردود ايجابي على دول العالم الثالث، ومنها بلدنا، بحيث نعود لنزرع حاجتنا من القمح فيما تبقى من أراضينا الزراعية، ونأكل من عرق جبيننا بدلا عن الاعتماد شبه الكلي على الاستيراد؟
عن Science et Vie