تحقيق ـ عمر محي الدين

يعتبر خبراء الاقتصاد في العالم أن العام ٢٠٠٧، هو عام الأرقام القياسية والأزمات وعدم الاستقرار المالي والاقتصادي، وطبعاً المضاربات.
فالذهب الذي كان يعتبر الملاذ للكثيرين، تجاوز لأول مرة منذ ٢٧ عاماً سعر ٧٣٨ دولاراً للأونصة يوم ٢٠ أيلول (سبتمبر)، وفي الوقت نفسه يتجاوز اليورو الدولار، ووصل الى ١.٤١ دولار، مع احتمال حدوث تقلّبات جديدة يوماً بعد يوم. وأخيراً اخترق سعر برميل النفط عتبة الـ٨٣ دولاراً.
هذه التقلّبات غير المتوقّعة من قبل العديد من الخبراء الاقتصاديين أحدثت صدمة، وجعلتهم يتساءلون: الدولار والنفط اللذين ركبا المصعد معاً نحو القمّة... هل سيتابعان ارتباطاتهما في تحديد الأسعار؟ وهل إن هذا الارتباط سيحكم في نهاية المطاف على علاقتهما الطويلة؟
يقول الخبير الاقتصادي مارتن فييت من بنك «أنغ»: «ما هو مؤكّد أنه من وجهة نظر تاريخية كان الدولار والنفط يسيران معاً.. على الأقلّ خلال ٢٥ عاماً، إلا أنه منذ العام ٢٠٠٢ تغيّر الوضع لأن ارتباطهما أصبح سلبياً».
الأسباب عديدة، ومنها حسب قول الخبير فييت: «إن اتجاه الدول المصدّرة للنفط هو عدم استثمار دولاراتها في السوق الأميركية».
أضاف: «الدولار الضعيف كان عاملاً أساسياً في ازدهار دول آسيا، الأمر الذي أدّى الى زيارة الطلب وارتفاع الأسعار.
وفي الوقت الحاضر، يباع النفط بالدولار وغداً ربما تحوّلوا الى بيع باليورو وتلك مسألة أخرى».
من جهة أخرى، فإن القرار الأخير للبنك الفيديرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة نصف نقطة مئوية، ساهم في تعزيز العلاقة بين اليورو وبرميل النفط.
يقول فيليب مارتان البروفسور في جامعة السوربون الفرنسية: «إن محاولة البنك الفيديرالي الأميركي مواجهة أزمة الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وتحديد مستوى النمو العالي، أحدث صدمة في الأسواق، لاعتقادها بأن الطلب على النفط سيبقى مرتفعاً، وتتداخل في ذلك عمليات مضاربة واسعة، لأن خفض الفائدة في الولايات المتحدة أدّى الى تراجع قيمة الأسهم الأميركية، وبالتالي خفض قيمة الدولار، وهذا تسبّب عملياً في رفع أسعار اليورو مقابل الدولار.
رغم ذلك، يبدو أن الغزل القائم بين النفط واليورو هو مجرّد حالة عابرة، حسب البروفسور أوليڤيه باستريه من جامعة باريس ـ ٣ الذي اعتبر أن تصحيح قيمة العملات لا يعني كارثة، لأن تطوّر أي عملة يرتبط بعوامل أخرى عبر أسعار المواد الأولية، وهي أشبه بسلطة تحتوي على السعر والنمو وحجم الموازنة والثقة وعلامات القوّة.
لذلك، فإن المنطق الواجب اعتماده لتفسير ارتفاع اليورو وبرميل النفط يختلف تماماً، فتجّار النفط يراقبون بدقّة مثلاً تطوّر الاضراب في نيجيريا ومستوى المخزون الأميركي، وأي تصريح صادر عن مسؤولي منظّمة الدول المصدّرة للنفط «أوبك».
أما الأمر المؤكّد فهو التالي:
بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن الرقم القياسي للعملة الموحّدة «اليورو» سيؤدّي الى تحمّل صدمة ارتفاع أسعار النفط، وهكذا من الصعب الطلب من الدول المنتجة للنفط العمل على خفض الأسعار.
في المقابل، فإن الاقتصاد الأميركي يعاني مشكلتين: الأولى عملة حقيقية والثانية برميل أغلى.
وبالتالي، فإن صدمة ارتفاع الأسعار ستؤثّر سلباً في النمو الأميركي ومتابعة الدولار ومساره التراجعي.
ومع ازدياد الاستهلاك وخفض المخزونات، فإن الذهب الأسود سيتابع صعوده.
ويختصر الخبير الاقتصادي فيليب دارفيزيتين الوضع على الشكل التالي: على الأقلّ عرفنا أننا خرجنا من مرحلة التفاؤل ولا نعرف الى أي حدّ سيسقط الدولار، وإلى أي حدّ سيرتفع اليورو والنفط، ولا مصير مشكلة الأزمة العقارية الأميركية التي اعترف رئيس البنك الفيديرالي الأميركي بن برنانكي بأنها تجاوزت كافة التوقّعات.
هذا الواقع يجعل الدول الأوروبية تعيش في حيرة، إذ أن هامش المناورة لدى رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه تراجع بعدما تجاوز اليورو مستوى ١.٤٠ دولار، وخفض الفائدة الأميركية من ٥.٢٥٪ الى ٤.٧٥٪، وسط أجواء صعبة كانت تعيشها الأسواق المالية نتيجة الأزمة العقارية.
وبالتالي، لن يتمكّن البنك المركزي الأوروبي من طرح مسألة رفع الفائدة في الوقت الحاضر، وهو وضع بدأ يقلق المافيا، حسب قول وزير الاقتصاد مايكل غلوس الذي قال قبل أيام: خفض الدولار أمام اليورو وارتفاع سعر برميل النفط سيؤدّي الى خفض مستوى النمو لدينا.
وحذّر خبير آخر قائلاً «نحن وسط حرب مالية شرسة، فهل ستصمد أوروبا طويلاً؟ وهل بإمكانها التحرّك وحيدة؟ مسألة فيها نظر.

موضوع منقول.