مع ختام تداولات الاسبوع واقفال اسواق المال العالمية يومي السبت والأحد، انخفض سعر صرف الدولار الأميركي الى مستوى قياسي مقابل اليورو الأوروبي، بعد أن أظهرت بيانات رسمية أن الاقتصاد الأميركي نما بمعدل يقل عن المتوقع في الربع الاول من العام.
وهبط الدولار عقب صدور البيانات ليدفع العملة الأوروبية الموحدة الى مستوى قياسي عند 1.3683 دولار، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق متجاوزة المستوى القياسي السابق لها البالغ 1.3666 دولار في ديسمبر (كانون الأول) عام 2004.
وبذلك يكون اليورو في أواخر المعاملات الأوروبية يوم الجمعة قد ارتفع أكثر من 2% أمام العملة الخضراء خلال هذا الشهر. وأمام العملة اليابانية انخفض الدولار الى 119.11 ين من 119.25 ين.
وكانت العملة الأوروبية المشتركة، بعد أن تم طرحها في أسواق الصرف العالمية بسعر 1.17 دولار في يناير (كانون الثاني) عام 1999، قد فقدت 25% من قيمتها خلال الأشهر الـ18 التالية في ظل المخاوف بشأن التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو، ونضال الزعماء السياسيين في أوروبا من أجل التوصل لاتفاق على الإصلاحات الاقتصادية.
وقالت وزارة التجارة الاميركية، اول من امس، ان ضعف الصادرات والتراجع المطرد في الإنفاق على بناء المنازل ساعدا في تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي الى ادنى معدل نمو له في أربع سنوات في الربع الاول من هذا العام.
ونما إجمالي الناتج المحلي، الذي يقيس إجمالي إنتاج السلع والخدمات داخل حدود الولايات المتحدة بمعدل سنوي أقل من المتوقع بلغ 1.3 في المائة في الأشهر الثلاثة حتى 31 مارس (آذار).
وذلك أعلى بقليل من نصف معدل النمو في الربع الأخير من العام الماضي، البالغ 2.5 في المائة، وأقل بكثير من توقعات المحللين في وول ستريت، بأن يبلغ 1.8 في المائة، طبقا للبيانات التي أوردتها وكالة رويترز. وجرت المعاملات على العملة الأوروبية المشتركة عند 1.3675 دولار عقب تنامي التفاؤل بشأن التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو المؤلفة من 13 دولة. وكان اليورو قد سجل بالفعل خلال الأسابيع القليلة الماضية مستوى قياسيا مرتفعا مقابل العملة اليابانية الين.
ويهيئ ارتفاع اليورو الأخير الساحة لحدوث تطورات في أسواق العملات بما فيها تدني العملة اليابانية. وستتم مناقشة ذلك خلال اجتماعات هامة لمسئولين اقتصاديين من عدة دول خلال الأشهر القادمة منها اجتماع زعماء دول مجموعة الثماني الكبرى الذي سيعقد في ألمانيا في شهر يونيو (حزيران) القادم.
وقال هولجر شميدينج الخبير الاقتصادي ببنك أوف أميركا، إن اقتصاد منطقة اليورو يزدهر واليورو يحصل على بعض من هذا البريق. لكن محللين يتوقعون أن تؤدي سلسلة البيانات الاقتصادية الإيجابية، التي صدرت أخيرا من منطقة اليورو إلى أن يرفع البنك الأوروبي المركزي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس مرة أخرى في يونيو (حزيران)، من شأن ذلك أن تكون الزيادة الثامنة للبنك في تكاليف الإقراض، منذ أن بدأ دورة رفع أسعار الفائدة في ديسمبر عام 2005.
بينما يرى محللون أن مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) يواجه ورطة في كيفية معالجة تجدد المخاوف بشأن التضخم، في وقت يعاني فيه اقتصاد البلاد من الضعف حتى إن قام البنك بخفض محتمل لمعدل الإقراض الأساسي له من مستواه الحالي البالغ 5.25%.
ومع ضعف البيانات الاقتصادية الاميركية واتجاه الاقتصاد نحو المزيد من التراجع، وسط تصاعد احتمالات خفض معدلات الفائدة في الولايات المتحدة، فضلا عن اتساع فجوة العجز التجاري الاميركي، الذي بدأ ربما يخرج عن السيطرة، فان احتمالات بقاء الدولار على المدى المنظور تبقى هي الارجح.
وفي هذا السياق قال تقرير اصدرته مجموعة «سيتي غروب» اخيرا، ان الدولار الاميركي من المرجح ان يبقى ضعيفا في المدى المنظور، الا انه يتوقع ان يتحسن بطريقة او اخرى مع اكتساب الاقتصاد الاميركي الزخم في النصف الثاني من العام الحالي.
وهو الرأي الذي دعمه ديفيد وولف كبير الاستراتيجيين ورئيس القسم الاقتصدي لـ«ميريل لينش» في كندا، حيث يقول في هذا السياق: «الطلب على الاصول الاميركية لا يزال قويا، وبطريقة تجاوزت توقعات الكثير من المحللين».
واضاف وولف: «لا يبدو هذا الطلب بفعل الحماس القوي لاداء الاقتصاد الاميركي، او التوقعات حول قطاع الاسكان، بل لان اميركا تملك اعمق واكبر سوق سيولة في العالم».
وأشار تقرير سيتي غروب، الى انه في المدى المتوسط ستعزز قوة العملة الاوروبية الموحدة (اليورو)، مع تحسن الاقتصاد العالمي وزيادة اسعار المواد الاولية، وتعزز صادرات الشركات الاوروبية خصوصا الى اقتصادات دول آسيا الصاعدة. لكن التقرير أكد ان اداء الدولار امام العملات الاسيوية سيضعف خصوصا امام اليوان الصيني.
لكن في المقابل حذر بيل غروس، كبير مسؤولي الاستثمار في «باسيفيك انفستمنت مانيجمنت» وهو صندوق عملاق للاستثمار في السندات، يوم الاثنين الماضي من أثر اقتراب الدولار من مستواه القياسي البالغ 1.3670 دولار لليورو.
وقال غروس: «الدولار يقترب من النزول دون مستويات الدعم، واذا فعل فان ذلك سيكون له أثر كبير على جميع الاسواق»، مؤكدا الضرر الذي سيلحق بأسواق السندات من تزايد المخاوف من التضخم الاميركي والتمويل الخارجي.
وغروس ليس الوحيد الذي يرى ذلك، فقد قال نيل ماكينون، كبير الاقتصاديين في مجموعة «اي.سي.يو»، وهي صندوق تحوط في لندن يدير اصولا تقدر قيمتها بنحو 1.3 مليار دولار: «إن ثمن انهيار الدولار سيكون كبيرا».
وأضاف أن تسارعا حادا في خسائر الدولار قد يرفع رايات الخطر في ما يتعلق بالتضخم الاميركي وأسعار الفائدة ويقلق الاصول المالية الاميركية بإضعاف مشتريات الاجانب الضخمة التي تعتمد عليها هذه الأصول ويحد من الاقبال على المخاطر في كل مكان. واذا صدقت تحليلاتهما فان ارتفاع تكاليف الاقتراض واتساع الفروق بين أسعار الفائدة وتزايد الاضطرابات المالية بشكل عام يهددان بأن تخفض بسرعة أسعار الاسهم المرتفعة للغاية، التي كان من اسباب ارتفاعها اقبال مديرين على شراء حصص مسيطرة في شركاتهم بأموال مقترضة وتوقعات استمرار النمو الاقتصادي العالمي.
لكن لا يبدو أن الاسواق تشعر بأي قلق. ففي الوقت الذي سجل فيه الدولار أدنى مستوياته يوم الأربعاء الماضي، حققت اسواق الاسهم العالمية ارتفاعات قياسية، فارتفع مؤشر داو جونز الاميركي، متجاوزا مستوى 13000 لأول مرة وسجلت المؤشرات الأوروبية أعلى مستوياتها في ست سنوات ونصف السنة.
وقال اقتصاديون من «كريدي سويس» ان اسواق أصول أخرى لن تلحظ انخفاض الدولار الا عندما يثير قلق مجلس الاحتياطي الاتحادي من التضخم. وكتبوا يقولون في مذكرة للعملاء هذا الاسبوع «في رأينا أن ضعف الدولار لا يمثل مشكلة لأن يتسبب في رفع الفائدة... لكننا نعتقد أن ذلك لن يحدث ما لم ينخفض الدولار الى 1.50 دولار لليورو».
وما دامت هذه الدول غير مستعدة لخفض قيمة الدولار أمام عملاتها بما يحد من الصادرات، فانه من المستبعد حدوث اضطراب مفاجئ في الطلب على السندات الاميركية.