ثلاثة تكلموا في المهد




عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة» [متفق عليه]. لم يتكلم في زمن الرضاعة والطفولة إلا ثلاثة أطفال، يرضعون اللبن من ثدي أمهاتهم، ولكنهم تكلموا، فمن الذي أنطقهم؟! ومن الذي أعطاهم القدرة على الكلام؟!


فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبر أنه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة:



أولهم:


عيسى عليه الصلاة والسلام، وقد أتت به أمه بلا أب، فأتت مريم تحمل عيسى عليه السلام قال بن إسرائيل: }يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا{ [مريم: 28]، فلم تتكلم، وأشارت إليه، فتضاحكوا وقالوا: }كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا{ [مريم: 29].


فتكلم عيسى بإذن الله، ولم يمض عليه إلى ساعات، وقيل: ثلاثة أيام، فتكلم بلسان فصيح، نصيح، مليح، قال: }إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا{ [مريم: 30-33].



وثانيهم:


صاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدا من عباد بني إسرائيل، وكان دائما في صلاة، وذكر، ودعاء لله تبارك وتعالى، وقد اتخذ صومعة يعبد فيها ربه –عز وجل- وفي ذات يوم أتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، أي: ماذا أفعل، أأقطع الصلاة لأجيب أمي، أم أستمر في الصلاة ولا أقطعها، ثم أقبل على صلاته.


ولم يجب أمه، فانصرفت أمه، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب، أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته. فقالت أمه: اللهم لا تُمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات!!


أي لا تحكم عليه بالموت والفناء قبل أن يرى وجوه الزواني والبغايا المجاهرات بذلك.


دعت أم جريج عليه وانصرفت، فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وحسدوه على ذلك، لأنهم لا يريدون إلا الفجور والفسق والعهر، وتآمروا عليه.


فأتت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه لكم، فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها، فوقع عليها، فحملت، فملا ولدت قالت: هو من جريج، فأتوه، فاستنزلوه، وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي، فولدت فقال: أين الصبي؟ فجاءوا به، فقال جريج: دعوني حتى أصلي، فصلى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه بيده، وقال: يا غلام، من أبوك؟ قال الصبي الرضيع: أبي فلان الراعي. فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. [رواه البخاري].



وثالثهم:

صبي كان يرضع من أمه، فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة، فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا. فترك الثدي، وأقبل إليه، فنظر إليه، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثدي أمه فجعل يرتضع!!


ثم مروا بجارية، وهم يضربونها، ويقولون: زنيت، سرقت. وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل. فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع، ونظر إليها، فقال: اللهم اجعلني مثلها. فقالت: مر رجل حسن الهيئة، فقلت: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله. ومروا بهذه الأمة، وهم يضربونها، ويقولون: زنيت، سرقت، فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلت أنت: اللهم اجعلني مثلها!! فقال الرضيع: إن ذاك الرجل كان جبارا، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون لها زنيت، وهي لم تزن، وسرقت وهي لم تسرق، فقلت: اللهم اجعلني مثلها. [أخرجه مسلم].